أحلام ضائعة بين ضاحية العودة السورية و”نيو مجدل شمس” الإسرائيلية
أيمن أبو جبل
08 تشرين الثاني/نوفمبر 2020
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
أحلام ضائعة بين ضاحية العودة السورية و”نيو مجدل شمس” الإسرائيليةنصب سلطان ياشا الأطرش في مجدل شمس
عام 1987 أعلنت القيادة والحكومة السورية قرارها في البدء بإقامة ضاحية العودة شرق خط وقف إطلاق النار في مجدل شمس، وأوعزت إلى الحكومة السورية بإنجاز المخططات اللازمة للشروع بالخطوات الفعلية لتنفيذ القرار، بوصفه جزءًا من دعمها السكان السوريين في الأرض المحتلة، وتعزيزًا لصمودهم في وجه مخططات الاحتلال الإسرائيلي، بقي هذا القرار يتيمًا أكثر من 33 عامًا ومحض حبر على ورق، لم تُبن أي ضاحية، ولم تنشأ سوى بعض البيوت التي لم يتجاوز عددها عشرين بيتًا، بناها أصحاب تلك الأراضي من أبناء مجدل شمس النازحين في داخل الوطن منذ حزيران/ يونيو 1967، من دون تلقي أي دعم حكومي، يستخدمونها بيوتًا زراعية في أثناء جني محصولاتهم الزراعية، ووسيلة تواصل وجداني وعاطفي مع أبناء عائلاتهم في الأرض المحتلة، حيث تفصلهم مساحة تقدر بــ500م وجدار فصل إلكتروني مجهز بأحدث التقنيات العسكرية والتكنولوجية أقامته “إسرائيل” عام 2011 على طول 76 كلم بارتفاع 8 أمتار.
جاء قرار القيادة السورية آنذاك ترجمة لتفاهمات الأسد/ كيسنجر، في اتفاقية فك الاشتباك بين سورية و”إسرائيل”، الموقعة في 31 أيار/ مايو 1974 في جنيف بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، إذ حددت الأراضي الواقعة شرق الخط منزوعة السلاح، تحت الإدارة السورية، (على طول الخط “البنفسجي)، على أن يعود المدنيون السوريون إلى هذه الأراضي. وشملت تلك المساحات الأراضي الواقعة شرق بلدة مجدل شمس التي كان من المفترض أن تعيش فيها مئات العائلات السورية من أبناء قرى شمال الجولان (مجدل شمس- بقعاثا- مسعدة- عين قنية)، عملت الحكومة السورية على تطبيق جزء من الاتفاق على الأراضي التي انسحبت منها “إسرائيل” في اتفاقية فصل القوات بين الجانبين، وبدأت إعمار عدد من القرى والأراضي، شملت قرى العدنانية والعشة وبير عجم والأحمدية وجباتا الخشب، ومدينة البعث والرفيد والقحطانية والأصبح وكودنه وكفرالما، ووصلها بشبكات المياه والهاتف والكهرباء والطرقات والمدارس والمراكز الصحية والثقافية.
مع استمرار “إسرائيل” في تعميق احتلالها ووجودها، وإقامة مشروعات تصفها بالقومية، تتفاقم مشكلات السكان السوريين في الأرض المحتلة، وتتقلص أكثر فرص رفضهم للضغوطات والإغراءات الإسرائيلية، في الوقت الذي تتكسر فيه أحلامهم الوطنية، بصفتهم شركاء في هذا الوطن، وجزءًا طبيعيًا من النسيج الاجتماعي السوري الذي يتوق بأطيافه كافة إلى الحرية من نظام الاستبداد والاحتلال على حد سواء، لأن الحرية لا يمكن أن تتجزأ في معادلة الحياة الحرة الكريمة التي يخوض الشعب السوري منذ أكثر من نصف قرن معركته من أجلها. إلا أن مركزية الحدث السوري في الوعي اليومي المحلي والوطني، في خلال السنوات العشر الأخيرة، بعد انطلاق الثورة السورية المطالبة بالحرية والديمقراطية والدولة المدنية، طغت على المشكلات المركزية التي تعانيها قضية الجولان السوري المحتل، وأصبحت تعد من القضايا المؤجلة سياسيًا، وباتت عبئًا على عدد من الأطراف الفاعلة في الشأن الاجتماعي المحلي والسياسي الوطني، فضلًا عن طمسها إسرائيليًا في عقب الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية عليه، وتغاضي عدد من دول العالم عن عدّ المستوطنات والمنشآت والمشروعات الإسرائيلية المقامة على الأراضي السورية المحتلة في الجولان مخالفة للقانون الدولي ولمواقف تلك الدول التي رفضت رسميًا الاعتراف الأميركي، ورفضت قبله قانون ضم الجولان إلى الدولة العربية، بوصفه أرضًا سورية محتلة، لا يجوز فرض سيادة المحتل عليها؛ إضافة إلى تحول الجولان إلى محض مادة خطابية جوفاء، لم تقدم -ولا تقدم- للمواطن في الأرض المحتلة وخارجها سوى مزيد من الخذلان والإحباط واليأس، ساهم النظام السوري بماكينته الإعلامية -لتسويغ قمعه وطغيانه- بذريعة “مقاومة إسرائيل”، وساهمت المعارضة السورية -على اختلاف تياراتها السياسية- بدورها في هذا التردي، إذ لم يتجاوز دورها كتابة بيانات سياسية عدة، لم ترقَ أصلا إلى مستوى الخطاب الإعلامي الرسمي للنظام.
ابن بيتك في الجولان
إلى جانب السكان السوريين الأصليين في الأرض المحتلة، وعلى بعد مسافات قليلة من بلداتهم وأراضيهم، يعيش المستوطنون الإسرائيليون في الجولان المحتل بعيدًا عن حياة المدينة الصاخبة، والازدحام المروري في الداخل الإسرائيلي، وينتشرون في أماكنهم الجديدة على طول المنطقة الممتدة شرق بحيرة طبريا والحمة السورية، وحتى جبل الحرمون في الشمال، إذ تمنح “إسرائيل” تراخيص بناء لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية القائمة التي تتوافر فيها خيارات العيش الرغيد والهدوء النفسي والطبيعي في ظل أجواء مميزة يضيف جمالًا عليها التنوع المناخي الذي يميز الجولان، إضافة إلى الحصول على قروض ومنح بفائدة منخفضة لمساعدة المستوطن الجديد على بداية بناء بيته فور تسلمه الأرض، بدعم ومرافقة شبه كاملة من المجلس الإقليمي للمستوطنات الإسرائيلية، والوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة، ووزارة الإسكان التي تمنح القروض، ومديرية أراضي “إسرائيل”، ووزارة التربية التي تتولى سفريات مجانية للأطفال إلى مدارسهم، ووزارة الصناعة والتجارة لمنح مكافآت للمستثمرين في أراضيهم ومنشآتهم الصناعية، ووزارة العمل والرفاه الاجتماعي، ودائرة الهستدروت العمالية لمرافقة العمال والعاملين، ووزارة المالية التي تعالج التخفيضات الضريبية للشركات والأفراد.(1)
حتى عام 1977 أقامت “إسرائيل” عشرين مستوطنة، معظمها مستوطنات زراعية هدفها تطوير المزروعات في سهول الجولان الخصبة، اعتمدت على مصادر المياه وزراعة التفاحيات ومحصولات حقلية كثيفة الري في الشمال، وفواكه شبه استوائية، وزراعة الخضروات وأشجار الموز والمانغا والأفوكادو في سهل البطيحة الذي كان يعد السلة الغذائية لدمشق قبل الاحتلال، وتعدّه “إسرائيل” المخزون الغذائي الطبيعي لمستوطناتها الشمالية، ولاحقًا بنت مستوطنات أمنية وسياسية بوصفها خطًا دفاعيًا لها.
منذ عام 1981 وتطبيق قانون ضم الجولان إلى الدولة العبرية، ارتفع عدد المستوطنين في الجولان في ظل حالة الأمان والهدوء التي سادت الجبهة السورية من سبعة آلاف إلى حوالى 21 ألف مستوطن عام 2015، لتتصاعد الأعداد خلال أحداث الحرب في سورية، ويصل إلى حوالى أربعة وعشرين ألف مستوطن إسرائيلي، يعيشون في 34 مستوطنة إسرائيلية حتى عام 2020، في ظل نهضة عمرانية واسعة، وتطوير عشرات المشروعات الاقتصادية والزراعية والصناعية، وتكثيف المشروعات السياحية وحياة الرفاهية التي تشبه الأجزاء الريفية الأوروبية، ضمن تعددية سكانية تجمع بين العلمانيين والمتدينين، واليساريين واليمينين، يحصلون جميعهم على قطعة أرض تراوح مساحتها بين الدونم ونصف الدونم، بخصم تصل نسبته إلى 100%، مع عدم الاضطرار إلى الدفع لشراء الأرض، لكن هناك تكاليف صغيرة تتعلق بتطوير البنية التحتية العامة، وتطوير الأراضي التي تحددها وزارة الإسكان والإعمار الإسرائيلية وإصلاحها لكل منطقة على حدة، وكل شخص في “إسرائيل”، تقريبًا، يمكنه العثور على منزل في الجولان المحتل، يتناسب مع أسلوب حياته بوصف الجولان المحتل جزءًا من الدولة العبرية التي تعتمده بصفته حديقة قومية إسرائيلية تشهد حركة بناء نشطة، بعد الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية، وإقامة مستوطنة هضبة ترامب التي تستقبل عشرات الطلبات للاستيطان فيها. وفي ضوء التغيرات المحلية والإقليمية التي نشأت في عقب انهيار الدولة السورية وعجزها، وتقلص فرص الانسحاب الإسرائيلي من الجولان، فإن الأعداد قد تتزايد، وصولًا إلى الخطة الإسكانية الإسرائيلية، بارتفاع عدد المستوطنين في الجولان السوري المحتل إلى ربع مليون مستوطن إسرائيلي مع حلول عام 2048 في الذكرى المئوية لإقامة الدولة العبرية على أنقاض الوطن الفلسطيني.
سوريون قابضون على الجمر
على مدار سنوات الاحتلال، تباهت مؤسسات الدولة العبرية بأنها أحدثت نقلة نوعية في حياة السكان السوريين، على الصعد كافة، الاقتصادية والمدنية والحقوقية والثقافية، ووفرت لهم آليات ديمقراطية وقانونية لبناء مجتمع محلي راسخ ومتطور، واستنهضت مجموعات مميزة عدة في قطاعات التعليم والتربية وسوق العمل، اكتسبت مهارات الحياة لتقديم خدمات حيوية، لتمتين المجتمع وتطويره بمجموع أفراده؛ الأمر الذي كان مفقودًا في أثناء الحكم السوري للجولان. وتدعم المؤسسة الإسرائيلية الرسمية ادعاءاتها تلك بأكذوبة “حلف الدم بين اليهود والدروز”، من جراء المصاهرة المزعومة توراتيًا بين النبي موسى والنبي شعيب عليهما السلام التي تتنافى عقائديًا مع معتقدات المذهب التوحيدي “الدرزي”. لكن الأخطر في السياسة الإسرائيلية تجاه السكان السوريين هو تبني السلطات الإسرائيلية هوية دينية مستقلة في إطار “الهوية الدرزية الإسرائيلية”، وتعزيز فصل الطائفة التوحيدية “الدرزية” عن المجتمع والدين الإسلاميين، وجعلها ديانة مستقلة في القانون الإسرائيلي، وتعريفهم بوصفهم جماعة عرقية متميزة ومختلفة، لها مدارسها وتراثها وتاريخها الخاص، وتتمتع المدارس الدرزية “بالحكم الذاتي” في داخل النظام التعليمي الإسرائيلي، كما هو واقع الحال في المجتمع الدرزي في فلسطين المحتلة منذ عام 1948، وبدأت بتطبيق تلك القوانين على السكان السوريين في الجولان المحتل -بعد الاحتلال مباشرة- الذين عدّوا أنفسهم سوريين ورفضوا حمل الجنسية الإسرائيلية. وعلى أرض الواقع، بعد إلغاء الحكم العسكري وضم الجولان رسميًا الى “إسرائيل” عام 1981 ” عدّتهم مقيمين دائمين في إسرائيل” لا مواطني دولة. وبدلًا من حمل جواز سفر إسرائيلي يستخدمون وثيقة مرور إسرائيلية، للسفر منها وإليها، وحددت لهم في خانة الجنسية “غير معرف Undefined” فيما خانة القومية “درزي”، ومحل الإقامة “هضبة الجولان”. وعلى الرغم من عدم وجود فوارق كثيرة في الحياة اليومية بين المقيمين الدائمين ومواطني الدولة الإسرائيلية، لا يمكن للمقيمين الدائمين التصويت في انتخابات الكنيست، أو الترشح لرئاسة المجالس المحلية، وهناك عدد من الحقوق الأخرى محفوظة لمواطني الدولة فقط.
منذ اعتماد قانون ضم مرتفعات الجولان إلى إسرائيل، أصبحت الأراضي كافة خاضعة للقانون المدني الإسرائيلي، وأدمجت في النظام الإسرائيلي، وحاولت فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم، إلا أن الأغلبية العظمى رفضتها، ولكن ابتداء من عام 2011، ازدادت النسبة العامة لحَمَلَة الجنسيّة من مجمل سكّان القرى الأربعة مجتمعةً وبلغت حوالى 12%، من دون قرية الغجر السورية التي تعرضت إلى متغيرات استثنائية، رافقت عملية “فرض الجنسيّة” على سكّانها، بدأت في أواخر عام 1980 وانتهت عام 1990 تقريبًا، جعلت من سكان القرية والمواليد الجدد فيها كلهم حاملين للجنسيّة الإسرائيلية تلقائيًا، إذ يشكّلون حوالى 47% من عدد الجنسيات الحالي في الجولان، وهذا ما يرفع النسبة العامّة لحَمَلَة الجنسيّة الإسرائيليّة من 12% إلى 20% قياسًا بالعدد الإجمالي للقرى السورية جميعها حتى عام 2018. ووفق معطيات سلطة السكّان والهجرة الإسرائيلية، يبلغ عدد الذين تقدموا للحصول على الجنسية الإسرائيلية منذ عام 1967 حتى آذار/ مارس 2018، (بما في ذلك الأحياء والمتوفين) 1758 شخصًا، أي ما نسبته 6.5% من تعداد السكّان الحالي. في حين سجلت أعلى نسبة طلبات للحصول على الجنسيّة الإسرائيليّة عام 1981، حيث بلغت 365 طلبًا، بما يشمل 232 حالة في قرية الغجر، بينما سُجل 915 طلبًا للحصول على الجنسية الإسرائيلية في المرحلة الممتدة بين عام 1982 وعام 2014 ، في 2015 ارتفع العدد الى 105 طلبات، وفي 2016 بلغت الطلبات 181 طلبًا، فيما تراجع العدد عام 2017 إلى 106 طلبات.( 2)
الحي السكني الجديد “نيو مجدل شمس”
تمتد مجدل شمس على السفوح الجنوبية الغربية لجبل الشيخ بارتفاع يراوح ما بين 1100و1300 متر فوق سطح البحر. يحدها شمالًا سفح شديد الانحدار لإحدى قمم جبل الشيخ، وشرقًا خط وقف إطلاق النار على بعد أمتار من البيوت السكنية، أما غربًا أراضي قرية جباثا الزيت المدمرة التي أقيمت في مكانها مستعمرة إسرائيلية باسم (نفي اتيف) ويحدها جنوبًا تلتان؛ تلة الشميس، وتلة الريحانة التي كانت مزروعة بالألغام الأرضية حتى عام 2015. بعد احتلال إسرائيل للجولان عام 1967، انتقلت سلطة القوّة الشرعيّة بصورة فعليّة إلى يد قوّة الاحتلال؛ صادرت السلطات الإسرائيلية 30% من مساحة الأراضي العائدة إلى سكان القرى الخمسة الباقية (30 كم2 من أصل 100كم2) ، مفترضة أن هذه الأراضي ضرورية لمسوغات عسكرية أو أمنية، وتندرج ضمن الأراضي التي تحتاج إلى إثبات ملكية، وما دامت تفتقد إلى “إثبات ملكية”، فإنها تعود إلى مصلحة الدولة (دائرة أراضي إسرائيل)، وأوراق إثبات الملكية كافة موجودة في السجل العقاري السوري لمحافظة القنيطرة المنهوب أو المفقود في أثناء الحرب وبعدها، ومن الصعب على المالكين الحصول عليه.
تبلغ مساحة مجدل شمس بحسب الخريطة الهيكلية 2306 دونمات، وتراوح نسبة البناء المسموح به فيها بحسب الموقع الجغرافي بين 50% و60%، وتخضع لإشراف لجنة التنظيم والبناء اللوائية (معاليه حرمون)، إضافة إلى المنطقة الصناعية التي تبلغ مساحتها 6 دونمات. وقد امتنعت هذه اللجنة عن توسيع الخريطة الهيكلية لمجدل شمس سنوات طويلة، ووضعت العراقيل أمام تطورها في ظل اشتراطات تعجيزية تخص إثبات ملكية الأراضي الخاصة وتكاليف وضرائب مالية ضخمة جدًا على رخص البناء في داخل البلدة المحاصرة جغرافيًا وعسكريًا، وتحوط بها المحميات الطبيعية القومية الإسرائيلية مثل (محمية جبل حرمون ومحمية عين القعقان)، شهدت البلدة في السنوات الأخيرة نموًا سكنيًا غلب عليه البناء العمودي المحدود بسبب قلة المساحات المتوافرة وصغر المخطط الهيكلي؛ الأمر الذي يحرم مئات المواطنين -وبخاصة الأزواج الشباب- من البناء الأفقي أو البناء المستقل، حيث تلجأ الأغلبية إلى المباني السكنية العمودية متعددة الطوابق التي بناها مستثمرون محليون (بين 3 و5 طوابق)، بصفتها حلولًا مؤقتة لمشكلة السكن والاستقرار العائلي التي تمتاز نوعًا ما بأسعار أقل من البناء المنفرد، على الرغم من الأعباء المادية الشهرية التي تتطلبها شروط الاستئجار، إضافة إلى صدور عشرات الأوامر بهدم البيوت التي بُنيت من دون تراخيص.
يعيش في بلدة مجدل شمس حوالى 2400 عائلة في مساحة تبلغ 15.15 كلم (بعدد سكان يصل إلى حوالى 11.600 ألف نسمة). ولمواجهة هذه الضائقة أعلنت لجنة أوقاف مجدل شمس عام 2011 عن مشروع لتوزيع قسائم بناء على سكان مجدل شمس من أراضي المشاع التابعة للبلدة، بعد جهد استمر سنوات عدة، ووزعت 750 محضر عمار، وشقت طرقات في منحدرات جبل الشيخ شمال مجدل شمس، بتكلفة بلغت آلاف الدولارات، إلا أن السلطات الإسرائيلية أوقفت العمل في المشروع، وقدمت أعضاء لجنة الأوقاف والعاملين في المشروع إلى المحاكمة والملاحقات القانونية، وفرضت عليهم غرامات ماليه باهظة بتهمة التعدي على مساحات تنوي إقامة محمية طبيعية فيها، وهي من أراضي مشاع مجدل شمس تاريخيًا، وقسم من هذه الأراضي مملوك لأشخاص.
عام 2014 أعلن المجلس المحلي في مجدل شمس نيته في بناء حي سكني جديد، يشمل مناطق تجارية واسعة ومؤسسات تعليمية، فضلًا عن توفير فرص توظيف جديدة، وإقامة أماكن سياحية ورياض أطفال وحدائق عامة بتكلفة تخطيط بلغت 3 مليون شيكل؛ أطلق عليه اسم مجدل شمس الجديدة “نيو مجدل شمس” في غرب منطقة “عين القعقان”، وهي أراض كانت تابعة لقرية جباثا الزيت التي تقوم عليها اليوم مستوطنة “نفيه أتيب” الإسرائيلية، وهي الأراضي ذاتها التي طالبت بها مستوطنة نمرود الإسرائيلية المقامة على منطقة “تل طالب” في منطقة القاطع بين بلدتي مجدل شمس ومسعدة عام 2012 بهدف توسيع مساحتها وبناء 40 وحدة سياحية في المرحلة الأولى و120 وحدة سكنية إضافية خلال السنوات المقبلة، بحيث تشمل منشآت حيوية، لتتمكن من استيعاب مستوطنين إسرائيليين جدد، تعيش فيها اليوم 6 عائلات إسرائيلية فقط. تخضع هذه الأراضي من الناحية القانونية لنفوذ المجلس الإقليمي للمستوطنات الإسرائيلية، إلا أن سلطة حماية الطبيعة والحدائق اعترضت بشدة على طلبها، لأن المستوطنة لم تنجح -منذ إقامتها عام 1982- في جذب مستوطنين جدد على مدار سنوات، لافتقارها إلى مقومات أساسية تجعل المستوطن الجديد يرغب في البقاء فيها وتوسيعها بما يتسبب في القضاء على مجموعة نادرة من النباتات الطبيعية التي تنمو في المنطقة، والإضرار بطبقات صخرية خاصة في المنطقة، وقدمت في اعتراضها أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، وصرّحت أنها ستعلن إقامة محمية طبيعية (محمية حرمون) على مساحة تبلغ حوالى 83 ألف دونم، تشمل محيط الأراضي الشمالية والغربية لمجدل شمس التي تبلغ حوالى 7 آلاف دونم، ومحيط أراضي قرية مسعدة، ومحيط أراضي قرية عين قنية، وأراضي قرية بقعاثا؛ الأمر الذي سيمنع إقامة مشروع الحي الجديد في مجدل شمس (نيو مجدل)، ومشروع لجان الأوقاف (تقسيم أراضي المشاع)، والحي الجديد في بقعاثا (نيو بقعاثا). (3 )
مع ذلك، بدأت طواقم الهندسة والتخطيط في المجلس المحلي بوضع المخططات التفصيلية للحي الجديد فعليًا، في محاولة لإيجاد حلول لأكثر من 1000 عائلة من الأزواج الشابة، على الرغم من موقف عدد من الناشطين، الذين يرون أن الأراضي التي يقوم عليها هذا المشروع، هي أراض مشاع لجيراننا في قرية جباثا الزيت المدمرة، علينا أن نتعامل بموضوعية وواقعية، فتلك الأراضي في النهاية ملك للسوريين، ومن المهم الاستفادة منها قبل أن تصبح مهددة بالاستيطان الإسرائيلي أو تتحول إلى محمية تحاصر أبناء مجدل شمس الأوْلَى بها وتخنقهم، وفي حال عودة أهلنا النازحين من أبناء قرية جباثا الزيت في إثر أي تسوية سياسية، فإنه من واجب الدولة السورية المقبلة أن تجد حلولًا ملائمة وعادلة لإعادة توزيع الأراضي بين البلدتين واقتسامها؛ لأن التوسع العمراني في مجدل شمس يصبح مستحيلًا في ظل الحدود الطبيعة والاصطناعية التي حددتها سلطات الاحتلال. ومن جهة أخرى، يرى آخرون أن هذا المشروع خطر لأنه يشرع قضية الاستيلاء على أراضي الغير بقوة الاحتلال، على الرغم من أن المستفيدين من المشروع سوريون وليسوا مستوطنين، يجب العمل بكل قوة على رفض هذا المشروع، وعدم المساهمة في عملية توزيع المحاضر أو الشقق السكنية المزمع إقامتها.
وعلى ذلك، لا يمكن لأهالي مجدل شمس خصوصًا، والجولان المحتل عمومًا، أن يكونوا ضحايا تجاهل وطنهم لقضاياهم المصيرية، واختصارهم في مادة خطابية إعلامية استهلاكية من جهة، ورهائن لدى سلطات الاحتلال في تفاصيل حياتهم اليومية من جهة ثانية، ولأن السكان السوريين في الأرض المحتلة كانوا -وما زالوا- يرون أنفسهم جزءًا عضويًا وطبيعيًا من وطنهم وأبناء شعبهم السوري، رفضوا على مدار أكثر من نصف قرن التسليم بواقع الهزيمة الحزيرانية وواقع التجاهل والنسيان، وأحيانًا التخريب الذي تعمدته الأجهزة الأمنية السورية على الموقف الوطني والنضالي في الجولان المحتل فعليًا، وإخضاعه إلى معايير الولاء للرئيسين الأب والابن والولاء للقيادة الحكيمة الرشيدة والمبايعة بالدم. لهذا عليهم المزاوجة بين أمرين مهمين، يتمثل الأول في الاعتراف بحقائق الواقع، والاستمرار في تطوير حياتهم تحت سلطة الاحتلال، ووضع البرامج والمشروعات الآنية لحاضرهم الضائع والمشتت والمهزوم، وهذا ليس ذنبهم بقدر ما تتحمل مسؤوليته الأولى دولتهم الأم، وترتيب شؤونهم وقضاياهم والاستفادة قدر المستطاع من إنجازاتهم وإبداعاتهم وفرصهم المتوفرة، وهم قادرون على ذلك نظرًا إلى الكفاءات والقدرات المحلية في المجالات المهنية والتخصصية والعلمية المتوافرة كافة التي راكموها خلال سنوات طويلة بتضحياتهم وجهدهم وإمكاناتهم الذاتية من جهة، ولتوافر المتغيرات والفرص الموضوعية لذلك من جهة أخرى. أما الأمر الثاني الذي لا يقل أهمية في المدى المستقبلي، فيتمثل في السعي إلى خلق آلية عمل وتفكير منهجية واعية ومسؤولة بعيدًا عن الوقوف على الأطلال، والخروج على الأسر الأعمى للمسلمات التاريخية والسياسية التي لا يختلف عليها اثنان، بالتوازي مع رفض تام لتكريس هذا الواقع، لتجنب الهزيمة الفكرية والسياسية في ثقافتنا ووعينا وإدراكنا، وعدّه أمرًا حتميًا لا ينتهي، وهناك ضرورة لتبني خطاب وطني ثقافي خارج لعبة الكلمات والمصطلحات والخطابات فاقدة المعاني والقيم الفعلية، والتركيز على تلك التي يجب أن تحاكي أولًا قبل كل شيء المقهورين بأحلامهم وأوجاعهم، وقلقهم اليومي لتأمين مستقبل أولادهم وأمنهم وأمانهم واستقرارهم في ظل حياة كريمة، لكي لا يبقوا ضحايا السياسة ودائرة الاستهلاك. من المؤلم للغاية أن يُظلم أولئك الذين رووا هذه الأرض بتضحياتهم عبر التاريخ؛ وتجارب الشعوب تؤكد أن ما بُني على باطل فهو زائل، وكل احتلال وكل طغيان هو باطل وزائل، وهذه حقائق يدركها السكان السوريون معظمهم في الجولان المحتل وخارجه.