الذاكرة الجمعية السورية في ظل الغياب والتغييب
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
أيمن أبو جبل
04 شباط/فبراير 2021
قرية مجدل شمس (على اليسار) في هضبة الجولان المحتلة والتي تطل على جدار الفصل الإسرائيلي العنصري، 7 أيلول/ سبتمبر 2014 (وكالة فرانس برس)
في جلسة الحكومة الإسرائيلية التي عُقدت أول مرة في الجولان السوري المحتل؛ ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الجولان كان جزءًا لا يتجزأ من أرض “إسرائيل” في العصر القديم، وأضاف أن “الدليل على ذلك عشرات الكنس اليهودية العتيقة التي عثر عليها حولنا، والجولان هو جزء لا يتجزأ من دولة “إسرائيل” في العصر الحديث، في مرحلة خضوعه للاحتلال السوري التي استمرت 19 عامًا، استخدمت أراضيه لإنشاء الدشم ومدّ الأسلاك الشائكة، وزرع الألغام وشن العدوان؛ كانت أراضي الجولان تستخدم للأغراض الحربية. ومنذ أن خضع الجولان للحكم الإسرائيلي، تستخدم أراضيه للزراعة والسياحة والمشروعات الاقتصادية والبناء وللأغراض السلمية. وفي المنطقة الهائجة من حولنا، “إسرائيل” هي الطرف الذي يحقق الاستقرار، هي الحلّ وليست المشكلة” (1).
لم يخرج نتنياهو عن الفكر الصهيوني الذي بلور أطماعه، من خلال ما ورد في الرواية التاريخية اليهودية والتوراتية، وما ورد فيها من وعد إلهي وحق تاريخي بالعودة إلى ما أسموه “أرض إسرائيل”، ويقوم الخطاب الصهيوني والتوراتي على دعم مقولة الأرض الكبرى والكاملة التي تستند إلى مقولة “كل أرض وطأتها أقدامهم”، وانطلاقًا من ذلك عملت المدرسة الصهيونية التوراتية -من خلال توظيف الإعلام الرسمي، وتجنيد علماء آثار يهود أوروبيين- على تحريف التاريخ القديم للمنطقة وتزيف آثارها، وكان الجولان ضمن المناطق التي تعرضت للتهويد، وتغيير معالمها من خلال نسب كل اللقى والآثار الكنعانية والآرامية والبيزنطية والرومانية إلى تاريخ يهودي مزعوم منذ مطلع الألف الأولى قبل الميلاد.
كانت الصحافة، في نظم الاستبداد والقمع والاحتلال، تُستغل بقوة من صناع القرار، وذلك بحكم تأثيرها في إدارة مصالحهم والتسويق لبرامجهم ومشروعاتهم، والترويج لأفكارهم، سياسيًا وأيديولوجيًا، ففي الحالة الإسرائيلية القائمة منذ نشوء الدولة العبرية، كانت الصحافة قائمة على الوطنية الإسرائيلية الناشئة حديثًا، حيث لم يُبنَ الوعي الجمعي الإسرائيلي على الحقائق والوقائع، فقد كانت مسألة التاريخ وشرعنة وجودها قائمة على التزوير واستبدال الحقائق وطمسها وتغييرها بما يتماشى مع المصلحة الإسرائيلية، وفي الحالة السورية في الجولان، كان التزام وسائل الإعلام بالرواية الحكومية الرسمية واضحًا وفاضحًا، فمنذ احتلال الجولان، قررت “إسرائيل” هدم القرى السورية بعد المسح الأثري الذي قامت به سلطة الآثار، وأكد ذلك عالم الآثار الإسرائيلي مائير بن دوف، بالقول: “تقرر هدم جميع القرى في الجولان والمباشرة بالتنقيبات لطمس الهوية السورية فيه، والادعاء بأنها أرض يهودية”، وفي صدد ذلك عملت السلطات الإسرائيلية على تخريب عدد من المواقع الأثرية، إضافة إلى سرقة الكنوز الأثرية في بانياس والحمة وفيق والعال ورجم الهيري وخسفين وغيرها، وأهدت كثيرًا من القطع الأثرية إلى عدد من الحكام وأثرياء العالم، كآل روتشيلد وروكفلر، كونها عائلات مساندة لهم، وتؤيد حقهم في الأراضي التي يغتصبونها. وقد تجاهلت “إسرائيل” قضية الطرد والتهجير والتدمير في الجولان وأخفتها وأنكرتها، على الرغم من كل الحقائق الدامغة، واستندت في ذلك إلى التعتيم الممنهج الذي مارسه النظام السوري بعد 1967 حول قضية أولئك الذين اقتلعوا من ديارهم من دون وجه حق، ومُنعوا من العودة إلى بيوتهم ومنازلهم التي بنوها وعاشوا فيها أجيالًا متعاقبة.
حين سيطرت “إسرائيل” على الجولان، لم يكن في بال قادتها أنها ستتمكن من اختراق التحصينات الأمنية والعسكرية الهائلة التي تميزت بها الهضبة السورية العصية على الاقتحام، وكان قادتها -على الرغم من خشيتهم من هذه المغامرة العسكرية والأمنية الكبيرة- على يقين أن الطريق إلى الجولان ستكون آمنة، وما يجري محض عملية تنظيف أخيرة لبقايا الوجود العسكري السوري، إذ عُدَّت بالنسبة إلى الإسرائيليين تاريخًا مضى، وحربًا مضت، انتصروا فيها انتصارًا كبيرًا، وأسسوا أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، حين هزم في أيام جيوش ثلاث دول عربية، واحتل أجزاء من أراضيها، إضافة إلى ما تبقى من الوطن الفلسطيني. وساهمت الصحافة الإسرائيلية في ترديد الرواية الإسرائيلية، بأن الجولان محض قواعد عسكرية وبعض المنازل التي ضمت عائلات الضباط العسكريين السوريين الذين هربوا مع بداية الحرب.
لطالما تحدثت الصحافة الإسرائيلية عن (طهارة) الجيش الإسرائيلي، وأخلاقياته التي كانت مرآة ممارساته وحقيقته على أرض الواقع، إذ أخفى قسم الأرشيف السري العسكري -في إطار حملة منهجية- الأدلة والوثائق التاريخية التي تؤكد حصول جرائم حرب في الجولان، في أثناء سيطرة القوات الإسرائيلية وبعدها، لتجنب المحاكمات الدولية أولًا، ولتقويض صدقية الروايات السورية والعربية عن الأطماع الإسرائيلية، والإفرازات التي أحدثها الاحتلال الإسرائيلي من تدمير وقتل وتشريد وتهجير مئات آلاف من السكان السوريين الذين عاشوا في الجولان.
البروفيسور الإسرائيلي يوسي بن أرتسي توقّف في مداخلة نظمها مركز (حايم هرتصوغ) لدراسة الشرق الأوسط والدبلوماسيّة 2009 وقال: “قَبل الحرب كان معروفًا مصطلح (الهضبة السوريّة)، (الهضبة مصدر التهديد) التي تقذف النار على البلدات الإسرائيلية، وعُدَّت مصدر إزعاج للصيادين في بحيرة طبريا، ولها علاقة بتحويل مياه نهر الأردن وغير ذلك. لكن على نحو متسارع، ودونما رقابة، نُسِيت كل المصطلحات من الخطاب السياسي والجماهيري واستبدلت، أدى ذلك إلى محو المشهد السوري واختفائه، وجعله منسيًّا ابتداء من عشيّة الحرب، هذا المشهد الذي احتوى على: 454 بلدة سورية قائمة، علاوةً على التجمّعات الموسميّة ومدينة القنيطرة التي كان يقطنها عشرات آلاف من السكان، و 110 من القرى والمزارع وغيرها. أما السكان فكانوا من طوائف مختلفة: كان هنالك قرى للعلويين، والأكراد، والأرمن والشركس والدروز وغيرهم.
في وعي الجماهير في “إسرائيل”، كانت الهضبة منطقة غير مأهولة بالسكان المدنيّين السوريين، بل كان فيها حضور عسكريّ فقط. وطرح بن ارتسي أن “مسألة طمس معالم التاريخ السوريّ للجولان لم تجرِ فقط من خلال محو المشهد السوري الفيزيائيّ، بل عبْر خلق تصوّر تاريخي وإعلامي متواصل للجولان في الدراسات والأبحاث الأكاديميّة كبلاد خالية”. ومثالًا على هذه التصوّرات ما جاء في أقوال يتسحاق طبينكين، رئيس حركة “الكيبوتس الموحد في 23 حزيران/ يونيو 1967 حين قال (إنّ الهضبة خالية من السكان والقرى، ويجب العمل بغية أن تكون ملأى باليهود العاملين). إنّ مثل هذا التصوّر ما يزال راسخًا في الوعي حتى يومنا هذا”
منذ بداية الاحتلال خضع الجولان إلى رقابة عسكرية مشددة، وجندت الصحافة لتكون جزءًا من المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية، وفي بعض الأحيان، سمح لمحرري الصحف بالكذب في إطار الدعاية لإخفاء الحقائق المروعة التي جرت في الجولان المحتل، ولم تحافظ على مبدأ حق الجمهور في المعرفة، وإنما عملت على حق السلطة في منع الجمهور من المعرفة، كما يصفها الصحافي الإسرائيلي أمير أورن، باستثناء صحيفة (هعولام هزية/ هذا العالم) اليسارية، وبعض الصحف العربية الصادرة في “إسرائيل”، كالاتحاد الحيفاوية، لم يشكل الجولان سوى حالة تعبيرية عن الشعور السائد في “إسرائيل” الذي خلقته المؤسسة السياسيةـ كونه جزءٌ لا يتجزّأ من دولة “إسرائيل”، فبعد أكثر من خمسين عامًا من احتلال الجولان، بدأت الصحافة الإسرائيلية تتحقق من الممارسات الإسرائيلية التي نفذتها في الجولان، بعيدًا عن عيون الجمهور الإسرائيلي، وبدأت تتبخر الأكاذيب الإسرائيلية، وتجري اليوم مراجعات تاريخية -وإن كانت محدودة- لمواجهة عملية النسيان والتعتيم والكذب التي تعرض لها الجولان على امتداد سنوات طويلة، ومحاولة فرض روايات مناقضة لمنطق التاريخ، وللمشهد الحضاري السوري في الجولان، واستهداف أركان الهوية السورية، ضمن برنامج ممنهج. وساهمت بعض المشروعات التي بادر إليها ناشطون إعلاميون في الجولان المحتل، وموقع الجولان الإلكتروني، ولاحقًا موقع عشتار نيوز للإعلام، وجمعية جولان لتنمية القرى العربية، بالتعاون مع مؤسسات ونخب إعلامية إسرائيلية في كشف عدد من الحقائق والوثائق التي كانت خلف ستار التعتيم الإسرائيلي، تلك التي تكشف زيف الادعاءات الصهيونية في الجولان، من جهة التجاهل والإخفاء المتعمد للسجل الوثائقي السوري الرسمي في الجولان قبل الاحتلال الإسرائيلي وبعده.
في سلسلة من التقارير الوثائقية التي يجريها الصحافي الإسرائيلي شلومو مان من خلال موقع الأرشيف الخاص بمجريات حرب حزيران/ يونيو 1967 (نعموش) يقدم الرواية السورية الغائبة عن المشهد السوري والإسرائيلي على حد سواء، ويُبين حقائق وشهادات كانت غائبة عن الوعي والإعلام الإسرائيلي، من خلال شهادات سوريين عايشوا تلك التجارب المؤلمة، من وجهة النظر المناقضة والمعاكسة للواقع العام السائد في الذاكرة، وكتب التاريخ وصفحات الجرائد، ويكشف حقائق جديدة من خلال الأرشيف العسكري السري المختلف، نُشر ت ترجمات منها في مركز حرمون للدراسات المعاصرة ضمن سلسلة حلقات). موقع نعموش لم يكن الوحيد الذي يسلط الأضواء على ما جرى في الجولان، فقد سبقة بسنوات مجموعة من الإسرائيليين الذين أطلقوا موقع النكبة، وتناولوا فيه نكبة الجولان في 1967 من خلال العلاقات التي تراكمت مع شخصيات جولانية فاعلة، وقد كان لي شرف المشاركة في بعض تلك الفاعليات والبرامج واللقاءات التي قامت بها تلك المجموعة اليسارية التقدمية، للتأثير في الداخل الإسرائيلي، إضافة إلى عدد من الإعلاميين من صحيفة (هأرتس/ الأرض) الإسرائيلية الذين نشروا تقارير عدة مهمة عن الممارسات الإسرائيلية التي حاولت المؤسسة السياسية إخفاءها عن الجمهور الإسرائيلي، لبشاعتها وتنافيها مع أخلاقيات الجيش الذي لا يقهر. فلا يمكن لجيش محتل أن يتمتع بالأخلاقيات أو بالطهارة، بحسب الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي الذي كتب في 27-03-2016 واصفًا ممارسات الجيش الإسرائيلي في فلسطين “هذا القتل الروتيني الذي لا يمكن منعه، هو الحاضر والمستقبل. لا يمكن استمرار الاحتلال من دون قتل كهذا يزداد أكثر وأكثر مع وجود أيدٍ مُوجّهة في عملية النسيان هذه”.
عبرنة الأسماء السورية
باسم المصلحة الوطنية الإسرائيلية، وبسبب النفوذ السياسي والأمني لصناع القرار في “إسرائيل”، ساهمت الصحافة العبرية التقليدية (التلفزيون والإذاعة) التابعة لسلطة البث، والصحف الرسمية، في التعتيم الممنهج على الممارسات الإسرائيلية التي حدثت في الجولان، طوال العقود الأربعة الأخيرة، حيث شهدت مرحلة التسعينيات تغيرًا في دورها، ونشر تحقيقات تاريخية عدة عن حقيقة ما حصل في الجولان في أثناء الاحتلال، ودحض عدد من الروايات الرسمية الإسرائيلية، ترافق ذلك مع موافقة الرقابة العسكرية على تحرير عشرات الوثائق التي تعود إلى تلك المرحلة، لكن عملية إعادة كتابة التاريخ الصهيوني في الجغرافيا السورية اتسعت، وتزايدت ظاهرة تغير أسماء المعالم والمواقع والآثار والقرى السورية، وإطلاق الأسماء العبرية المرتبطة بالتوراة، بتوجيهات سياسية ممنهجة لبعث التراث العبري، ورمزية الماضي القبلي العبراني ليهود الأراضي المقدسة، استنادًا إلى نصوص قوانين الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي قبل الثورة الرقمية وعالم الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة التي جاء فيها: “إن الهدف من الإعلام الإسرائيلي في كافة المجالات، (سياسة اقتصاد علوم اجتماعيات…الخ) هو أولًا إظهار الطابع الصهيوني لإسرائيل، وكفاح اليهود وإبداعاتهم وأهم إنجازاتهم في كافة المستويات، مع تعميق الانتماء اليهودي والصهيوني معًا، والدعاية للحياة الثقافية اليهودية في العالم أجمع“، واستندت الصحافة الإسرائيلية إلى ما ورد في معايير لجنة التسميات الحكومية الرسمية. للأماكن والمعالم والمواقع الجغرافية والأثرية ووضع بدائل للأسماء العربية تضمنت أسماء شخصيات لتخليد أسماء قتلى يهود، وأسماء وردت في التوراة، وتخليد رموز ومعانٍ يهودية، تعكس معاني البطولة العسكرية للحركة الصهيونية، وعلاقة اليهود بالأرض من خلال حركات اليشوف (الجماعات اليهودية التي استوطنت فلسطين لأغراض دينية) التي تصور “إسرائيل” امتدادًا طبيعيًا لها ومرتبطة بالمشروع الاستيطاني الحديث في أرض “إسرائيل”. إرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق قال في تعليقه على خريطة الاستيطان في “إسرائيل” الصادرة في 2004 “كل مستوطنة لها اسم منحها إياه من بناها، أعطاها إياه آباؤها ومقاتلوها، كل مستوطنة تربطنا بالأرض، بجذورنا وبتاريخ “إسرائيل”، بالحرب والسلام، بالاحترام الذي أعطيناه لأنصار أمم العالم وكبار الأمة، بالأشجار والنباتات، بالأحلام والأفعال. كل اسم مستوطنة يربطنا كلنا بأرضنا. هذا العمل الذي جمع أسماء المستوطنات في خريطة “إسرائيل”، هو عمل ملهم ومبارك، وله قومية وتربوية من الدرجة الأولى..”.
ومن هنا، سطت اللغة العبرية على أسماء المواقع العربية، وخلقت أساطير تاريخية يهودية حولها، لتشكيل وعي يجذب المواطن الإسرائيلي اليهودي إلى المكان. وينتزع الماضي العربي من الأذهان. وقد عبر موشيه ديان، أمام تجمع شبابي صهيوني، بالقول: “لقد أقيمت القرى والبلدات اليهودية مكان القرى العربية، حتى إنكم لا تعرفون أسماء هذه القرى، وأنا لا ألومكم، لأن كتب الجغرافيا تلك لم تعد موجودة أصلًا، بل القرى العربية نفسها لم تعد موجودة”، فاختفت الأسماء العربية للقرى والبلدات السورية التي تعود في أصولها إلى اللغة الآرامية، ومبانيها وآثارها تعود إلى المراحل الرومانية والبيزنطية والصليبية والإسلامية، كما هو في النموذج الآتي:
كانت عبرنة أسماء القرى جزءًا من عملية سياسية وإعلامية لفرض الهيمنة الصهيونية والرواية الجديدة للمكان، بإشارة إلى وجود تاريخ يهودي في المنطقة، فوفقًا لتقاليد الحاخامية عمدت السلطات الدينية اليهودية، إلى استخدام الخط العبري الآرامي في الأصل لاكتساب شرعية الاحتلال الإسرائيلي، وسيطرته على الأرض من خلال هيمنته على ذلك التاريخ. حتى يختفي المكان، ولا يبقى منه أثر. وفي هذا الصدد يبرر د. مردخاي كيدار المستشرق والمحاضر في جامعة بار ايلان في شؤون الشرق الاوسط “تغيير الأسماء ما هو إلا عودة الأسماء التوراتية التاريخية التي كانت في إبان الوجود اليهودي”، لكن الوقائع التاريخية تؤكد أن الاسماء العبرية الجديدة كانت موجودة تاريخيًا، ولكنها ليست يهودية -كما تروج لها الحركة الصهيونية- إنما هي كنعانية وإغريقية ورومانية وآرامية، وعلى الرغم من عدم نفي وجود التاريخ اليهودي ضمن النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي للمنطقة. فاستهداف الأسماء واستبدال التاريخ هو جزء أساسي في الفكر الصهيوني، لاستهداف الإنسان والسيطرة على الأرض، ونزع الاعتبارات الروحية للسكان الأصليين في أوطانهم، بحسب لجنة الأسماء الإسرائيلية، ويشكل إطلاق أسماء عبرية مزيفة أساسًا محوريًا في عملية تزييف الهوية والحضارة القديمة في الجولان وفلسطين على حد سواء، وفرض هوية تراثية غير شرعية، تتناسب مع أحلام السيطرة والاحتلال.
:
اسم البلدة السورية | الاسم العبري | المعنى الروحي اليهودي |
قصرين | كتسرين | كيسيرين بلدة يهودية من مرحلة التلمود |
محيط قرية العال | العاد | قبيلة يهودية قديمة تعني الله أبدي. وتخليدًا لاسم الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين |
العال | أفنى ايتان | تخليد لأسماء جنود إسرائيليين سقطوا في الجولان وسيناء |
العمودية | أنيعام | على اسم رئيس قبيلة يهودية في مرحلة ما قبل خراب الهيكل اليهودي |
بير الشكوم | بنى يهودا | أبناء يهودا بن يعقوب |
خسفين | خسفيه | بلدة يهودية من مرحلة هيكل سليمان |
بانياس | سنير | أحد أسماء جبل حرمون وفق التوراة اليهودية |
سكوفيا | غبعات يوأب | تلة يوأب على اسم أحد الجنود القتلى في مدينة الخليل |
عديسة | غيشور | اسم مملكة قديمة يهودية مزعومة في الجولان |
كفر حارب | كفار حاروب | على اسم بلدة يهودية يحريف أو حريب المذكورة في التلمود Καπαρ Ηαριβου |
الخشنية | كيشت | اختصار لجملة القنيطرة لنا إلى الأبد (كونيترا شيلانو تميد) |
جباثا الزيت | نفي اتيب | اختصار أسماء جنود إسرائيليين قتلى على خط التابلاين 1968 |
مزرعة عز الدين | مفو حما | على أنقاض معسكر سوري يطل على طبريا حمل اسم القائد السوري جادو عز الدين |
الدردارة-تل الشعير | حاد نيس | اختصار لأسماء ثلاث مستوطنات من سيناء أفرغت بعد تسليمها إلى مصر |
عين السمسم | كدمات تسفى | على اسم قائد يهودي في الاتحاد الفلاحي |
اليعربية | اليهودية | |
القلع – القنعبة | كيلع الون-ترامب | قرية في محيطها معسكر سوري قبل الاحتلال |
تل الشيخة | جبل حرمونيت | |
تل المخفي-ظهرة ابراهيم-خربة القطراني | عيمك هبخا –وادي الدموع | تخليدًا للجنود القتلى في معركة الدبابات الشهيرة في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 |
تل أبو الندى | هار ابيطال | أبي طِل أو ندى وهو اسم إحدى نساء داود |
تل الفخار | مطل جولاني | تيمنًا باسم فرقة لواء النخبة العسكرية في الجيش الإسرائيلي |
عين التينة-كفر حارب | عين شوكو | تيمنًا باسم ضابط إسرائيلي قتل في جنوب الجولان |
مرتفع الدريجات | متسبي كدوت | تخليدًا لجنود فرقة الاحتياط الإسرائيلية الكسندراني في حرب 1948 |
مطل كفر حارب فوق طبريا | مطلة السلام (متسبي لشلوم) | معسكر سوري قديم قبل 1967 |
دمج الجولان السوري المحتل والخط الأخضر بوحدة جغرافية واحدة
يقود مركز أبحاث الجولان الذي استبدل اسمه إلى (معهد شامير للأبحاث) مشروعات وبرامج أكاديمية واجتماعية وطبية وزراعية وعلمية، لجعل الجولان السوري المحتل وحدة جغرافية وسياسية واحدة مع باقي الأراضي الإسرائيلية. وبخاصة من خلال منتدى مدن الجليل في شمال “إسرائيل” الذي يضم 14 بلدة إسرائيلية منها السلطة المحلية (كريات شمونة وصفد وطبرية/ المطلة/ كتسرين/ روش بينا/ يسود همعلا/ وطوبة زنغرية/ حتسور الجليلية/ الجش/ مجلس إقليمي الجليل/ مفوؤت حرمون/ مجلس إقليمي وادي الأردن).
الخط الأخضر هو لفظ يطلق على الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة في 1948 والأراضي المحتلة في 1967. وقد حددته الأمم المتحدة بعد هدنة 1949 التي عقبت الحرب التي خاضها العرب مع “إسرائيل” في 1948. وعلى الرغم من تحفظات القانونيين فإن ذلك اللفظ استخدم في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. وكانت وزارة الداخلية الإسرائيلية قد صادقت في السنوات السابقة على انضمام 4 سلطات محلية في الجولان المحتل، إلى منتدى مدن الجليل الشرقي، وهذه السلطات هي (مجلس محلي مجدل شمس- مجلس محلي بقعاثا- مجلس محلي مسعدة- مجلس محلي عين قنية)، ويشارك المنتدى في عدد من البرامج والنشاط المدني والخدماتي المختلف، وترأسه على مدى سنوات رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية الإقليمي في الجولان المحتل (ايلي مالكا) وقاد استراتيجية طويلة الأمد مع السلطات المحلية في الجليل والجولان، لتأمين احتياجات المنطقة وتعزيز التعاون وتطويره بين السلطات المحلية في الجولان، والمجلس الإقليمي للمستوطنات وبلدات الجليل الشرقي.
ويهدف ضم المجالس المحلية في الجولان إلى هذا المنتدى إلى تجسيد سياسة الضم الفعلية الإسرائيلية للجولان المحتل، تحت شعار تعزيز التعاون الإقليمي بين هذه السلطات، وتنسيق مشروعاتها وبرامجها، والمطالبة بميزانيات، والوقوف جهة واحدة أمام مؤسسات الحكومة الإسرائيلية ووزاراتها، لتطوير منطقتي الجليل والجولان، ودمجهما في مشروعات اجتماعية واقتصادية، وتعليمية وطبية، وكذلك ربطهما بمجال شبكة المواصلات وشبكة الطرق، والسياحة والزراعة، وإتاحة فرص عمل للخريجين في المجالات التقنية والفنية والإدارية، لجعل الشمال الإسرائيلي منطقة مستقرة اقتصاديًا وتنمويًا. ومن مشروعاته كلية الطب في مدينة صفد التي يدرس فيها عشرات الطلبة من قرى الجولان المحتل، إضافة إلى المشروع الإقليمي المشترك باسم (جاليليوم) الهادف إلى تمكين الشباب -الذين يعيشون في الجليل الشرقي والجولان- من تطوير قدراتهم للدراسة في مجال العلوم والتكنولوجيا. ويتلقون دروس تقوية في برامج علمية مختلفة. في علوم البيئة والتغذية ودراسة الحيوانات. وتحسين البنية التحتية والعلوم الطبية وطب المجتمع، والطب التخصصي، والطب الوقائي. ومعالجة النفايات البيتية والصناعية، والخدمات الطبية البيطرية.
ويرعى مركز أبحاث الجولان -الكائن في مستوطنة كتسرين الإسرائيلية في الجولان المحتل- أحوال 34 مستوطنة إسرائيلية ومصادر عيشها وكيفية تقدمها وتأقلمها، وأحوال أربعة قرى عربية في الجولان السوري المحتل، وبخاصة في مجال البيئة والجولان الأخضر، وتطوير البنى التحتية، والتربية والتعليم، والمسارات اللامنهجية. ويتخصص في كافة موضوعات البحث من الناحية الاقتصادية، الزراعية أو الاجتماعية والبشرية بالنسبة إلى منطقة الجولان. ويضم في صفوفة 50 باحثًا وعالمًا يعملون في تقديم استشارات في موضوعات تربوية مختلفة في كلية (أوهلو)، وكليات ومدارس في الجليل وطبريا. ويعملون أيضًا مرشدين في الوظائف النهائية، ومشروعات البحث النهائية، لألقاب متقدمة لطلاب الجامعات وطلاب الكليات. في ظل تقديم تسهيلات تعليمية ومهنية لانضمام طلبة وباحثين من أبناء القرى السورية في الجولان المحتل.
تحديات ومسؤوليات
أمام هذا الواقع الذي فرضته “إسرائيل” وهيمنتها على الخصوصية السورية، يغدو من المهم التركيز والعمل الحثيث على إبراز التراث السوري والعربي بوصفه أحد مكونات الهوية السورية والثقافية في الجولان المحتل، ولإدراك الإفرازات السياسية والوطنية الخطرة التي عايشها أبناء الجولان المحتل، داخل الوطن في خلال الأحداث التي شهدتها الثورة السورية، وتهجيرهم من أماكن سكناهم المؤقتة في الأحياء السكنية والمخيمات في جنوب دمشق العاصمة، ومناطق الجولان المحاذية لأرضهم المحتلة، ضمن عملية اجتثاث وجودهم المادي والسياسي، كعملية ممنهجة لمحو ذاكرة السوريين ووعيهم بقضية الجولان، وإجبارهم على النزوح مرة أخرى، عقابًا لهم على مشاركتهم في الثورة السورية، وتدمير عاصمة المهجرين في الحجر الأسود، وترافقت عملية التهجير مع الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، وترسيخ خطاب النظام الممانع، بأن الجولان المحتل محض قطعة أرض تضم خمس قرى سورية تعيش فيها أقلية طائفية لا تتجاوز 26.000 نسمة.
لم يكن لقضية الجولان بعد نكبة حزيران/ يونيو 1967 أن تكون حاضرة وبقوة، لولا الصلة الوثيقة لأبناء الجولان في الأرض المحتلة، وارتباط مئات آلاف من المهجرين بأرضهم وتاريخهم وذاكرتهم وتراثهم، تلك الصلة التي تعد أحد المقومات الأساسية لهويتهم السورية بوصفها فعلًا وطنيًا فاعلًا في مواجهة المشروعات الإسرائيلية، والمخططات التي يدبرها النظام السوري على حد سواء بالتنصل منها ومحوها، لتعزيز الدور الوظيفي للنظام الذي أثبتته الوقائع السياسية منذ 1967 وحتى اليوم.
إن ما تنجزه “إسرائيل” في الجولان من برامج ومخططات ومشروعات على أرض الواقع، يؤسس لمستقبل سياسي مركب ومعقد للجولان المحتل من دون أدنى شك، فالوقائع المادية والمعنوية والثقافية والاقتصادية والسياسية، تُشير إلى صعوبة التغير في ظل تمسك النظام السوري والأطر السورية المختلفة في المعارضة السياسية السورية الحالية، بشعارات وخطابات شبيهة بالأوهام تعتمد على سحر الماضي وجاذبيته، بينما المطلوب -بعيدًا عن أي آمال أو توقعات من النظام والأطر السياسية القائمة- العمل باتجاه ربط قضية الجولان بشريًا بوصفه مكونًا أساسيًا من مكونات الجغرافيا والتاريخ السوري، كأولوية ضمن أي تسوية سياسية سورية أولًا، في سبيل مستقبل يعكس وجوده كاملًا بكامل نسيجه ومركباته من دون أي نقصان في الخريطة السياسية والوطنية المقبلة، والدفاع عنه وصونه بحماية الأسماء والمعالم من الضياع والنسيان، وتوثيق الصلة بين الأرض المحتلة وسكانها المهجرين، وكافة الأطر والمؤسسات والجمعيات والمراكز السورية المطالبة بالحرية والعدالة والتعددية والديمقراطية، في المستوى الدولي والشعبي والحقوقي، والمستوى الجماعي والفردي ومن خلال مسؤوليتها الوطنية في رعاية النشاط الذي يساهم في الحفاظ على الذاكرة، ورفض عملية التهويد والأسرلة وفرض وقائع جديدة على الجولان أرضًا وشعبًا وهوية.