الإثنين , أكتوبر 2 2023
الرئيسية / اخبار سياسية / الاخبار / اخبار محلية / قضايا المجتمع / الجولان المحتل في عشر سنوات.. بين حضور الثورة وغياب الدولة
21-03-2021

الجولان المحتل في عشر سنوات.. بين حضور الثورة وغياب الدولة

الجولان المحتل في عشر سنوات.. بين حضور الثورة وغياب الدولة

مركز حرمون للدراسات المعاصرة/ أيمن أبو جبل

   21 آذار/مارس 2021

21-03-2021

مظاهرة في مجدل شمس ضد المخططات الإسرائيلية في الأراضي السورية المحتلة (الصورة: الاتحاد)

فضحت الثورات العربية التي عصفت بدول العالم العربي منذ 2011، الأدوار الوظيفية للمنظومة العربية الرسمية الحاكمة، وهشاشتها في تلبية الاحتياجات الوطنية لشعوبها، وعجزها عن الحفاظ على مصالحها وأولوياتها الوطنية، ومناعتها الأمنية والاقتصادية والثقافية والفكرية، في مواجهة الأزمات الداخلية، والمخاطر الخارجية التي أفرزتها سنوات الاستبداد والطغيان التي أنتجت طبقة فاسدة في إطار الدولة الوطنية. المتحالفة مع الطغمة اللصوصية من رجال الأعمال والمال، إذ استأثرت -منذ مراحل ما بعد الاستقلال الوطني عن الاستعمار الأجنبي والوصاية الغربية- باقتصادات الدولة، وتحكمت في مقدراتها وخيراتها الوطنية.

لم تكن الثورة السورية في بداياتها، واحدة من أطهر الثورات الإنسانية في مواجهة النظام الاستبدادي الشمولي السوري، لكنها كانت ناقوس الخطر الذي قضى على سنوات الأمن والطمأنينة الشكلية التي عاشتها القوى الإقليمية في المنطقة العربية، وبخاصة إسرائيل التي رأتها خطرًا على أمنها ومصالحها في حال استطاعت تغيير الخريطة السياسية، وخشيت من بروز قوى شعبية وسياسية جديدة، تفرض تغييرات على الواقع السياسي والجغرافي في المنطقة، وتقضي على مناخ التعايش والتفاهم بين المصالح الإسرائيلية، والنظام العربي الرسمي. وهذا ما يفسر الخوف الإسرائيلي من تبعات الثورات العربية التي أعادت صوغ نظرية الأمن الإسرائيلية الإستراتيجية، فبنت تحالفات عسكرية جديدة شملت العناصر الأكثر تطرفًا من الناحية الفكرية والعقائدية في سبيل إضعاف عناصر قوة الثورات العربية، وتقليل فرص نجاحها، من خلال توظيف الدين والحركات الأصولية والدعم العسكري لها، في الصراعات العربية الداخلية، وتفكيك منظومة العلاقات الاجتماعية والطائفية والقومية في المنطقة، كالحالة السورية والعراقية، وإعادة الروح إلى مشروعات استعمارية عدة في تقسيم الأوطان العربية إلى دويلات طائفية عرقية.

لقد وفرت حرب حزيران/ يونيو 1967، وهزيمة النظام السوري الأخلاقية والعسكرية، مناخات سياسية وإقليمية، لبروز قوى جديدة تستند في خطابها إلى شعارات وخطابات رنانة، استحوذت على مشاعر معظم أبناء الشعب السوري، ومعظم قواه السياسية التي طوعها هذا الخطاب وأبقاها رهينة رؤيته، بعد الانقلاب الذي قاده جناح حافظ الأسد على قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، ورموز الدولة السورية، وإبعادهم في السجون أو المنافي، بعد محاولتهم إقصاءه، وتحميله مسؤولية نتائج الحرب، وما كُشف من اتفاقات ولقاءات سرية دولية وإسرائيلية قبل الحرب، ساهمت في سقوط الجولان الفاضح والسريع، بعد صدور البلاغ العسكري رقم 66 وانهيار الجيش السوري، والجبهة السورية المحصنة، أمام القوات الإسرائيلية. هذا الوضع فرض نفوذًا خاصًا لضمان موقع الدولة العبرية وأمنها في منطقة الشرق الأوسط، فجرى تحصينه وإعادة ترتيب أوراقه في اتفاقية كيسنجر- الأسد 1974، أو بما يُعرف باتفاقية فصل القوات الناتجة من حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وإعادة مساحة 50 كم من مدينة القنيطرة إلى النظام السوري، فيما بقيت الجولان السورية مُحتلة، وبقيت حدود إسرائيل مع سورية الأكثر هدوءًا وأمانًا بالنسبة إلى الإسرائيليين طوال 44 عامًا حتى انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2001 .

استند النظام السوري منذ خمسة عقود إلى الخطاب الشعاراتي والاستهلاكي في قضية الجولان المحتل التي فرضت نفسها على الأجندة السورية الرسمية في أثناء الانتفاضة الشعبية 1982، رفضًا لقانون ضم الجولان، وفرض الجنسية الإسرائيلية على من تبقى من سكانه، داخل الأرض المحتلة، بعد تغيبها سنوات. منذ أن رفع حافظ الأسد العلم السوري على المساحة التي تنازلت عنها إسرائيل في القنيطرة، باتفاقية فصل القوات مع إسرائيل، لحفظ ماء الوجه، وحوُل نفسه من خلال بروباغندا إعلامية إلى (بطل التحرير)، فيما كانت تسعى إسرائيل إلى فرض وقائع أمنية جديدة شملت ضمان الحدود الإسرائيلية في الجولان وصونها، وتحجيم الملف الفلسطيني، والتضييق عليه من خلال التدخل السوري في لبنان، وضرب القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية، فيما سعت على أرض الواقع إلى دمج سكان الجولان في الحياة المدنية الإسرائيلية.

شكل سقوط الجولان في 1967 مرحلة مفصلية في التاريخ السوري أُعيد خلالها صوغ الخريطة الإقليمية، واقتسام الأدوار الوظيفية، بين القوى الإقليمية في المنطقة، لأكثر من نصف قرن من الزمان، فيما شكلت الثورة السورية ضد الفساد وظاهرة الاستبداد السياسي، فرصة لاستعادة المواطن السوري حقه في المواطنة في وطنه، والمساهمة في صنع قراره، ورسم مستقبله، ونسف ما ثار ضده من الفساد والاستبداد والقمع والاستئثار بمقدرات الوطن  وإمكاناته لمصلحة فئة حاكمة حولت الوطن السوري، إلى مزرعة شخصية وعائلية، لكن الثورة فشلت وسط الدمار الذي خلفه قمع النظام في تحقيق أهدافها المتمثلة في الحرية والعدالة والتعددية السياسية .

الجولان بيضة القبان في التسويات الإقليمية

بالعودة إلى الدور الوظيفي للقوي المتحكمة في الشأن السوري، إن ميزان القوى ما زال يسير في ترجيح المصلحة الأمنية الإسرائيلية، في أي متغيرات محلية وإقليمية، منذ حرب 1967 وما أفرزته من نتائج، ما زالت تؤثر في أي تسويات سياسية في الملف السوري. فسيطرة النظام وحليفه الروسي والإيراني، على معظم الأراضي السورية التي استطاعت المجموعات المسلحة المعارضة طرده منها في سنوات الثورة، بينما ما يزال جزء منها تحت سيطرة القوات الكردية والتركية والأميركية والفرنسية، عدا عن الوجود العسكري والأمني الروسي والإيراني المؤثر، وميليشيات حزب الله، إضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر ماديًا وعسكريًا على الأراضي السورية في الجولان، منذ ما يزيد على نصف قرن، ويتحكم في كل مفاصله الجغرافية، وخيراته الطبيعية، وجعله رافعة اقتصادية لإسرائيل من خلال ما يوفره من إمكانات لرفد الاقتصاد الإسرائيلي، وإذا أضفنا السعي الإسرائيلي، لترسيخ الاحتلال في الجولان، بالجهود الدبلوماسي الحثيث، لانتزاع اعترافات دولية بسيادتها على الجولان بعد إعلان قادتها أن سورية التي نعرفها قد انتهت، ولا تنازل عن الجولان حتى في أي تسويات مستقبلية، وبخاصة بعد الاعتراف الأميركي في 2019، والسعي لدمج منتوجات المستوطنات الإسرائيلية ضمن صادراتها الوطنية، وموافقة بعض الدول على عدّها منتوجات إسرائيلية، إضافة إلى السماح للشركات الإسرائيلية بإقامة مشروعات واستثمارات اقتصادية كبيرة، ورفد الجولان المحتل بمزيد من المستوطنين، ضمن خطة حكومية لزيادة عددهم بنحو 250.000 مستوطن مع حلول الذكرى المئوية لقيام دولة إسرائيل في 2048 .

في ضوء ذلك، وفي ظل الخلل في العلاقات السورية الدولية والإقليمية، والعلاقات السورية الداخلية، وغياب قضية الجولان أو تأجيلها من أجندة النظام السوري، وقوى المعارضة السورية وأطرها كالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، سيكون مصير الجولان المحتل قاب قوسين أو أدنى من تحوله إلى رهينة المساومات السياسية لفرض تسويات إقليمية، قد تشرعن بقاء النظام السوري واستمراره في الحكم سنوات مقبلة، وعودة المفاوضات بين إسرائيل وسورية على مستقبل الجولان، ومنح النظام السوري -كقولنا في العامية- (عظمة) لحفظ ماء الوجه مرة أخرى، مستنسخًا تجربة والده في اتفاقات فصل القوات التي تتمثل في إعادة أجزاء من الأرض المحتلة، فيما تحتفظ إسرائيل بالمواقع والمناطق الحيوية والإستراتيجية في الجولان المحتل، في ظل ترتيبات روسية إسرائيلية، وتفاهم أميركي دولي، وإعادة صوغ الدور والوجود الإيراني بما يتماشى مع المصلحة الإسرائيلية العليا.

الجولان وتغير المعادلات الوطنية

لم يكن تحرير الجولان السوري من الاحتلال الإسرائيلي، في أي مرحلة من المراحل ضمن أولويات النظام السوري، ما فسره عدد من الباحثين والمحللين بتفاهمات أو صفقات غامضة، شهدتها المرحلة التي سبقت احتلاله بسنوات، وعلى الرغم من عدم وجود وثائق مكشوفة تؤكد هذا الأمر، إلا أن شهادات كثير من الضباط والكتاب والمؤرخين والسياسيين العرب والسوريين، تؤكد أن سقوط الجولان السريع، كان ضمن تفاهمات سورية إسرائيلية سرية، حصدت نتائجها في الأربعة والأربعين عامًا الماضية، حتى اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، حيث فُضحت التفاهمات السورية الإسرائيلية من خلال تصريحات ابن خال الرئيس السوري رامي مخلوف في أثناء اقتحام مئات النازحين الفلسطينيين بلدة مجدل شمس المحتلة ومناطق في القنيطرة في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو 2011، بعد استقدامهم في حافلات يملكها (مخلوف) إلى خط وقف إطلاق النار، وقال في مقابلة نشرتها صحيفة (نيويورك تايمز) إن “النظام السوري لن يستسلم بسهولة وسيقاتل حتى النهاية، ولن يكون هناك استقرار في إسرائيل، إذا لم يكن هناك استقرار في سورية” وأضاف “أن السلفيين الإسلاميين هم بديل النظام”. في محاولة لحث الإسرائيليين على توفير الدعم للنظام، والعمل على استقراره، بعد أن كان مهددًا بالسقوط قبل التدخل العسكري الروسي، وبحسب مجلة (فورين أفيرز) الأميركية ذكرت أن الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي أفرايم هاليفي قال: “إن بشار الأسد هو رجل تل أبيب في دمشق، وإن إسرائيل تضع في حسبانها منذ بدأت أحداث الثورة السورية أن هذا الرجل، ووالده تمكّنا من الحفاظ على الهدوء على جبهة الجولان طوال 40 سنة، منذ توقيع اتفاقية فكّ الاشتباك بين الطرفين في 1974”(1)

لا شك في أن كل تلك الشكوك، حول العلاقة السرية بين النظام بوصف وكيل إسرائيل، ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ساهمت في ضعضعة صورته ومكانته لدى فئات واسعة من أبناء الجولان المحتل، وساهمت الجرائم التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري وقواه السياسية التقدمية، طوال السنوات الأخيرة العشر، في تغيير المفهومات والأفكار والآراء التي رفعتها تلك الفئات الاجتماعية والسياسية، وشكلت خيبة أمل كبيرة، وردات فعل كبيرة لدى شريحة واسعة من أبناء الجيل الجديد الذي ترعرع على عقيدة حتمية التحرير، والعودة إلى حضن الوطن الغائب، وكنس الاحتلال الإسرائيلي سلمًا أم حربًا، وتعرت أمامه الشعارات والخطابات الاستهلاكية والإعلامية التي روجها النظام عبر وسائل إعلامه التي عملت على الاستحواذ على عواطف الناس وتجييشها، في الوقت الذي غاب فيه الوطن تمامًا عن الجولان، حضرت أذرع أجهزة الأمن في رصد تحركات الناس وتصريحاتهم وأفعالهم ومواقفهم، حتى إنها وضعت قوائم أسماء المعارضين الوطنيين ضمن قوائم المطلوبين لأفرع الأمن السورية، وأوعزت إلى بعض عناصرها بالاعتداء على عدد من الوطنين والمعارضين، وتشويه مواقفهم وشخوصهم، وبث الأكاذيب، والإشاعات حولهم، وبخاصة بعد أن واظب عشرات منهم على الخروج في اعتصامات أسبوعية تضامنية، في السنوات الأولى للثورة السورية، جوبهت أحيانًا بعنف المؤيدين للنظام، ومُنع مراسلو التلفزيون السوري في الجولان المحتل -الإخبارية والفضائية- من إجراء أي لقاء أو تغطية أي فعالية أو نشاط، لأشخاص تعدهم معارضين للنظام، كما حدث مع تحرير الأسير السوري وئام محمود عماشة من المعتقل الإسرائيلي المحكوم مدة 21 سنة، ضمن صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل المعروفة في صفقة شاليط في تشرين الأول/ أكتوبر 2011.

في الواقع الجولاني بعد عشر سنوات من الثورة السورية، وما شهدتها من عمليات تهجير طالت نصف الشعب السوري وعمليات القتل والتعذيب والقمع والجوع المتفشي في كل أركان الوطن السوري، لم يعد غريبًا -على الرغم من رفضه- أن يفضل عدد من أبناء الجولان المحتل النعيم الإسرائيلي في ظل الاحتلال، على الجحيم السوري في ظل حضن الوطن، ولم يعد مُستهجنًا، ان يتقدم أشخاص للحصول على الجنسية الإسرائيلية بملء إرادتهم، لأسباب شخصية عدة، ولم يعد من المستغرب أن يشارك بعض الناس في الانتخابات الإسرائيلية، وتشريع المجالس المحلية بعد إقرارها رسميًا من الحكومة الإسرائيلية في 2018، ولم يعد غريبًا الترشح لعضويتها -مع عدم قبول ذلك اجتماعيًا من الأغلبية العظمى من الجولانيين- أو تسجيل ناد رياضي في الدوري الإسرائيلي، أو المشاركة في فعاليات إسرائيلية، اقتصادية، وثقافية، وتربوية، وفنية، والدخول في عضوية بعض الأحزاب الإسرائيلية، والمشاركة في برنامج الشبيبة العاملة والمتعلمة، والخدمة الوطنية المدنية الإسرائيلية، كان كل ذلك -حتى ما قبل الثورة السورية- يعد عملًا مرفوضًا، ومنبوذًا، يعرض صاحبه للمقاطعة الاجتماعية والدينية، وخروجًا على الإجماع الوطني، بحسب الوثيقة الوطنية لأبناء الجولان، الصادرة في آذار/ مارس 1981، وهي في منزلة دستور وطني واجتماعي جامع.

وعلى الرغم من أن القانون الإسرائيلي يتيح لكل الجولانيين تلقي مخصصات مالية من التأمين الوطني الإسرائيلي وهبات مالية مختلفة للعاطلين عن العمل وكبار السن، وفي الوقت نفسه تُدفع الضرائب القانونية المفروضة عليهم للتأمين الصحي كلها، وضريبة الدخل الإسرائيلية، تحاول السلطات الإسرائيلية استغلال كل فرصة لتكريس احتلالها للجولان، ودمج السكان في المنظومة الإسرائيلية، لأسباب تتعلق بالانتماء الطائفي لسكان الجولان المتبقين في القرى الأربع في الأرض المحتلة، على الرغم من وجود بعض الخطط التي ستتنازل بموجبها إسرائيل عن بعض الأجزاء الجغرافية، المأهولة بالسكان السوريين، حيث لا وزن ولا تأثير ولا قيمة لهم، في ظل المعادلة السياسية الإسرائيلية، وقانون يهودية الدولة، فضلًا عن رفض الأغلبية العظمى من السكان السورين، التماشي مع السياسة الإسرائيلية في مشروعات الأسرلة والاندماج في السيستم الإسرائيلي، والصعوبات التي تتكبدها بعد فشلها في ذلك على مدار سنوات الاحتلال، الأمر الذي يجعل سيناريو التسوية الوضيعة وارد الحدوث، في أي تسوية سورية إسرائيلية ترعاها روسيا، ودول خليجية، لعودة النظام السوري إلى الحظيرة الدولية والإقليمية واستكمال دوره من خلال برامج إعمار سورية التي دمرتها سنوات الحرب.

عن astarr net

شاهد أيضاً

Screenshot_20230927_072106_Facebook

جذور المواجهة بين النظام الأسدي وبني معروف

جذور المواجهة بين النظام الأسدي وبني معروف   رياض معسعس * انطلقت ثورة الموحدين، وما يعرفون …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: النسخ ممنوع !!