كل ما تبقى أمامي هو وقف الدبابات الإسرائيلية على جسدي
صحيفة هآرتس تنشر تقريراُ عن جنود سوريين من أبناء الجولان المحتل
عشتار نيوز للاعلام والسياحة / حرب حزيران
ترجمة ايمن ابو جبل
تقرير شاي بوغلمان
ساعد في التقرير: رائد الزعبي
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في ملحقها الأسبوعي يوم الجمعة الماضي، تقريراً أعده الصحفي ” شاي بوغلمان” يتضمن لقاءات مع عدد من أبناء الجولان المحتل، الذين أدوا الخدمة العسكرية في صفوف الجيش السورية أثناء عدوان حزيران عام 1967. ويقول التقرير:
“سكان الجولان الذين خدموا بالجيش السوري، يستذكرون حرب الأيام الستة في حزيران 1967… قاتلوا إسرائيل، وانتهى القتال بالهزيمة. بعد 43 عاما من الصمت يتحدث لأول مرة بعض الذين خدموا بالجيش السوري عام 1967 ويستذكرون الحرب.
حين رأى صورة الفتاة الجميلة ذات العيون الغامقة، معلقة على الجيب الإسرائيلي، أدرك هايل شرف أن الحرب قد انتهت. هذه الصورة التي ما يزال يتذكرها بوضوح، فقد شاهدها مئات المرات في الأشهر التي سبقت الحرب، في أستوديو التصوير الفوتوغرافي بجانب المدرسة الثانوية في مدينة القنيطرة، في العاشر من حزيران عام 1967 … هايل شرف رأى الصورة لآخر مرة، في عين قنية، حيث كانت معلقة على مقدمة الجيب العسكري الإسرائيلي ،مع أولئك الذين انتصروا في الحرب ..
كافة رفاقه في المقاومة الشعبية تجمعوا في ساحة القرية، وجميعهم كانوا يعتقدون أن التقارير عن انهيار الجبهة وسقوط الجولان هي مجرد أكاذيب، وان الجيش السوري يقوم بترتيبات عسكرية معينة، لطرد القوات الإسرائيلية خارج الجولان، إلا أنه أدرك الصورة كاملة في تلك اللحظات ، وان النهب الجاري في مدينة القنيطرة يدل على أن الحرب قد انتهت بالهزيمة..
هايل شرف : تلقينا أمرا بالبقاء بالمنازل لحماية بيوتنا
قبل الحرب كان هايل شرف طالباً في المدرسة الثانوية، وأسوة بأبناء جيله انضم إلى المقاومة الشعبية “وهي إطار مرادف للحرس المدني الإسرائيلي ” بحسب الصحيفة الاسرائيلية، وخلالها تدرب مرتين في الأسبوع على القتال والتصويب، وكان يلبس اللباس العسكري ويحمل بندقية قديمة FN بلجيكية الصنع، وقائمة تعليمات واضحة لوقت الطوارئ. في صحيفة حزب البعث التي نشرت قبل شهر من الحرب ذُكر أن هناك حوالي 300 ألف مقاتل مستعدين لخوض أي حرب ضد إسرائيل، وفي قطاعات جبهة الجولان كان هناك أربعة كتائب من المقاومة الشعبية.. أما بالنسبة للرجال الأكبر سناً فقد شملهم قانون الخدمة في الجيش السوري، وفي قرى الجولان ما يزال هناك أكثر من مائة رجل خريجي الكتائب الشعبية المختلفة، يحملون اليوم هويات إسرائيلية، لكنهم في مطلع حرب 1967 كانوا يحملون هويات سورية وهم مخلصون لسوريا وحاربوا في صفوف الجيش السوري ضد إسرائيل .
نور الدين المرعي التقى الأسد معنا بعد الحرب ، واعترف بالأخطاء
الجنود السوريين من أبناء الجولان لا يتحدثون عن تجاربهم عن الحرب، ولا يتحدثون بالتفاصيل حتى مع أصدقائهم أو أبناء عائلاتهم، وبالتأكيد ليس مع وسائل الإعلام والباحثين والمؤرخين أو العسكريين الإسرائيليين. فمباشرة بعد احتلال مرتفعات الجولان، وخلال سنوات السبعينات تم التحقيق مع العديد منهم من قبل قوات الأمن الإسرائيلية ، ولكن نصوص التحقيقات لا تزال سرية، والإفادات التي قدموها بحسب أقوال البعض منهم كانت جزئية فقط.. ويعود هذا لعدة اسباب ابرزها: أنهم سورين غيورين على بلدهم ، ووصف تفاصيل الحرب والمعارك بشكل علني يعتبرونه إفشاء لأسرار عسكرية ما تزال سرية. ويخشى البعض من أن ذكر تلك التفاصيل يضر كثيرا، حيث من شأنه أن يولد غضبا وانتقاماً من قبل اسر وعائلات الإسرائيليين . وبحسب الناشط في حقوق الإنسان في الجولان السيد سلمان فخرالدين الذين كان بعمر 12 عاما أثناء الحرب ” هناك أسباب عديدة لعدم ذكر التفاصيل” فهو بحث وسال العشرات من أولئك الجنود خلال السنوات الأخيرة ويقول من جملة الأسباب ” أن هؤلاء رجال هًزموا في الحرب، كبروا داخل مجتمع قائم على الاحترام والشجاعة والرجولة في ساحة الحرب وبالتالي خسارة من هذا القبيل لا يمكن التسليم بها والاعتراف بها”.
وحتى يوم بدء الحرب يقول هايل شرف ” كنت منهمكا في العمل في البستان كمعظم سكان القرية ، وكنت مشغولا بالرش، في منتصف ساعات بعد الظهر وصلت من جهة الغرب طائرات إسرائيلية على علو منخفض” ، وكان ذلك دليل على بدء الحرب ، وسمع صرخة رفيق له في المقاومة الشعبية يقول “ساعة الصفر! ساعة الصفر!” و وبدأوا بالركض باتجاه القرية .. ويضيف “كنا على استعداد للحرب ، وكان لكل منا دور محدد،والروح المعنوية لدينا مرتفعة وكنا على يقين أن الجيش السوري سينتصر في الحرب بسرعة ، ولكن كنا خائفين من أن الحرب سوف تُغير من حياتنا اليومية ، لذلك عملنا وحرصنا على توفير الغذاء والماء بما يكفي لمدة أشهر، وجهزنا لحوم مجففة بالملح ومواد غذائية من مشتقات الفاكهة، وكنا على استعداد لمواجهة حصار يستمر فترة طويلة” ..
بطبيعة الحال ، كانت قوات الجيش النظامية السورية تستعد للحرب.وهي في حالة تأهب ” بدأت قبل بضعة أسابيع″ وتمت تعبئة قوات الاحتياط. وتجهيز مخازن الطوارئ ،وتوقفت التدريبات العسكرية الروتينية في الوحدات النظامية وأرسلت لتعزيز المدافعين في الجبهة عن مرتفعات الجولان. وإحدى تلك الوحدات التي أرسلت كانت وحدة الجندي السوري نورالدين المرعي من مجدل شمس، الذي تجند للجيش السوري عام 1965 في وحدة الكوماندوز التابعة للواء الخامس السوري ، وخضع لتدريب استمر عام وسبعة أشهر، وتخرج بعدها من برنامج التدريب برتبة عريف، ورأس فرقة مكونة من 11 جندياً كانوا مسلحين ببنادق كلاشينكوف جديدة الصنع وقابلة للطي ، تتلاءم مع أوضاع القتال في الأماكن والمباني المحصنة. وكانت فرقة الكوماندوز مزودة بحسب المرعي أيضا، بمدافع ، وقنابل يدوية ، وأسلحة يشرف عليها متخصصين عسكريين، ومركبات وعربات مدرعة روسية الصنع مع مركبات طراز بي تي آر 50 ، ما زالت قيد استخدام القوات السورية حتى يومنا هذا.. ويضيف المرعي: ان الروح المعنوية في وحدته في المرحلة التي سبقت الحرب كانت عالية، والعلاقات بين الجنود والقادة الصغار كانت جيدة ومفتوحة، مقارنة مع الوحدات الأخرى في القوات المسلحة.” قبل أسبوعين من الحرب توقف التدريب العسكري لوحدتنا بالقرب من دمشق ، وتم إرسالنا كقوة احتياط إلى جبهة الجولان، وتم تكليفنا بالبقاء في منطقة تل الفرس بالقرب من مدينة القنيطرة . هناك، جلسنا في المباني المحصنة داخل الموقع ، وفجأة سمعنا ضجة هائلة للطائرات في السماء، وكانت إسرائيلية”. وأضاف “ركضنا للخارج ورأينا من الأماكن المرتفعة، الطائرات الإسرائيلية تحلق في اتجاه سوريا، حيث مرت فوقنا من على علو منخفض. وبدأت المدافع المضادة للطائرات في تل الفرس والتلال المحيطة بإطلاق النار عليها ، ولكن لم تصاب اي طائرة… لم نكن مستعدين لذلك،. ويستحضر المرعي ذاكرته ويقول” بعد أن مرت الطائرات، كنت أجلس وأتحدث إلى جنودي الصغار في العمر نسبياً، والى القادة الآخرين . ونتساءل هل بدأت الحرب؟؟. خبرة الجنود كانت قليلة نسبياً، فهم في الجيش فقط منذ عام ونصف العام ، لكنهم كانوا متحمسين للقتال ، ولم يكونوا خائفين من الإسرائيليين،، وكانوا يريدون بشدة المشاركة في الحرب. ضباط المخابرات في الجيش قالوا لنا:” إن الإسرائيليين عبارة عن عصابات خارجة عن القانون ، وجيشهم ضعيف لا يوجد لديه قدرات كبيرة، وليس لديهم القدرة على المواجهة، وطيلة الوقت قلنا للجنود اذا رمينا حجر من الجولان، فان الإسرائيليين سيهربون ونحرر كل فلسطين، كنا سعيدين بذلك وننتظر ان نكون جزءً من هذا الشرف الكبير..”
جميع الجنود السابقين الذين شملهم هذا اللقاء، يقولون ان كل التقارير السورية التي سبقت الحرب “كانت بعيدة عن الواقع وعن الحقيقية” وان التعليمات التي استلموها لم تذكر الحقيقية عن القوات الإسرائيلية ، لا من حيث السلاح وعدد الوحدات، والوحدات التي يقاتلونها او مواقعها العسكرية، وان التعليمات كانت عبارة عن شعارات خطابية وحماسية عن عظمة الجيش السوري وقوته، والخطابات الحماسية عن قدرته في خوض معركة التحرير .. لغاية اليوم كما يقول تقرير الصحيفة ” جزء من المحاربين السوريين القدامى يمتنعون عن ذكر الانتقادات القاسية الموجهة ضد النخبة العسكرية السورية العليا التي كانت تدرك الحقائق أكثر واخفتها وتجاهلتها..
نورالدين مرعي يؤكد ” لقد عرفنا عن صفقات السلاح الضخمة مع فرنسا لإسرائيل قبل الحرب، كل العالم كان يعرف الحقائق إلا نحن ؟؟؟ ويستذكر ” لقد جاء حافظ الأسد الذي كان وزيرا للدفاع السوري وقائد سلاح الجو لزيارة وحدتنا على رأس وفد من كبار الضباط، بعد الحرب ،حيث قالوا لنا: لا تخافوا من توجيه أي سؤال، اذكر انه كان هناك ضابط من عين قنية، قال لي بوضوح : اسالوا اي شئ؟؟ ، وحين جاء دوري وقفت وسالت الوزير حافظ الاسد : لماذا خسرنا الحرب؟؟ وتساءلت عن دور المخابرات السورية، وعن قرارات الانسحاب، وقد سمع الوزير الأسد كل الأسئلة، واعترف لاحقاً انه حصلت أخطاء كبيرة ؟.
وفي هذا الأمر يؤكد هايل شرف اليوم :من الواضح ان كبار الضباط في القيادة كانوا على علم بالحقائق حول قوة إسرائيل العسكرية، واضاف ” انه عثر على أدلة من الصحف السورية تؤكد إن السوريين كانوا يقدرون ويعلمون طبيعة الدعم الأمريكي لإسرائيل ، وتدفق الأسلحة الفرنسية لها، وكانت هناك تقديرات واضحة حول التفوق الإسرائيلي ، ولكن كان هناك عملية إخفاء واضحة ومقصودة للحقيقية عن المدنيين والجنود الصغار، حيث اخفوا ما يعرفونه من حقائق ، بتقديري هذا بسبب ضعف القيادة السورية آنذاك، ولان القيادة رأت انه من المناسب إعطاء شعور الأمان للناس، لهذا كانت الأجواء قبل الحرب أكثر ابتهاجاً . حيث لم يكن هناك أشخاص يخافون الحرب ، وإنما مستعدون للحرب، ولهذا كان هناك ازديادا في عدد المجندين والمتطوعين في حالات إعلان التأهب العام، لكن لو ان الناس عرفت بحقيقة القوات الإسرائيلية وقوتها العسكرية، ربما لم تكن الأجواء قبل الحرب مبهجة وسعيدة، وحماسية، كما كانت ، ولاعتقادي كشف الحقيقية أمام الناس آنذاك سيؤدي الى زعزعة استقرار النظام وحكم حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا ، حيث كان حكما فتياً وضعيفاً جداً لهذا اخفوا عنا الحقيقية .”.
سلمان فخرالدين من جهته يشير إلى اسباب سياسية أدت إلى ضعف القيادة العسكرية النسبي، ويقول” قائد المنطقة الشمالية في سوريا نورالدين كنج ابو صالح كان الضابط الوحيد في قيادة الجبهة، الذي تدرج في منصبه بشكل طبيعي ومهني، حتى وصل الى ما يعادل رتبة لواء في الجيش الإسرائيلي، وكان قد خاض برتبة كابتن معركة التوافيق الشهيرة عام 1960، لكن في العام 1967 لم يكن له تأثير ، وكان بعيدا عن جبهة الجولان، فقد اوكل اليه مهمة الدفاع عن المنطقة الشمالية في في سوريا ..جميع كبار الضباط في سوريا في ذلك الوقت، تقريبا كانوا يعينون بعد حدوث ثورات وانقلابات عسكرية.، ويضيف فخرالدين ” أن احمد المير قائد جبهة الجولان، وصل الى صفوف الجيش برتبة كولونيل، بفضل دوره في الدفاع عن النظام الحاكم ضد الانقلابيين ، وتم تعيينه بوقت قصير جداً قائداً للجبهة في الجولان … ان الانقلابات العسكرية في سوريا في الستينيات، طردت وأبعدت كل القيادات والكفاءات العسكرية، التي اشتركت في حرب 1948 والتي كانت صاحبة تجارب في القتال ، وبقيت القيادة مقتصرة على ضباط لم تتجاوز أعمارهم الـ 23 عاما فقط..
الفشل السوري
بدأ الجيش الإسرائيلي الحرب عام 1967 ، بالهجوم على المطارات المصرية صباح يوم 5 يونيو. ووفقا لتقارير المخابرات المصرية فان إخبار العدوان وصلت قيادة سلاح الجو السوري فوراً، والى قائده حافظ الأسد ، وبمذكرات القادة المصريين، ووفقا للمنطق الحربي اعتقد المصريون ان سلاح الجو السوري سينتهز فرصة انشغال الطيران الحربي الإسرائيلي في الجبهة المصرية، ويهاجم المطارات الإسرائيلية التي كانت بلا حماية جوية ، التزاما بمعاهدة الدفاع العربي المشترك الموقعة بين سوريا ومصر، هكذا كان على سوريا أن تتصرف… لغاية اليوم، سوريا لم تقدم أي تفسير حول أسباب عدم مهاجمة المطارات الإسرائيلية إلا بعد ستة ساعات من الحرب ، كانت الطائرات الإسرائيلية خلالها قد أنهت مهمتها في مصر، وعادت إلى قواعدها في إسرائيل لتتزود بالوقود والسلاح…
بعد ظهر يوم 5 يونيو هاجمت طائرات سورية صغيرة المنشآت النفطية في ميناء حيفا ومطار مجدو. بغارات أدت إلى خسائر إسرائيلية طفيفة، وتمكن سلاح الجو الإسرائيلي من صد الهجومات السورية، واسقط أربعة طائرات سورية بعد ساعة من بدء الهجوم، في هذا الوقت شنت إسرائيل غارات جوية استهدفت مطارات أردنية وسورية وعراقية، وخلال خمسة طلعات حربية إسرائيلية تم تدمير 57 طائرة، عددا كبيرا منها كانت في قواعدها في المطارات، وهي تمثل ثلثي سلاح الجو ..
هذا الفشل الكبير ما يزال محط تساؤلات وانتقادات شديدة يوجهها معارضو الحكم في سوريا، الذين يعتقدون ان هذا الفشل هو ضريبة دفعها حافظ الأسد، ثمناً لاتفاقية الدفاع العربي المشترك، حيث لم يكن هناك وضوح حول الأهداف التي يجب قصفها، ولم تكن هناك خرائط واضحة للأهداف الإسرائيلية المستهدفة، وقد شكل الهجوم السوري على إسرائيل ذريعة لها في شن الحرب على سوريا وتدمير مطاراتها ..
ولكن كان الفشل الذريع للجيش السوري كان اكبر بكثير في اليوم التالي، بحسب المواطن ” ط ” “الذي فضل عدم الكشف عن اسمه بسبب مخصصات التأمين الوطني بحسب الصحيفة… ” ط” ” وهو من سكان قرى الجولان، خدم في الحرب كضابط مراقبة لفوج المدفعية السورية 12 في شمال الجولان وكان ضمن الضباط الذين حددوا حوالي 265 هدفا في الأراضي الإسرائيلية في إطار الهجوم الأرضي السوري الوحيد في الحرب ويضيف ” ط” بعد الهجوم الجوي الإسرائيلي على سوريا ، وتدمير المطارات العسكرية السورية ، تم استدعائه بشكل عاجل إلى قيادة الجبهة في القنيطرة،. واقترح ضباط موظفي الشعبة الرد على الهجوم الإسرائيلي ” وكانت الأوامر قد صدرت مباشرة من دمشق بالرد ،” ويضيف. ” لم يكن بحوزتنا اي معلومات حول الأهداف الإسرائيلية المستهدفة بالقصف المدفعي،والقيادة في دمشق أصدرت الأوامر بان تكون هناك عملية عسكرية محدودة، كي ترتدع إسرائيل من مواصلة الهجوم على سوريا . وفي الصباح الباكر ذهبنا بسيارة الدورية من موقع القلع باتجاه الحدود، كان الحماس كبيرا جدا لهذه العملية، مررنا بجانب قوات سورية كانت تستعد للمشاركة في العملية من قوات المشاة التي كانت متمركزة في منطقة زعورة، حيث رايتهم مع شروق الشمس، أما الدبابات فقد كانت متمركزة في منطقة بانياس، في الجيش السوري الانضباط كان صارماً ، وتم التشديد في المحافظة على مسافة بين الجنود والضباط، لكن أتذكر ان جنديا طلب مني سيجارة وناولته إياها دون تردد وتمنيت له التوفيق في المعركة، لقد كانوا جنودنا ا صغارا وجميعهم متأثرين، وما زلت اذكر وجوههم لغاية اليوم، لم يعرفوا انه بعد ساعات سيلاقون حتفهم، ومن هناك تابعنا السير.. بحكم مهمتي ذهبت إلى أماكن مرتفعة أكثر لكي أراقب وأساعد المدفعية في تحديد الأهداف، وقبل البدء في العملية البرية قصفت المدفعية مستوطنة “شار ياشوف وكيبوتس دان”، الأهداف كانت سهلة ومعروفة من قبل للمدفعية” كانت القوة مكونة من كتيبتي مشاة وتسع دبابات قديمة، وتقدمت من بانياس إلى داخل الأراضي الإسرائيلي. ويضيف ” ط” جزء كبير من المعركة لم أتمكن من مشاهدته بسبب الغطاء النباتي الكثيف، لكنني ما زلت أتذكر أصوات صراخ الجنود في أجهزة الاتصال اللاسلكي، سمعناهم وهم يبلغون عن تقرير بإطلاق النار وان قوات إسرائيلية تواجههم بنيرات ثقيلة.. في بداية العملية لم تكن في صفوفنا إصابات خطيرة، لكن بعد نصف ساعة حلقت طائرات إسرائيلية وقصفت قواتنا دون أي صعوبة، كانت السماء لهم وبقى جنودنا دون حماية، عدا عدد من المضادات التي أطلقت النار على الطائرات الإسرائيلية، وبقى جنودنا تحت رحمة القصف الإسرائيلي ، وبسرعة تم تدمير خمسة دبابات من قواتنا تلك التي رايتها من مكاني، وقد اشتعلت فيها النيران وتصاعدت اعمدة الدخان منها حتى ملأت الأجواء..
” أن كل من يغادر المدينة ستطلق عليه النار “
الهجوم السوري انتهى مع هزيمة قاسية . ودمرت ست دبابات تي 34 واستشهد 200جندي سوري. الجندي ” ط” عاد إلى مقر فرقته .، وقال ان بعض الجنود تمكنوا من الفرار من الجحيم، فروا باتجاه مرتفعات الجولان . والتقى في وقت لاحق في مستشفى القنيطرة بعدد من المصابين والجرحى . وبحسب ادعاءات ” ط” لم يجر أي إحصاء لعدد الشهداء او أسماءهم او أي تقرير يسجل المعركة ونتائجها لاستخلاص العبر والنتائج ، ويضيف” إن قسم من ضباط القيادة اختفى بعد الغارة الجوية الإسرائيلية الأولى وخلال اليومين الأولين من الحرب ،وضباط آخرون ادعوا أنهم مطلوبين على وجه السرعة إلى القيادة في دمشق محملين بأثاث المكاتب والسجاد ، كانت فوضى كبيرة وصلت درجة إن محافظ القنيطرة آنذاك عبد الحليم خدام هدد” أن كل من يغادر المدينة ستطلق عليه النار “( ملاحظة المحافظ في تلك الفترة كان اسمه صلاح عزيز ( المترجم )
الجنود السورين امضوا يومين في حالة تأهب في الجولان في انتظار التعليمات، وهم تحت رحمة قصف الطائرات والمدفعية الإسرائيلية ..
أبو نورس من قرية مسعدة كان مسئول إحدى قواعد المضادات الجوية في قرية عين السمسم التي أقيمت على أنقاضها مستوطنة إسرائيلية تدعى” كيدمات تسفي” لقد أطلق النار على الطائرات الإسرائيلية التي هاجمت الجولان بعشرات الغارات الجوية، وهو غير مستعد للحديث حول عدد الطائرات الإسرائيلية التي أصابها، لكنه يؤكد أن الغارات كانت كثيفة وجريئة، حتى انه يتذكر انه خلال إحدى الغارات لم يكن لديه وقت لتعبئة المضاد وتزويده بالسلاح ، كما اعتاد أن يفعل دائما ،بسبب كثرة استخدام السلاح في ذاك اليوم بشكل متواصل دون توقف فقد تعطل تماماً وخرج من الاستعمال .
فايز ابو جبل من مجدل شمس كان سائق شاحنة لوحدة الاتصالات السوري ، صدرت التعليمات لوحدته بالتمركز مع الشاحنة في إحدى فرق الدعم بالقرب من القنيطرة، وقال انه استمع إلى المقاتلين والجنود الذين طلبوا للمساعدة من الجبهة بعد تعرضهم للقصف المدفعي الإسرائيلي، وأضاف أن دور الضباط والقادة الذين كانوا معه في الشاحنة حول إيصال البلاغات والنشرات والرسائل إلى مقر القيادة في دمشق ، ولا ينسى أبدا المزاج السيئ الذي بدا على الجميع كلما وصل بلاغ أو استغاثة ،قال إن عدم القدرة السورية بالرد على الغارات الجوية الإسرائيلية حولت الجميع إلى مكتئبين…
الحرب طالت السكان المدنيين في الجولان وتعرضوا لقصف الطائرات وقذائف المدفعية الإسرائيلية، في الأيام التي سبقت الاحتلال، ووفقا لشهادة احد المواطنين ، فقد أطلقت قذائف إسرائيلية إلى داخل القرى المأهولة بالسكان وبدأ الناس بالهرب خوفا من الحرب، ويتذكر في هذا السياق هايل شرف انه بعد يومين او ثلاثة من القصف الإسرائيلي، خرج في ساعات المساء إلى خارج البلدة ، بعد أن هدأ القصف ” جلست على تلة وفجأة رأيت رجل فلاح عجوز يجر أمامه عدد من رؤوس الأبقار وحمار حمل عليه بعض الأواني والأكياس ، وكان اتياً من قرية زعورة ، ويحمل بندقية فرنسية او بريطانية الصنع، سألته الى اين يذهب؟؟ ولم يجاوب. لكنه تطلع إلي بنظرة إذلال….. ففهمت انه هارب من قريته.. وسألته:؟ هل يفضل أن يكون لاجئا كما حال اللاجئين الفلسطينيين، او البقاء في أرضه وحماية بيته؟ تطلع دون ان يتفوه بكلمة… وبعدها خفض رأسه واستكمل السير…
الكتيبة الخامسة في الجيش السوري تصل الى الأردن
القنيطرة ، عام 2010. ” الحق ”
التقارير عن الهزيمة التي لحقت في جيوش مصر والأردن بدأت تصل إلى مرتفعات الجولان. الجنود السوريين يقولون أن إذاعة دمشق بثت تقارير وبلاغات عن احتلال مستوطنات إسرائيلية على يدي قواتنا ، والمعنويات لا تزال مرتفعة وحماسية في الجبهة . نورالدين المرعي من فرقة الكوماندوز يقول” انه في اليوم الثالث من الحرب ، تم استدعاءه مع عدد من ضباط الوحدة إلى قائد اللواء الخامس، واطلعنا على التطورات في الجبهات وصُدمنا مما نسمع ومن إن الجيش الإسرائيلي حقق نجاحات كبيرة ثم قال لنا “إن فرقة الكوماندوز ستغادر في اليوم التالي إلى الأردن ، لتامين الحماية لمدينة القدس. قائدنا عبد الرحمن الدردري قال لنا ” إن المخابرات السورية لا تعتقد أن لإسرائيل القدرة على احتلال الجولان، واخبرنا انه سمع بنفسه موشي ديان يوضح للإذاعة الإسرائيلية، لماذا لا يمكن لإسرائيل إن تحتل الجولان وتهاجم سوريا عن طريق البر، ولهذا وحسب أقواله” القيادة العليا قررت الاستغناء عن كتيبتنا في هذه المرحلة من اجل حماية الأشقاء الأردنيين ومساعدتهم في الحرب، وغمرتنا الفرحة بهذا التكليف الهام.. ” ويضيف المرعي” انطلقنا في الثامن من حزيران إلى الاردن كجزء من القوات السورية التي بلغ عددها حوالي 5000 جندي، ووصلنا في ساعات الغروب إلى عمان وأقمنا معسكراً.. وهناك ابلغونا الخبر المر إن القدس قد سقطت، ولكن معنوياتنا كانت عالية بسبب أن القادة وعدونا ان قوات عراقية وربما مصرية ستنضم الينا في معركة تحرير القدس، وفي هذه الأثناء انتظرنا وتدربنا وتعلمنا على الخرائط وعلى مناطق القتال التي نخطط لها، وقابل قادتنا القادة الأردنيين والبعض من قادة الدعم العربية التي بدات تصل الى عمان، بعد يومين من الانتظار والاستعداد ابلغنا القائد الدردري انه تم إلغاء الهجوم لتحرير القدس.. وقال انه دون غطاء جوي لا يريد ان يدخل المعركة، تخوفاً من عدد القتلى بين الجنود الذي سيكون كبيراً، وأضاف” طالما إسرائيل تسيطر على السماء، فان نتائج المعركة محسومة مسبقاً .ولهذا رفض الاستمرار بالاستعدادات والتدريبات للمعركة، وبدأنا عمليا في التحضير والاستعداد للعودة الى سوريا… خاصة بعد انتشار إشاعات بان الاسرائيلين سيقومون باحتلال دمشق عن طريق الاردن، لهذا أرسلونا إلى الجزء الجنوبي من سوريا لحماية دمشق، في هذه الأثناء لم نكن نعلم ما يجري في الجولان.
سعيد الصفدي من قرية مسعدة وهو جندي مع اقدمية في الجيش السوري وخدم في قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة القنيطرة، قال” انه اضطر الى مغادرة الجولان أثناء الحرب عام 1967 حيث أرسلت وحدته العسكرية لتعزيز وحراسة فرق سورية في مواقع مختلفة، لقد كنا صغاراً ولم يعتمدوا علينا كمحاربين لهذا حصلنا على أكثر المهام سهولة ” في أعقاب الهجوم السوري الفاشل تم تجميع جنود الفرقة التي خدم بها بالقرب من القنيطرة، وهناك يقول الصفدي ” ابلغونا إننا سنترك الجولان لتأمين الحماية على دمشق وشعرنا إننا أمام مهمة كبيرة وهامة جداً، رغم إننا شعرنا باستياء لكوننا سنترك الجولان الذي يتعرض للهجوم الإسرائيلي، وتوسلنا إلى الضباط بالسماح لنا بالبقاء في الجولان، للدفاع عنه والمشاركة في القتال ولكنهم قالوا لنا”: إننا ما زلنا صغاراً وغير مدربين بما فيه الكفاية لخوض الحرب ، وقالوا لنا انه بسبب سيطرة إسرائيل على السماء ، سيكون من المستحيل تعزيز قواعد الجبهة في الصفوف الأمامية. إضافة إلى أن الجبهة مقطوعة عن الخطوط الخلفية ، ويضيف إن الم الهزيمة أصاب الجميع بشكل شخصي، لم نعد نثق بالقيادة التي فضلت الدفاع عن دمشق البعيدة، بدلا من حماية الجولان والدفاع عن بيوتنا ”
وبالعودة إلى شهادة نورالدين المرعي، حول الكتيبة السورية الخامسة وانتقالها إلى الاردن لمساعدة الجيش الأردني، لا يوجد أي تأكيد في يوميات العمليات والمعارك أو بالوثائق العربية التي نشرت لغاية اليوم، لكن في يوميات هيئة الأركان الأردنية هناك تقارير عن كتيبة سورية كان من المفروض إن تستبدل الكتيبة الـ40 الأردنية في شمالي الضفة الغربية، لكي تتفرغ بالدفاع عن مدينة أريحا، لكن لا يوجد أي تفاصيل عن كتيبة سورية حلت مكانها، وكذلك شهادة سعيد الصفدي، لا يوجد أي توثيق أو تأكيد في الوثائق التي وجدها الجيش الإسرائيلي في القنيطرة، تشير على انتقال كتيبته من الجولان والانتقال للدفاع عن دمشق .
قد تكون الأدلة والوثائق التي اعتمدها هذا التقرير ليست دقيقة تماما وتهدف إلى التقليل من أهمية الدور الذي لعبة أولئك الأشخاص الذين تناولهم التقرير، وحتى في التفاصيل التي قدموها لم ترتكز إلى أي وثيقة أو دليل منشور في أي دراسة، أو حتى في وثائق الجيش السوري التي كشفت بعد الاحتلال. لكن الجندي” ط” يقول” لربما انه بسبب البلبلة وتعدد وتناقض الأوامر العسكرية، والفوضى الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي، كان هناك أوامر اتخذت بإخراج بعض الوحدات من أماكنها وانتقالها إلى أماكن أخرى، وهو ما يفسر عدم وجود أي وثيقة مكتوبة أو إي شهادة، في سوريا… يقول الجندي”ط”
لم تجر عملية توثيق بعد الحرب أو جمع شهادات أو حتى معلومات ، لا يوجد كتب تاريخية وصور انتصارات مثل تلك الموجودة في إسرائيل، هذه كانت هزيمة مريرة الجميع يفضل نسيانها، ضباط من القيادة ارتكبوا أخطاء عديدة، وبعد الحرب كان جل اهتمامهم إخفاء تلك الأخطاء، من نجح باخفاءها بقي في الجيش وتدرج في المراتب العليا، ومن لم يستطع أُقيل، لهذا لم تنشر لغاية اليوم في سوريا، اي دراسات أو بيانات موثقة تتلاءم مع ذكريات أولئك الذين عاشوا التجربة وما زالوا يعيشونها لغاية اليوم.
وفي هذا السياق يؤكد سلمان فخرالدين أن “العديد من الشهادات غير مكتملة بسبب عدم وجود رواية مكتوبة عن تاريخ الحرب من الجانب السوري”. ولكن في رأيه ، “قد فعلت الحرب فعلها فبعد أكثر من أربعين عاما ذاكرة الجنود تتآكل وتخترقها الثقوب، وكذلك سنوات الصمت والتجاهل الطويلة ساهمت في ضياع الروايات. فكل واحد منهم ذهب إلى الحرب مع سيناريو خاص في رأسه ، وكل شخص بني لنفسه حكايته من تجربته الشخصية وهذه معرضة للتقليل او التضخيم مع مرور الوقت والسنوات ، أولئك الجنود لم يتقاسموا معاناتهم وتجاربهم مع احد. ولم تكن هناك طرق او وسائل لدعم او نفي ذاكرتهم وتجاربهم المتراكمة مع السنوات.
الهجوم الإسرائيلي
“منذ اليوم الأول للحرب ، أدركنا أن شيئا سيئا يحدث” يقول هايل شرف ، كنا على يقين من أن الحرب سوف تبدأ بهجوم قواتنا على إسرائيل وحقيقة بدل ان نستعد لاستقبال الأوامر بالهجوم ، أرسلنا عائلاتنا إلى مجدل شمس ، نحن في المقاومة الشعبية تلقينا أوامر وتعليمات في البقاء بمنازلنا ، تفاجئنا من ان جنودنا لا يهاجمون ، ولكن التعليمات بالبقاء في المنازل بدت لنا معقولة ، لتجنب مصير مماثل لتلك التي حصلت مع الفلسطينيين. في كل حال ، حتى لو كنا لم نكسب الحرب ، فقد طلب إلينا البقاء في منازلنا والدفاع عنها . ويضيف هايل شرف ” “وفي اليوم الرابع من الحرب ، الذي هو يوم الجمعة ، سمعنا في الراديو ان هناك اجتماع لمجلس الأمن الدولي. ثم سمعنا للمرة الأولى إن إسرائيل قد احتلت سيناء والضفة الغربية. وكانت صدمة كبيرة بالنسبة لنا. وعلمنا ان هناك محادثات لوقف إطلاق النار، وكنا نشعر بالهدوء نسبيا، لان مصيرنا في مأمن من الاحتلال، لكن في صباح اليوم التالي استيقظنا مرة أخرى على صوت القصف وهجمات الطيران الحربي الإسرائيلي.
الجيش السوري : أربعة جنود من الجولان(تصوير :جلاء مرعي )
بدأ الهجوم على مرتفعات الجولان في صباح يوم 9 يونيو. وسبقه قصف عنيف استمر ثلاث ساعات ، وبتقديرات السوريين ، فان الطيران الإسرائيلي نفذ خلال وقت قصير جدا، أكثر من ألف غارة جوية على أهداف أرضية، وبدأت القوات البرية بالهجوم على الجولان من خمسة محاور،الجيش الإسرائيلي ركز هجومه على القوات السورية في الجولان من تلك المنطقة التي هاجم منها السورين الأراضي الإسرائيلية ، واشد واعنف المعارك التي حصلت كانت على مقربة من المكان.. القتال في تل الفخار والقلع وزعورة كان عنيفا وشديداً وما تزال ذاكرة الجنود السوريين تحتفظ بذكريات عن تلك المعارك حتى إن كلا الجانبين يعترفان بشجاعة وقوة المقاتلين في المعارك التي حصلت.
حسب أقوال الجندي” ط” القتال في تل الفخار كان شرسا وشجاعا، بسبب انه لم تتبق ولا سيارة لنقل الجنود، فلم يتبق لهم سوى القتال حتى الرمق الأخير من جهته يقول المجند فايز أبو جبل ” انه يتذكر أصوات الجنود في تل الفخار وتل العزيزيات الذين استغاثوا طلباً للمساعدة خلال أجهزة الاتصال، لقد سمعنا أصواتهم وأصوات القصف والقذائف والرصاص. لم يكن أمامنا أي شئ نقدمه لهم … لا كلمات ولا حتى وعودات… بقوا يحاربون كالأسود حتى اللحظة الأخيرة ”
ويضيف الجنود السوريين انه في معركة تل العزيزيات كانت معارك عنيفة، وكان الدافع أمام الجنود هو القتال، ووفقا للروايات فان قائد الموقع هناك اصدر امراً بالانسحاب لكن جنوده رفضوا القرار، فأطلقوا النار عليه.. واستمروا في القتال حتى قضت القذائف الإسرائيلية عليهم” ويقول هايل شرف ” انه غداة المعركة في تل الفخار خرج من قريته عين قنية باتجاه مجدل شمس لتزويد عائلته بالطعام ،متسلقا الجبال ويحمل بندقيته للحماية الشخصية، والتقى في الجبال بثلاثة جنود سوريين اخبروه أنهم نجوا من من الحصار الإسرائيلي على موقع تل الفخار عن طريق الزحف داخل الخنادق. وجلسنا سوية تحت ظلال الأشجار وتحدثنا، واخبروني عن المعركة العنيفة الجريئة، التي خاضوها وقاتلوا حتى استشهد قائد الموقع.. ولم يستطيعوا القتال أكثر، واخبروني ان هناك عشرات الشهداء الذين دفنوا تحت الردم جراء القصف الإسرائيلي، ومن المحتمل ان هناك عدد من الجنود الأحياء ما زالوا داخل الموقع..
لقد اعتقد مقاتلي تل الفخار كما يروي الجنود الثلاثة الناجيين من المعركة “ان الجيش الاسرائيلي لن يهاجم الموقع من الغرب (الجانب الحاد من التل) ، وكانوا مسيطرين على المعركة في مراحلها الأولى بشكل كامل ، لكنهم أوضحوا انه دون دعم جوي او وجود تعزيزات لا يمكنهم من الصمود أكثر، لهذا قرروا الهرب، قلت لهم إنني كنت قلقا حول مصير اثنين من اخوتي الذين يخدمون في الجيش ، وقالوا لي إنهم يتمنون ان يجد إخوتي من يساعدهم، كما وجدوا هم من يساعدهم هنا . وقبل ذهابهم اعتذروا على أنهم قطفوا بعض الثمار من البستان لكونهم جوعي، وشرحت لهم كيفية الوصول عميقا إلى الأراضي السورية وذهبوا…
“كل ما تبقى أمامي هو وقف الدبابات الإسرائيلية على جسدي”
ويؤكد الجنود السورين على ان معارك عنيفة كانت قد حصلت في موقع القلع الذي شهد مقاومة سورية شرسة، بسبب بطولة قائد الموقع واسمه اسعد طه وبحسب شهادتهم فان اسعد طه كان قد أصيب في بداية الحرب بقصف إسرائيلي لكنه استمر في موقعه وبقى يقاتل مع جنوده حتى استشهاده، وأخر مرة سمع صوته في أجهزة الاتصال كان يطلب دعم المدفعية وكانت كلماته الأخيرة ” كل ما تبقى أمامي هو وقف الدبابات الإسرائيلية على جسدي:” في نهاية الحرب تم تكريم القائد اسعد طه بإطلاق اسم مدرسة في سوريا على اسمه، وكذلك فعل أبو نورس الجندي السوري فقد أطلق اسم ابنه على اسم القائد الشهيد ..
في نهاية اليوم الأول للهجوم الإسرائيلي لم تتوغل سوى قوات قليلة في أراضي الجولان ، ولكن بعد أربعة أيام من قصف المدفعية السورية والطيران التابع للجيش السوري الذي أصيب بانهيار شبه كامل ، بدأت القوات البرية الإسرائيلية بالهجوم.. الأمر الذي فاجأ الجنود السوريين، وسادت أجواء الفوضى على طول خطوط الجبهة ، وانهار نظام الاتصال ولم تصل الأوامر من القيادة للجنود والضباط في الجبهة، وانقطعت إمدادات الطعام والفرق الطبية لإخلاء الشهداء والجرحى ،ة ولم يكن هناك عنوان أمام المقاتلين ، العشرات من القادة والضباط اخلوا مواقعهم وهربوا بسياراتهم ، عشرات الجنود بقوا منتشرين على طول خطوط جبهة الجولان دون قيادة .
سلمان الصفدي يتذكر قوافل من الجنود الذين فروا إلى داخل سوريا ليلا عن طريق القنيطرة “جاءوا مجموعات مكونة من ثلاثة جنود وأحيانا من جنديين ، حاملين سلاحهم الشخصي فقط، قسم منهم كان مصاباً وجريحاً، وثيابهم ممزقة وكانوا جائعين وعطشى ومتعبين جداً. وذكروا أنهم كانوا مختبئين طيلة ساعات النهار يحتمون من الطائرات الإسرائيلية، التي لم ترحم أي شئ يتحرك. وكذلك يقول فايز ابو جبل الذي كان في ضواحي مدينة القنيطرة في شاحنة الاتصالات يتذكر قوافل الجنود المنسحبين من الجبهة في تلك الليلة، ويقول:”
إن قادة المواقع الأمامية سألوا القيادة العليا ماذا عليهم أن يفعلوا؟؟ وأرسلنا نحن في فرقة الاتصال أسئلتهم وأسئلتنا إلى القيادة في دمشق، لكننا لم نتلق أي جواب، كل الجبهة كانت دون قيادة وكل شخص تصرف كما رأى من المناسب ان يتصرف.
الجندي ” ط” يتذكر تلك الليلة ويقول ” مباشرة بعد احتلال القلع انسحب بسيارته إلى القنيطرة، وأمضى الليل بأكمله يتحدث الى رفاقه في مبنى مدرسة الضباط في المدينة، التي أوقفت عمليات التدريب استعدادا للحرب، واستخدمت تلك الليلة ملاذاً مؤقتاً لمئات المقاتلين المنسحبين، ورغم الحالة المعنوية المتردية، اعتقد غالبية الجنود أن هناك تخطيط لإعادة تجميع القوات في دمشق. وحتى أن هناك ضباط حاولوا تنظيم الجنود من جديد في اليوم التالي ،
المعركة التي لم تكن
في اليوم الأخير من الحرب لم يتبق قوة سورية منظمة على طول الجبهة كلها. على الرغم من استمرار القتال في عدة محاور حتى الرصاصة الأخيرة، أو الاستشهاد، لكن البنية العسكرية السورية كانت منتهية تماماً..كل جندي اخذ القرار بذاته، وفي ظل تقدم القوات الاسرائيلية والقصف المتواصل. الغالبية فضلت الهرب، وأولئك الذين اختاروا البقاء والقتال في مواقعهم، انهاروا مع ساعات الصباح الأولى، اما باستشهادهم أو انتهاء ذخيرتهم، إعلان سقوط القنيطرة الذي بثته إذاعة دمشق، أدى إلى انهيار الجبهة نهائياً.. بعد انهيار شبكة الاتصالات السورية وعزل الجبهة، وانهيار البنية الهرمية للقيادة العسكرية، كان راديو دمشق مصدر المعلومات الأول لفهم ما يحدث، للجنود والمواطنين المدنيين على حد سواء، وكافة الجنود الذين شملهم هذا التقرير يتذكرون تقارير إذاعة دمشق ودورها الكبير في رفع الجانب المعنوي للمقاتلين والجنود، ومنذ بداية الحرب الجميع يتذكر كيف كانت التقارير الإخبارية تبعث على التفاؤل ، مذيع راديو دمشق قال” إن الجيش السوري سيطر على شأر ياشوف”( داخل إسرائيل)، يتذكر هايل شرف جيدا هذا الخبر، لكن بعد عدة ساعات قال المذيع إن مجموعات من الجيش الإسرائيلي تحاول اقتحام مرتفعات الجولان، وتحاول احتلال تل ابو خنزير جنوبي تل العزيزيات، وقال” ان قواتنا أبادت كلياً تسعة دبابات إسرائيلية، فجلسنا في مواقعنا ننتظر التقارير الأخرى من الإذاعة، ويضيف نورالدين المرعي من وحدة الكوماندوز″ انه يتذكر تقارير الإذاعة السورية التي بعثت التفاؤل والحماس في صدره وصدر رفاقه، أثناء انتظارهم التعليمات لبدء عملية تحرير القدس بالقرب من عمان
جنود الاحتلال في مرتفعات الجولان ، يونيو 1967. فاز الجيش الإسرائيلي أكثر من حرب ، وهزم الجيش السوري في الصور | : سعدية مندل
البلاغ الكاذب رقم 66
البلاغ الكاذب الذي حمل رقم 66 أذيع في تمام الساعة 8:45 صباحاً وقال” تجري في ضواحي مدينة القنيطرة معارك شرسة مع قوات كوماندوز إسرائيلية”..
هايل شرف أكد ” إن هذا الإعلان تركه ورفاقه في حالة صدمة كبيرة… من خطر في باله إن الاسرائيلين سوف يصلوا مدينة القنيطرة ؟؟؟ ويتذكر سعيد الصفدي وأبو نورس مشاعر الإحباط والشكوك التي سادت بين الجنود من هذا الإعلان الغريب،” لم نر جندي إسرائيلي واحد ” يقول فايز ابو جبل وسألنا أنفسنا كيف وصلوا القنيطرة، ونحن هنا لم نر جندي إسرائيلي واحد؟؟؟
فور سماعه ا بلاغ رقم 66 يقول الجندي “ط” خرج مع مجموعة من رفاقه الجنود لينتظموا في مدرسة الضباط في ملاحقة ضباط إسرائيليين ، والجميع ركب سيارة الدورية ووصلنا الجزء الجنوبي من المدينة، ولم نسمع ولا أي طلقة، سمعنا قصف مدفعي بعيد وطائرات من وقت لأخر ، لكن في المدينة وضواحيها لم نرى إي وجود لأي جندي إسرائيلي، واستمرت دوريتنا في التجول في كافة أنحاء المدينة ولم يكن فيها أي وجود للإسرائيليين، والتقينا مع مجموعة من المقاتلين، خرجت لقتال الاسرائيلين بعد سماعهم بلاغ سقوط القنيطرة، وتوجهنا إلى مقر القيادة في المدينة لكي نؤكد ما رأيناه ونتلقى التعليمات” الا إننا تفاجئنا بان المبنى كان خاليا تماماً …..”
عقب إعلان سقوط القنيطرة في بلاغ رقم 66 العسكري ، انهارت محاور المقاومة في الجولان كله، وكان الجيش الإسرائيلي يبعد أكثر من عشرة اميال عن مدينة القنيطرة، وكان هناك إشاعات كثيرة على مدار كل تلك السنوات ، حول مصدر البلاغ رقم 66 ووفقا لمعظم التقديرات” إن البلاغ صدر من مكتب وزير الدفاع حافظ الأسد، وبحسب المؤرخين والباحثين وزير الدفاع حافظ الأسد المسئول عن إصدار البلاغ بنفسه ، وحسب شهادة الجنود انه خلال بث بلاغ إعلان سقوط مدينة القنيطرة كان وزير الصحة السوري داخل المدينة، ولم يرى أي تواجد إسرائيلي داخل المدينة ، فاتصل في مكتب وزير الدفاع واخبرهم انه في المدينة ولا أساس لمصداقية البلاغ، فاخذ الوزير الأسد بشتمه، وأمر بإخراجه من المدينة فوراً.
ويجادل البعض بأن انهيار الخطوط الأمامية في الجولان السوري يعود إلى خوف المسئولين الحكوميين السوريين الذين اصيبوا بحالة ذعر وهلع ، من غزو إسرائيل للعاصمة دمشق ، واعتقد وزير الدفاع حينها حافظ الأسد ان إصدار بلاغ سقوط مدينة القنيطرة، وتهديد العاصمة دمشق، سيدفع الاتحاد السوفيتي إلى الدفاع عن سوريا، او التدخل العاجل في مجلس الأمن وإجبار إسرائيل على وقف تقدمها في الأراضي السورية، وهذا ما يؤكده سفير سوريا في الأمم المتحدة بعد الحرب” انه اضطر إلى إبلاغ مجلس الأمن بسقوط القنيطرة واقتراب القوات الإسرائيلية من دمشق، في الوقت التي أذيع البلاغ في الإذاعة السورية، ووفقا لتقارير المخابرات الأمريكية عن الحرب قالت :” ان بعض الضباط السوريين اتهموا القيادة السياسة العليا ببث إعلان سقوط القنيطرة وهددوا بتنفيذ انقلاب عسكري . وقد شهدت الأيام الأولى بعد الحرب تغيراً في اللهجة والخطاب السوري وقُدمت سوريا كضحية لعدوان إسرائيلي تطالب العالم بإنصافها والوقوف جانبها.
العودة إلى الخنادق
“وبعد أن استمعنا إلى تقرير عن سقوط القنيطرة ، أدركنا أننا خسرنا الحرب ، وانتظرنا لإعلان الامم المتحدة بوقف إطلاق النار، فذهبت مع رفيقي إلى تلة صغيرة تسيطر على القرية ننتظر وصول القوات الإسرائيلية..يتابع هايل شرف ويضيف متأثرا بحديثه” من بعيد رأينا قافلة إسرائيلية تتجه نحو القرية ، كنا حزينين ، الطيران الإسرائيلي بقى يحلق في السماء، دون توقف في طريقه لقصف الداخل السوري، جلسنا وكل ما تبقى أمامنا هو انتظار دخول القوات الإسرائيلية للقرية، التي تقدمتها الدبابات، وناقلات الجنود والمدرعات وسيارات الجيب وعربات اخف وزناً، وفجأة في إحدى التلال القريبة سمعنا انفجاراً ورأينا بالعين المجردة ان القافلة الإسرائيلية توقفت، ونحن نتطلع وصل إلينا جندي سوري راكضاً قال لنا” ان رفيقة وضع عبوة ناسفة أمام القافلة الإسرائيلية وهو جندي سوري من مدينة السويداء وشعرنا بفخر واعتزاز لكن ذلك لم يغير شيئا من الواقع ، والسيارات الإسرائيلية تاخرت قليلا لكنها أحدثت التفافا أخر واستمرت بالتقدم باتجاه القرية…
بعد الحرب ،انسحب كافة الجنود السورين من أبناء الجولان والتحقوا بقطعهم العسكرية ، لم يرغبوا بان يكونوا فاريين من الجيش، والتحقت عائلات قسم منهم معهم إلى الداخل السوري ، وكان جنود الاحتياط قد اضطروا البقاء عدة أشهر لانهاء خدمتهم العسكرية ، فيما الجنود النظاميين مثل قائد فرقة الكوماندوز نورالدين المرعي انهوا الخدمة العسكرية الإلزامية، وبقى في مدينة القنيطرة مع فرقته حيث كان يشاهد قوافل النازحين والآلاف الأشخاص الذين اخترقوا خط وقف إطلاق النار ومئات المشردين الذين بحثوا عن الطعام والمأوى وكانوا تعساء جدا…
معظم الجنود السوريين عادوا الى قراهم في الجولان المحتل ، بواسطة الصليب الأحمر الدولي بعد الحرب، مثل نورالدين المرعي حيث عاد إلى قريته مع 139 جندياً في إطار جمع الشمل ، قسم ممن لم ينهي الخدمة الإلزامية بقي هناك واشتركوا في حرب تشرين عام 1973 ، وكانوا اشد الجنود بسالة و شراسة في حرب تشرين، بسبب إنهم يقاتلون من اجل بيوتهم ومسقط رأسهم” وقسم أخر منهم عاد خلال سنوات السبعينيات في إطار جمع الشمل وهناك اعتقاد ان ما يزال 2000 جندي من أبناء قرى الجولان داخل سوريا .
وبحسب الجنود السوريين الذين شملهم التقرير فأنهم يتفقون” على أن إسرائيل ربحت المعركة والجيش السوري أصيب بهزيمة، قبل الحرب كان عدد القوات السورية في الجولان خمسة كتائب من سلاح المشاة وثلاثة فرق مدرعة. و40 الف جندي سوري وأكثر من 200 دبابة، وهذه الارقام تفوق الأرقام التي كانت لدى إسرائيل قبل احتلال الجولان ، وتمتع السورين من سيطرتهم على طبوغرافية الأرض. خسائر السورين في حرب 1967ت قدر بـ 450 شهيد و 1800 جريح و365 جندي وقعوا في اسر القوات الإسرائيلية. من جهتها المصادر السورية تقول انهه فقدت 120شهيد فقط.
ويقول الجنود السورين” انه بقي في الجولان عدة مجموعات تقاتل وهي معزولة عن أي إمدادات، فأولئك دافعوا من منطلق التضحية والشعور بالواجب ، في مختلق مناطق الجولان، وبقيت بعض الوحدات النظامية المحدودة تقاتل في معارك مشرفة في تل الفخار والقلع وزعورة وتل هلال والدردارة وتل الفرس ، طبعا هذا الادعاء لا تؤكده المصادر الإسرائيلية بسبب حسب الجندي “ط” إن إسرائيل غير معنية بذكر هذه المعارك الشرسة بسبب إن الرأي العام الإسرائيلي سيتمسك بالجولان أكثر…
سوريا مخفر بالقرب من أنقاض القنيطرة. على جدار كلمة السر ‘: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة
بقيت مخلفات الحرب منتشرة في إرجاء الجولان لعدة أسابيع، يستذكر هايل شرف بألم” كانت هناك عمليات نهب وسرقة بواسطة قوافل إسرائيلية ، وجاءت الجرافات الاسرائيليى لتدمر القرى والبلدات السورية، واستمر نزوح المئات من أبناء قرى الجولان إلى سوريا، لعدة اسابيع بعد الحرب، قسم منهم مروا في مجدل شمس، حيث احترمهم سكانها وقدموا لهم ما يحتاجون من مأكل ومشرب.. جثث الجنود السوريين التي لم يجمعها الجيش الإسرائيلي بقيت في العراء، لتلتهمها وتنهش بها الذئاب والطيور الجائعة.ويستذكر هايل شرف ” كيف دخل إلى موقع سوري بالقرب من قرية عين قنية ،وشاهد الموقع كما تركه جنوده،كان هناك الكثير من الطعام والمشروبات الصحية وطناجر واواني الطبخ ، وبعض قطع الخبز الخاص بالجنود، تجولت حول الموقع ووصلت الى مكان مرتفع ، حيث بقيت فيه دبابة سورية محترقة كنت قد شاهدت الطيران الإسرائيلي حين قصفها ،لأنها كانت تحمي إحدى قواعد إطلاق مضادات الطائرات، ووجدت بالقرب منها بقايا عظام وشعر لراس احد الجنود ..اما سليمان شرف شقيقه الأكبر فما زال يتجول في الأماكن المهجورة، لغاية اليوم” أحيانا أتجول داخل الخنادق واقرأ أسماء الجنود الذين كانوا هناك وابكي، اتالم حين أشاهد واقرأ أسماءهم رغم أن معظم الأسماء لا اعرفها .
عارف الصفدي الهارب من الجيش السوري إلى إسرائيل في سنوات الخمسينيات وعاد إلى الجولان بعد الحرب، يتذكر رائحة الجثث المتعفنة ،التي بقيت في الخنادق والمواقع العسكرية السورية..
اللاجئين
223 قرية سورية كان في الجولان
قبل الحرب عام 1967 عاش في الجولان حوالي 150 ألف مدني ، منهم 130000 منهم بقوا في المناطق التي احتلتها إسرائيل . بعد شهرين فقط من الحرب كان عدد السكان 7.400 إنسان فقط… هم سكان القرى الحالية.. من أصل 223 قرية وبلدة سورية خضعت إلى التنقيب لسلطة الآثار الإسرائيلية للتأكد من خلوها من الآثار المهمة.. دمرت إسرائيل كل تلك القرى . بعد عدة أشهر دمر الجيش الإسرائيلي قرية سحيتا بسبب قربها من خط وقف إطلاق النار وتم تشريد سكانها إلى قرى الجولان الأخرى.
الحرب على المياه
الجنود السورين سبحوا في بحيرة طبريا
شهادات الجنود السورين من أبناء الجولان عكست الواقع الامنى الذي ساد في المنطقة قبل الحرب في العام 1967
أبو صادق من قرية عين قنية خدم في قوات الاحتياط السورية كسائق في الفرقة الثالثة السورية، دوره في الحرب كان قليلا نسبياً ولا يتردد في الحديث عنه” اترك الموتى- اترك الموتى ” يقول في كل مرة تذكر فيها ذكريات الحرب أمامه ويوضح.” كل من قتل في الحرب آو قُتل رفيق له ” لن يستطيع طوال عمره أن ينسى تلك الذكريات ، لأنها تبقى داخلك في ذكرياتك وهذا أفضل للجميع .” أبو صادق تجند في صفوف الجيش السوري في العام 1963 مباشرة بعد تدريبات في قاعدة عسكرية بالقرب من دمشق ، وكُلف بقيادة شاحنة روسية ” زيل” في الكتيبة السورية جنوبي الجولان، وقيادتها كانت في معسكر العال، بجانب القرية السورية العال، حيث كانوا يسكنون قي منازل داخل القرية التي بلغ عدد سكانها حوالي 2500 نسمة، واليوم أقيم على أنقاضها مستوطنة “ألعاد “.
ويضيف ابو صادق قبل الحرب في سنتين كنا نقوم بجولات على طول خط الحدود كل يوم ثلاثاء وأربعاء، كنا ننزل من المعسكر في العال لمواقع المراقبة التي وُضعت على خط المياه لبحيرة طبريا، وكنا نسافر في سيارة كومنكور، لاستبدال طواقم الحراسة والمراقبة في المواقع ونزودهم بالمؤن، وخاصة في مخفر الكرسي ومواقع البطيحة في الجزء الشمالي من بحيرة طبريا.. في إحدى المرات توقفنا للراحة على ضفة البحيرة، وخلعنا من أرجلنا وأخرجنا شبكات صيد السمك، وهذا بالضبط اليوم في شاطئ البحيرة الذي يطلق عليه ” حوف غولان”( شاطئ جولان) في المنطقة المعزولة السلاح، لكن كنا نتوقف هناك أكثر للراحة، الطريق كان تحت اشرافنا وكذلك مياه البحيرة قبل الحرب ، في المنطقة المعزولة السلاح، كنا نشاهد جنود من كلا الطرفين السوري والإسرائيلي، وحين كنا نصطاد السمك تفاجئنا في زورق حربي إسرائيلي، رفاقي الذين كانوا اصغر مني سناً هربوا واختبئوا داخل أشجار الشيح المجاورة، لكن الزورق الإسرائيلي لم يطلق النار علينا ، فقط التقطوا لنا صوراً. انا شخصياً بقيت في مكاني أتابع صيد السمك، بدون ادني شك ستجد لي صوراً في الأرشيف العسكري الإسرائيلي مع صنارة الصيد، وصرخت في وجه رفاقي الذين اختبئوا، وقلت لهم لماذا خفتم؟؟ أتوا ليصوروننا فقط لكنهم فضلوا الاختباء.
سليمان شرف يتذكر ايضاً بعض المشاهد من تلك السنوات، خاصة قصف المدفعية المتبادل وقصف الطيران الحربي، في إحدى عمليات القصف استشهد رفيقه إمامه، حيث كان يعمل ضمن مشروع تحويل المياه في بلدة بانياس في السنوات التي سبقت الحرب، وخسر العديد من رفاقه في السلاح أثناء القصف وإطلاق النار قبل الحرب.” كنا نقترب من الحدود ونشاهد الجنود الإسرائيليين ، لكننا في ذاك الوقت كنا اولاداً ” ويقول شقيقه الأصغر “أتذكر بشكل خاص حادث في العام 1965 حين سقطت في بحيرة طبريا طائرة ميغ 17، قالوا لنا حينها، إن الطيار استطاع تدمير عدد من الزوارق الحربية الإسرائيلية، وفي الغارة الأخيرة له وجازف بان حلق على علو منخفض، وبعد أن أصاب الزورق الإسرائيلي الأخير ، تعرض إلى إطلاق نار إسرائيلي، وأصيب جناح الطائرة وسقطت في المياه، ولم يكن هناك وقت أمام الإسرائيليين لإخراجها من المياه وسحبها الى جهتهم، فربطوها بحبل متين كي لا تجرفها المياه وتركوها، وفي ذات الليلة ليلاً توغلت قوة من الكوماندوز البحري السوري إلى الطائرة واستطاعوا سحبها إلى الجانب السوري، وفي اليوم التالي رأينا الطائرة محملة على ظهر شاحنة في طريقها إلى دمشق واسم الطيار السوري كان” غازي وزوزي” وهو واحد من طيارين سوريين اشتهروا بجرأتهم وشجاعتهم في استهداف المواقع الإسرائيلية في تلك السنوات ..