المحميات الطبيعية في الجولان المحتل
– البيئة في خدمة سياسة السيطرة على الأرض –
د. نزيه بريك
29.11.2021
مقدمة:
انتهت حرب حزيران عام 1967، بسيطرة إسرائيل على مساحة 1260كم مربعاً من الجولان، تم إعادة ما يقارب 60 كم مربعاً إلى السيادة السورية عام 1974 [1] . تسيطر إسرائيل اليوم على 96% من المساحة التي ما زالت تحتلها (1200كم مربع)، وكانت ملكيتها تعود إلى الدولة السورية وسكان مئات القرى التي هدمتها قوات الاحتلال، وطردت سكانها خارج حدود سيطرتها. أما المساحة المتبقية (4%)، فما زالت ضمن ملكية القرى السورية الخمس (مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة، عين قنية، والغجر)، التي لم يطلها التهجير والدمار. تقع هذه القرى جميعها في شمال الجولان.
تُعرِّف إسرائيل الأرض التي تقع تحت سيطرتها بمصطلح “أراضي دولة”. جزء من هذه الأراضي وُضعت تحت تصرف الجيش ويتم استغلالها كمناطق للتدريبات ولإقامة مواقع عسكرية. الجزء الأكبر من الأراضي المحتلة، تم تخصيصه لخدمة المشروع الاستيطاني (إقامة المستوطنات وتطوير البنية الاقتصادية للمستوطنين)، بالإضافة إلى جزء آخر تم تحديد هويته البيئية كمحميات طبيعية أو حدائق وطنية.
1.0 – المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية في الجولان
منذ قيام دولة إسرائيل حتى وقتنا الراهن (2021) تمَّ تحديد وإقرار 537 [2] منطقة كمحميات طبيعية وحدائق وطنية (انظر: المصادر في جدول رقم 1 ورقم 2)، منها ثلاث وأربعون (43) محمية طبيعية، وثمان (8) حدائق وطنية في الجولان المحتل، بمساحة ما يقارب 370,000 دونم، أكبرها “محمية يهودية” في جنوب الجولان، والتي تمتد على مساحة ما يقارب 99,000 دونم، و”محمية حرمون” في شمال الجولان بمساحة ما يقارب 78,000 دونم. وإذا ما قارنَّا مساحة الجولان المحتل -1,200 كم مربع- وعدد المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية الموجودة فيه، بمساحة إسرائيل قبل عام 1967 -20,770 كم مربع- وعدد المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية فيها، فإن كثافة المحميات الطبيعية في الجولان تبلغ (0.04)، أي ضعف ما هو في الداخل الإسرائيلي (0.02)، في حين تبلغ مساحة الجولان 5.78% من مساحة إسرائيل في عام 1948.
تغطي المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية ما يقارب 25% من مساحة إسرائيل [3] ، بينما تصل النسبة في الجولان المحتل إلى ما يقارب 34% من مساحته.
جدول رقم 1: المحميات الطبيعية في الجولان المُحتل (2021) | ||||
موقع المحمية على الخريطة |
مساحة المحمية (دونم) |
الاسم العربي للموقع | اسم المحمية الطبيعية | |
18 | 1,043 | البجة | أورطال | 1 |
39 | 15.1 | عين عكوب | أوفك | 2 |
31 | 1,413 | أبو خيط، تل الذهب | أخو خسفيه | 3 |
30 | 5,200 | عين حديد، صير القرينات، رسم هدهد | أخيلوف هاحوران | 4 |
23 | 1,589 | خُشنية | خوشنية | 5 |
26 | 444.6 | تنورية | تنورية | 6 |
35 | 9,977.4 | البطيحة | بيت صيدا (البطيحة) | 7 |
16 | 303 | بركة باب الهوا | بريخات بارأون | 8 |
20 | 566 | بركة السنديانة | بريخات سنديانة | 9 |
28 | 25.7 | بركة فرج | بريخات فرج | 10 |
25 | 8,381.7 | جملا | جملا | 11 |
1 | 78,270 | جبل الشيخ | هحرمون | 12 |
17 | 5,036 | تل أبو الندى | هار أفيتال | 13 |
9 | 1,855 | تل الشيخة | هار حرمونيت | 14 |
19 | 803.4 | تل أبو خنزير | هار شيفون | 15 |
37 | 430.4 | شاطئ الكرسي | حوف كورسي | 16 |
42 | 188.1 | الحمة | حماة جادير | 17 |
24 | 98,952 | اليهودية \ اليعربية | يهودية | 18 |
3 | 42,448 | حرش مسعدة | ياعر أودم | 19 |
34 | 76.0 | مجرسة | مجرسة / شيفخ داليوت | 20 |
15 | 31,161 | منحدرات الجولان | موردوت هغولان (1) | 21 |
21 | 2,784 | مسيل الغسانية | مسيل غسانية | 22 |
4 | 662.9 | منابع نهر بانياس | معيانوت بانياس | 23 |
32 | 763 | ناب | نوف | 24 |
7 | ,3,685.2 | النخيلة – عين البارد | معيانوت نوخايله – عين برد | 25 |
33 | 3,400 | وادي الدفيلة | ناحَل إلعال | 26 |
13 | 1,913 | وادي الحمدي – عين عُرفية | ناحَل حمدال-عين غونين | 27 |
5 | 2,132 | نهر بانياس | ناحَل حرمون | 28 |
40 | 27,790 | وادي مسعود \ وادي الياقوصة | ناحَل ميتسار | 29 |
2 | 4,729 | نهر سعار | ناحَل سعار | 30 |
12 | 1,917 | وادي نسرة \ وادي غرابة | ناحَل عورفيم | 31 |
10 | وادي المغارة – وادي الزيتون | شامير ناحل رحوم- ناحل سيفر (1) | 32 | |
14 | 1,319 | وادي الفاجر- عين التينة | ناحل شوح – عين ناطورة | 33 |
8 | 271 | نهر الحاصباني | ناحل سنير | 34 |
38 | 18,388 | سوسيتا | سوسيتا | 35 |
6 | 1,913 | خربة العمارة | عومريت (1) | 36 |
11 | 1,120.7 | ينابيع سماقة، القلع | عينوت عورفيم | 37 |
27 | 512.7 | عيون فحام | عينوت فحام | 38 |
36 | 2,144 | يمتد على ضفتيّ نهر الأردن من جسر بنات يعقوب شمالاً حتى تل الأعور جنوباَ. | بارك هياردن (1) | 39 |
22 | 11,298 | الغسانية | ريخِس باشانيت | 40 |
29 | 1,530 | تل الفرس | تل فارس | 41 |
41 | نهر اليرموك | ناحل يرموك (1) | 42 | |
مجموعة من البرك الشتوية، تنتشر على امتداد الجولان، يبلغ عددها خمس وعشرين بركة، وتمتد على مساحة 568 دونماً. | بريخوت حورف هغولان | 43 | ||
(1) فقط جزء من المحمية يقع داخل الجولان المحتل. | ||||
المصادر:
1- https://inature.info/wiki/%D7%A9%D7%9E%D7%95%D7%A8%D7%95%D7%AA_%D7%98%D7%91%D7%A2
2- https://www.parks.org.il/map/ 3- https://www.gov.il/he/departments/general/nature_reserves_2 4- https://mavat.moin.gov.il/mavatps/forms/sv3.aspx?tid=3
|
جدول رقم 2: الحدائق الوطنية في الجولان (2021) | ||||
اسم الحديقة الوطنية | الاسم العربي للموقع | المساحة (دونم) | الموقع على الخريطة | |
1 | هار بنطال | تل العرام | 13.6 | C |
2 | حوف كورسي | شاطئ الكرسي | 42.4 | E |
3 | حامات غدير | الحمة | 317.4 | H |
4 | كورسي | الكرسي | 179.6 | F |
5 | مفتسار نمرود | قلعة النمرود | 195 | A |
6 | معيانوت بانياس | ينابيع بانياس | 252 | B |
7 | سوسيتا | سوسيتا | 1,690 | G |
8 | غان رؤوفين | عين الصنابر | 242 | D |
المصادر:
https://inature.info/wiki/%D7%A9%D7%9E%D7%95%D7%A8%D7%95%D7%AA_%D7%98%D7%91%D7%A2
https://www.gov.il/he/departments/general/nature_reserves_2
https://mavat.moin.gov.il/mavatps/forms/sv3.aspx?tid=3
|
خريطة انتشار المحميات الطبيعية في الجولان
2.0 – الأهداف الخفية لإنشاء المحميات الطبيعية
من الضروري النظر إلى ممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلة، عبر السياق التاريخي، بمعنى السياق المتعلق بالفكر الصهيوني، والذي يقوم على مفهوم كولنيالي من خلال برنامج استعماري-استيطاني يهدف إلى خلق حيز تكون السيطرة فيه للعرق اليهودي، وضمان هذه السيطرة مقرون بالوجود البشري اليهودي وتشكيل هذا العرق الأغلبية السكانية.
في إسرائيل لا يمكن فصل عملية التخطيط والتنظيم عن السياق السياسي، القومي والاقتصادي، بحيث يشكل التخطيط بالنسبة لسلطة الاحتلال أداةً أخرى للسيطرة على الحيز العربي كبديل أو مُكمِّل للسيطرة العسكرية.
في العادة يتم إقرار مناطق معينة كمحميات طبيعية، بهدف لجم التدمير المتسارع الذي يمارسه الإنسان على البيئة بسبب نمط حياته الاستهلاكية، وبالتالي تلعب المحميات الطبيعية دوراً في خلق حد أدنى من التوازن بين مُكونات البيئة النباتية والحيوانية (الفلورا والفاونا) والإنسان. لكن في إسرائيل تلعب المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية دوراً آخراً مخفياً بين سطور المفهوم البيئي، حيث كل شيء يتعلق بالأرض يجب أن يكون له وظيفة سياسية، أو يتم توظيفه لتحقيق أهداف سياسية تخدم المشروع الصهيوني. ومن أهم هذه الأهداف:
2.1 – نزع ملكية الأرض من السكان العرب (الفلسطينيون والجولانيون)، الذين يعيشون داخل دائرة
سيطرتها في إطار المشروع الصهيوني لتهويد الأرض.
مع بداية الاحتلال وحسب المعطيات الإسرائيلية فقد امتلك سكان القرى الأربع (مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة، عين قنية) ما يقارب 96,000 دونم، منها حوالي 27,000 دونم صالح للزراعة، وأما الباقي (69,000) دونم، فكانت أراضي مراعي يمتلكها سكان تلك القرى [4]. نفس المصادر الإسرائيلية تتحدث في ورقة أخرى عن 74,000 دونم أراضي مراعي كانت تتبع ملكيتها قبل الاحتلال للقرى الأربع المذكورة سابقاً، ثم انخفضت عام 1969 إلى 38,000 دونم، كنتيجة للمصادرة [5] . بناءً على هذه المعطيات يمكن القول أن القرى الأربع كانت تمتلك قبل الاحتلال أكثر من 100,000 دونم من الأراضي الزراعية والمراعي. أما قرية الغجر فكانت تمتلك قبل الاحتلال ما يقارب 5,000 دونم، واليوم تمتلك ما يقارب 2,000 دونم، حيث تمَّت مصادرة الجزء الأكبر من أراضيها لصالح مستوطنة سنير الواقعة داخل الجولان المحتل.
رسمياً، تبلغ اليوم مساحة أراضي هذه القرى الخمس ما يقارب 58 ألف دونم، لكن عملياً تبلغ فقط 47 ألف دونم، حيث تم اقتطاع ما يقارب 11 ألف دونم لصالح المحميات الطبيعية المُحيطة بتلك القرى (انظر جدول 3). وهذا يعني أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية صادرت منذ الاحتلال ما يقارب 56% من أراضي السكان السوريين في الجولان المحتل، لصالح الجيش، الاستيطان، والمحميات الطبيعية. جدير بالذكر، أن هناك معسكراً للجيش الإسرائيلي يقع داخل مجدل شمس.
جدول رقم 3: مساحة الحدود الإدارية لقرى الجولان |
|||
اسم القرية |
عدد السكان(2021\10) |
مساحة الحدود الإدارية (دونم) |
المساحة المُصادرة لصالحالمحميات الطبيعية (دونم) |
مجدل شمس |
11,655 |
17,548 |
5,759 |
بقعاثا |
6,842 |
19,540 |
1,124 |
مسعدة |
4,208 |
12,506 |
2,318 |
عين قنية |
2,786 |
5,650 |
1,680 |
الغجر |
2,476 |
2,800 |
170 |
المجموع |
27,967 |
58,044 |
11,051 |
مصادر عدد السكان:https://data.gov.il/dataset/residents_in_israel_by_communities_and_age_groupsمصادر المعطيات الأخرى:http://maale-hermon.complot.co.il/generalinfo/Documents/%D7%9E%D7%93%D7%99%D7%A0%D7%99%D7%95%D7%AA%20%D7%90%D7%9B%D7%99%D7%A4%D7%94.pdf |
2.2 – استبعاد السكان العرب من الاستفادة من الأرض عمرانياً واقتصادياً.
رغم أن جزءاً من المحميات الطبيعية في شمال الجولان يقع داخل الحدود الإدارية للقرى السورية الخمس، لكن سلطات الاحتلال الممثلة في سلطة حماية الطبيعة والحدائق، قامت بهذه الإجراءات دون مشاركة المجالس البلدية لهذه القرى باتخاذ القرار، بل رغم معارضة المجالس البلدية. الحدود الإدارية ليست خطوطًا جغرافية محايدة، فغالبًا ما ترتبط التغييرات الحدودية بهدف تغيير السلطة على الأرض من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية.
تمارس إسرائيل أسلوب “التخطيط من أعلى” (Planning from above)، وهو تخطيط سلطوي ومركزي، حيث إن علاقته بالمواطن العربي يمكن وضعها في إطار مفهوم “الإملاء”، وهكذا يتم تخطيط وتشكيل الحيّز بدون أن يكون للمواطن العربي إمكانية التأثير الفعلي في رسم هذا الواقع والاستفادة منه.[6]
جزء من الأراضي التي صادرتها سلطات الاحتلال لصالح المحميات الطبيعية، كان يُشكل مساحة احتياطية للتوسع العمراني لهذه القرى. ومع إقرار هذه المحميات تمَّ سلب هذا الجزء الاحتياطي، رغم أن جميع القرى العربية في الجولان المحتل تعاني من نقص حاد في المساحات العمرانية، مما أفرز تأثيرات سلبية جدا على حياة السكان الاجتماعية والنفسية، بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي، حيث أدى هذا الوضع إلى ارتفاع خيالي في أسعار الأراضي المخصصة للتوسع العمراني.
الأمر الآخر هو منع السكان العرب من إقامة مصالح اقتصادية داخل المحميات الطبيعية، في حين يُسمح للمستوطنين بهذا الأمر، ومثال على ذلك هو منتجع التزلج في جبل الشيخ، والذي يقع داخل “محمية حرمون”، ثاني أكبر محمية في الجولان المحتل، لكن لا تسري عليه قوانين المحمية الطبيعية، وتعود ملكيته إلى مستوطنة “نفيه آتيف”.
قبل الاحتلال شكَّل قطاع الزراعة وقطاع تربية المواشي أهم الروافد المعيشية في حياة السكان الجولانيين. حيث بلغ عدد المواشي (ماعز، أبقار، أغنام) عام 1973 في القرى الخمس 20,820 رأس ماشية [7]. اليوم لا يتعدى عدد المواشي بضع مئاتٍ، وذاك بسبب مصادرة أراضي الرعي لصالح المحميات الطبيعية، ولأغراض النشطات العسكرية لجيش الاحتلال. إضافة لذلك، هناك مجموعة من النباتات البرية كانت تُشكِّلُ جزءاً مهما من ثقافة المطبخ الجولاني، وبإقامة هذه المحميات، تم حرمان السكان من الاستفادة المعيشية من جزءٍ كبير من هذه النباتات.
جدول رقم 4: الأراضي الزراعية والعمرانية في القرى السورية في الجولان المُحتل | ||||
اسم القرية | الأراضي الزراعية (دونم) | المنطقة الصناعية
(دونم) |
المنطقة العمرانية (دونم) | الكثافة السكانية
(شخص للدونم) |
مجدل شمس | 5,483 | 734 | 2,306 | 5.05 |
بقعاثا | 12,365 | 145 | 1,800 | 3.80 |
مسعدة | 4,668 | 128 | 1,372 | 3.07 |
عين قنية | 2,899 | 34 | 1,037 | 2.68 |
الغجر | 2,120 | 51 | 459 (1) | 5.39 |
المجموع | 27,535 (3) | 1,092 | 6,750 (2) | المُعدّل: 3.99 |
(1) من مجموع 459 دونماً، هناك 260 دونماً تقع داخل الأراضي اللبنانية.
(2) بدون المساحة التي تقع داخل الحدود اللبنانية (260 دونماً). (3) حسب معطيات سلطة المياه الإسرائيلية (مكوروت)، هناك فقط 20,000 دونم مستغلة زراعياً. يعود ذلك حسب رأي الكاتب إلى حقول الألغام التي تُغطي بعض المناطق الزراعية. المصدر:
|
2.3 – محو هوية المكان وذاكرته التاريخية.
تتعمد إسرائيل، ومنذ قيامها، من خلال مشاريعها الاستيطانية محو هوية المكان وذاكرته التاريخية من خلال التدمير الشامل لهويته السكانية والعمرانية وثقافته وتاريخه، وإزالة كل الدلائل المادية لهذه الهوية، أما الدلائل الغير مادية، مثل الأسماء العربية للمواقع والأماكن الجغرافية، تقوم سلطات الاحتلال بتدميرها من خلال استبدال الأسماء العربية بأسماء عبرية، لأن الأسماء العربية سَتُبقي الذاكرة مفتوحة للأجيال القادمة على التطهير الإثني والدمار العمراني الذي مارسته دولة الاحتلال بحق السكان الأصليين في الجولان (انظر جدول رقم 1 وجدول رقم 2).
- – إخفاء معالم التطهير الإثني والدمار العمراني.
تسعى إسرائيل، على المستوى الدولي، لتسويق نفسها بأنها “دولة خضراء”، تعطي البيئة منزلة كبيرة في سياستها التنموية، حيث أقامت حتى اليوم 537 محمية طبيعية وحديقة وطنية، وهذا عدد كبير جداً بالنسبة لمساحتها. وكما ترفع إسرائيل شعار “الدولة الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط”، فإنها تعمل على تسويق نفسها بأنها “الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تهتم بالبيئة”.
في الحقيقة إن طرد السكان الأصليين يُشكِّل فقط جانباً واحداً من جوانب تطهير الحيِّز، حيث يُشكِّل الجانب الآخر هدفاً يرمي إلى مَحو وطمس أي دليل مادي يشير إلى وجود السكان الأصليين، ويجري هذا من خلال إعادة تشكيل المكان، فبالإضافة إلى استبدال المُكَوّن البشري للحيِّز بطرد السكان الأصليين وجلب المستوطنين، تُشكِّل المحميات الطبيعية في الفكر الصهيوني الاستعماري أحد أدوات عملية إعادة تشكيل المكان. حيث تمارس إسرائيل من خلال المحميات الطبيعية عملية “الغسيل الأخضر” (Greenwashing) لجرائمها في فلسطين والجولان،[8] فمعظم المحميات الطبيعية قد أُقيمت على أنقاض القرى الفلسطينية والسورية، وفي الجولان تُخفي المحميات الطبيعية معالم 145 قرية سورية من مجموع 341 مدينة وقرية دمرتها سلطات الاحتلال وطردت سكانها أثناء الحرب وبعدها (انظر الخريطة).
خلاصة:
كما ورد سابقاً، فإن التخطيط في إسرائيل يُستخدَم كأداة قوية للإخضاع والسيطرة على السكان العرب القاطنين داخل دائرة سيطرتها (الفلسطينيون -داخل الخط الأخضر، والضفة الغربية- والسوريون في الجولان)، بل هناك استخدام مُفرط للتخطيط من أجل تحقيق أهداف سياسية، وقد عمد المخططون والسياسيون الإسرائيليون، ومنذ البداية، على إخفاء الربط بين التخطيط والمشروع السياسي الصهيوني.
من ميّزات نظام التخطيط هذا أنه يقوم على:
– سلطة معينة وغير ديمقراطية.
– استبعاد السكان العرب من عملية التمثيل في كل المؤسسات صاحبة القرار والتأثير في عملية البناء والتطوير.
– إخضاع الوسط العربي لعملية “التخطيط من أعلى” بما معناه عدم مشاركتهم في عملية التخطيط.
– حرمان السكان العرب من إقامة مناطق سكنية جديدة، في حين يتم توسيع المستوطنات اليهودية على أوسع نطاق، كما وأعلنت الحكومة في اجتماعها الذي عُقد في الجولان، عن مخططات لبناء مستوطنات جديدة.
– التضييق المكاني على المناطق السكنية العربية. وتقليص فرص التنمية أمام المجتمع العربي.
– تطبيق معايير مزدوجة في عملية التخطيط والبناء والتطوير اتجاه المجتمع اليهودي والمجتمع العربي.
إن سياسة توزيع الأراضي كشرط مادي مهم لعملية التطوير، وسياسة التخطيط المطبقة، تلعب دوراً كبيراً في تشكيل الظروف المعيشية للفرد والمجموعة. من هنا فإن التخطيط الذي يقوم على مبدأ التهميش والإقصاء المتعمد يمس بالقيم والحقوق الأساسية للفرد والمجموعة ككل: حق الإنسان في السكن المريح، وحقه في وجود البنيَّة التحتية والتوزيع العادل للموارد إلخ…
المصادر:
7- גדעון ביגר: גבולות מדינת ישראל, החוג לגיאוגרפיה וסביבת האדם אוניברסיטת תל- אביב.
(غدعون بيغر: حدود دولة إسرائيل, قسم الجغرافيا والبيئة البشرية، جامعة تل-أبيب -Pdf )
- Sasa, Ghada, 2017: Israel-Greenwashing Colonialism and Apartheid, York University, Toronto, Ontario,
- نزيه بريك، 2006: نظام التخطيط في خدمة السياسة الإسرائيلية، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، عدد 22، 2006، رام الله.
[1] גדעון ביגר: גבולות מדינת ישראל, (غدعون بيغر: حدود دولة إسرائيل -باللغة العبرية-)
[2] تشمل الحدائق الوطنية التي أقامتها سلطات الاحتلال في المنطقة ج في الضفة الغربية، وعددها 36 محمية.
[3] موقع منظمة Emek Shaveh، (باللغات العبرية، العربية، والانجليزية)
https://emekshaveh.org/ar/non-jewish-heritage-sites/
[4] החקלאות הדרוזית ברמת הגולן (الزراعة الدرزية في هضبة الجولان).
[5] נזקי עיזים ברמת הגולן (أضرار الماعز في هضبة الجولان).
[6] نزيه بريك، 2006: نظام التخطيط في خدمة السياسة الاسرائيلية
[7]החקלאות הדרוזית ברמת הגולן (الزراعة الدرزية في الجولان).
[8] Sasa Ghada, 2017: Israel- Greenwashing Colonialism and Apartheid, York University, Toronto, Ontario, Canada.
ملاحظة: يمنع استخدام المادة او نسخها او تصويرها من دون الرجوع الى المصدر