من الأرشيف الإسرائيلي سحب ينابيع قرية الدَّرْبَاشِيَّة الى مستوطنة كفار سولد
عشتار نيوز للاعلام / أيمن ابو جبل
من الارشيف 2016
الدرباشية قرية فلسطينية تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة صفد* على الطرف الشرقي لسهل الحولة* وسفوح مرتفعات الجولان* السورية المشرفة عليها من علو يتجاوز 450م. وأقرب قرية إليها هي ” قرية غرابة*، وإلى الجنوب منها تقع خربة عين التينة*. والدرباشية إحدى قرى الحدود الفلسطينية – السورية، ويصلها درب ترابي بقرية “حفر” في الجولان السوري. وقد أقيم إلى الجنوب منها مركز للشرطة أيام الانتداب البريطاني.
نشأت الدرباشية التي تبلغ مساحتها عشرة دونمات في أسفل الحافة الغربية لمرتفعات الجولان المطلة على بحيرة الحولة. وامتدت المباني بشكل طولي شمالي –جنوبي مع امتداد الحدود الفلسطينية – السورية، وكانت مبعثرة وغير منتظمة.، مساحة أراضي الدرباشة 2.883 دونماً منها 15 دونماً للطرق والأودية. وقد قامت في أراضيها زراعة الحبوب وبعض الخضر الفصلية، وخاصة البواكير، نظراً لدفء المنطقة. وكانت هذه البواكير مورد دخل أساسياً لسكان القرية. وكانت بعض أشجار النخيل تنمو غربي القرية، وكانت المستنقعات* تنتشر غربي القرية في أراضي سهل الحولة. بلغ عدد سكان القرية العرب حسب تقديرات عام 1945 قرابة 310 دمرت منازلهم وهُجر سكانها في عام 1948.
القرية كانت مسرحاً لقتال ومعارك طاحنة بين القوات السورية الإسرائيلية في عام 1957. وفي الفترة الممتدة بين شهر كانون ثان ولغاية حزيران1967، حتى سقوطها تحت الاحتلال الإسرائيلي. حيث اشرف السوريون على تل الدرباشية ، وأقاموا فيه موقعا عسكريا، تحكم فيه السورين بما يجري على المنحدرات الغربية لسهل الحولة، وحركة المستوطنات والجيش الإسرائيلي على طول حدود الجبهة مع إسرائيل في محور الجبهة الشمالي من الجولان.
طوال الشهور الأول من عام 1967 كانت الجبهة السورية مع إسرائيل مشتعلة بنيران متقطعة واشتباكات وقصف مدفعي بين الجانبين، وشهدت تسلل وحدات من الفدائيين الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل، و تسلل وحدات كوماندوز إسرائيلية إلى داخل سوريا من جانب آخر، وكان الاتجاه العام داخل إسرائيل يميل للتصعيد العسكري مع سوريا إلا أن ليفي أشكول رئيس الوزراء لم يكن في صف التصعيد،لكن الضغط العسكري و شكاوي المستوطنات الإسرائيلية على الحدود دفعت باتجاه التصعيد بصورة أكبر، ففي يوم 5 أبريل/نيسان عام 1967 أعلن ليفي أشكول في الكنيست: “إن إسرائيل قررت أن ترد بالطريقة التي تراها ملائمة على سوريا, و أن الطريق إلى دمشق مفتوح” وبعد يومين فقط في السابع من نيسان 1967 أسقطت إسرائيل 6 طائرات سورية من طراز ميغ 21 (اثنتان داخل سوريا و ثلاث طائرات سقطت داخل الأردن، على خلفية تصاعد التوتر بين الجانبين.
في ظل هذه الأجواء المتوترة، نفذ المستوطنين الإسرائيليين في مستوطنة كفار سولد، وتحت تغطية عسكرية إسرائيلية عمليه جريئة في منحدرات تل الدرباشية، تمثلت في مد أنابيب مياه من عين الدرباشية القريب من الموقع العسكري السوري، والذي كان يقع ضمن المناطق المنزوعة السلاح، بهدف ري حقول القطن والحبوب التي كانوا يزرعونها في أراضي بلغت مساحتها ألف دونم، منحتهم إياه الحكومة الاسرائيلية في العام 1965،، وقد جندوا لأجل تنفيذ هذه المهمة عدد من المهندسين والمقاولين والعمال لمد أنابيب المياه إلى ينابيع الدرباشية، لتصل إلى حقول المستوطنة، تحت غطاء عسكري من قوات الجيش الإسرائيلي.
“يانو تيرولر” وهو مستوطن بلغاري الأصل عمل كسكرتير المستوطنة منذ تأسيسها عام 1942،يقول” لقد منحونا أراضي سيئة جدا ، حيث كانت نسبة الملوحة فيها عالية جداً، لم تنجح مزروعاتنا أبدا خلال سنوات، وبعد عدة أبحاث وتحاليل تبين إنها تحتاج الكثير من المياه لتقليل من نسبة المواد الضارة فيها عن طريق تكثيف وتعويم المياه فيها ، وكانت الخيارات أمامنا محدودة جداً، وفي متناول يدنا ينابيع قرية الدرباشية الواقعة فوقنا، كان هناك جدال وخلاف كبير بيننا وبين الحكومة وقوات الجيش، فنحن نتعرض إلى النيران السورية باستمرار ونعيش تحت تهديدها، واقتصادنا لا يتقدم، طالبنا الحكومة بإيجاد حلول ، إلا أنها اختارت طريق الأمم المتحدة والقوات الدولية للوصول إلى اتفاقيات مع الجانب السوري الذي كان ينتهي الى المزيد من التصعيد واستهداف المزارعين، وإرسال الفدائيين وتسللهم للقيام بعمليات تخريب ووضع ألغام وعبوات ناسفة في مستوطناتنا. وقد سقط جرحى وقتلى في صفوفنا خلال سنوات طويلة.
كانت المهمة صعبة وشبه مستحيلة فنحن سندخل منطقة محفوفة بالخطر والموت، لكننا بدأنا بالتنفيذ مع بداية عام 1967، وتزودنا بخرائط مفصلة وخرائط عمل لمد الأنابيب، كان الجيش قد شق طريق بيننا وبين الموقع السوري ” طريق للدوريات العسكرية” لمنع أي احتكاك مع السورين، والرد عليهم في حال تعرضوا إلينا بنيرانهم، لكنهم اختاروا تفجير الانابيب بعبوات ناسفة وضعوها بعد أن انهينا المرحلة الأولى من العمل وتضررت بشكل كبير، لكننا في اليوم التالي اصلحناها، وبعد عمل شاق ومتواصل استطعنا وضع الأنابيب، في داخل الينابيع وسحبها إلى الحقول، ولا تزال لغاية اليوم، لكننا لا نضخ المياه بسبب انتهاء زراعة القطن والحبوب في هذه الأراضي، ولو كنا نعلم ان احتلال الهضبة السورية سيكون قريبا وسريعا ووشيكا لما جازفنا بحياتنا آنذاك.
لم تهدأا لمناوشات مع السورين خلال الأعوام 1966-1967 في محاور الجبهة ،حيث سجل الجيش الاسرائيلي588 عملية تسلل من سوريا في محور الشمال و-147 عمل تسلل في القطاع الأوسط، و31 عملية في القطاع الجنوبي منها 27 عملية استهدفت الأراضي الزراعية و-335 عملية تسلل استهدفت قوارب الصيد في بحيرة طبريا وفي آذار 1967 بعد عمليات تسلل سورية تم وضع ألغام أرضية مضادة للآليات في كفار سولد، وفي بيت هيلل التي تبعد 4 كلم عن الحدود وفي مناطق إسرائيلية عديدة في القطاع الشمالي، موقع الدرباشية بدأ بعمليات إطلاق الرصاص بشكل مكثف مع بدايات العام 1967 واستهدف تراكتور زراعي ودوريات عسكرية راجلة وردت قوات الجيش الإسرائيلي عليهم بقصف مدفعي استهدف دبابات وحاملات جند عسكرية سورية.
“أوري تيرولر” الابن وهو من سكان مستوطنة سنير اليوم بالقرب من بانياس يقول ” كان التوتر هو سيد الموقف طيلة الفترة من آذار وحتى حزيران1967،ترعرعت في أجواء الخوف والرعب التي كنت أشاهدها في عيون الأشخاص حولي، وكنت أخشى أن يتسلل السورين ويحتلون المستوطنة، حتى بدأت حرب الخامس من حزيران، وقصف كيبوتس دان والمستوطنات على طول الجبهة من قبل السورين في اليوم التالي، والإضرار كانت كبيرة جداً ، كان يقصفون دون تقدم لآي قوات عدا عن بعض التحركات لثلاثة دبابات نزلت من من موقع الدرباشية، لكنها توقفت، بعد عدة امتار، واربع دبابات أخرى توقفت على تلة بنى عليها كيبوتس سنير اليوم، في المقابل كان جنود الجيش الاسرائيلي متأهبون مع آلياتهم ،ومستعدين لآي تطور. لكنهم لم يتحركوا من أماكنهم.
كانت الحرب قد بدأت في كل الجبهات عدا الجبهة السورية، وتم الضغط على الوزراء والحكومة بإعطاء الأمر للقوات بالتحرك نحو الشمال، والتقدم باتجاه الهضبة، الأمر الذي رفضوه بشكل مطلق، لكننا تفاجئنا صبيحة يوم الحادي عشر من حزيران، وبعد وقف إطلاق النار على الجبة المصرية والأردنية ببدء تحرك القوات الاسرائيلية باتجاه الهضبة السورية، كانت السيطرة سريعة جدا والخسائر قليلة جدا ، لم يتوقع احد ذلك.احتلال الهضبة السورية أدى ازدهار كل مستوطنات الشمال وهدوء لم ننعم به طويلا.
ويضيف “أوري تيرولر” : في الجولات التي قمنا بها في الهضبة السورية، دخلنا القرى السورية والتي كانت تتمتع بوضع اقتصادي مريح وجيد، كانوا يعيشون هنا أفضل من حياتنا، طيلة شهر بعد الحرب كان الإسرائيليون يأتون إلى هذه القرى بشكل فوضوي، ودون رقابة أو محاسبة، يحملون كل شئ بمتناول يدهم، حيوانات ، اغنام ، دجاج، طيور، ثلاجات وتلفزيونات وأجهزة وادوات ،لم تكن متوفرة لدينا، في قرية عين فيت وزعورة وبانياس وتل الفخار كان كل شخص يفعل ما يشاء، ويأخذ ما يشاء،الأسلحة التي جُمعت كانت تكفي جيش صغير لخوض حرب قصيرة بها ،كلها نقلناها إلى مستودعات الكيبوتس. في السهرات الليلية كنا نضع الشموع بين عيون جماجم الجنود السورين، ونجلس على ضوء الشموع، في الوقت الذي كنا نعيش في فقر وعوز ورعب وخوف، كان السورين فوقنا يتمتعون بحياة سعيدة وبرفاهية دون قلق او خوف