رعبنة … قرية سورية في الجولان المحتل تعود من عبق التاريخ
من الارشيف / ايمن ابو جبل
بين عبق التاريخ وجمال الطبيعة الجولانية ،يبكي التاريخ على حالنا، وحين يبكي التاريخ فان ضجيج النفاق وقوة الخطابات القومية والوطنية التي يحكمها البوط العسكري، وضجيج الانسحاب التكتيكي والاستراتيجي والهروب، لا يعيب القادة ويذلهم وحدهم فحسب في صفحات التاريخ والذاكرة الوطنية، لكنه يتجاوز ليصيب الورثة والأجيال، أن بقى الصمت حاضراً ، وطال احتضار الضمير نتيجة لإفراغ الذاكرة من محتواها الأخلاقي وبعدها الإنساني. ونحن لا نزال ورثة هذا التاريخ الاصليين، سنبقى شركاء في الجريمة والتزوير والتخريب ان مات الضمير وتبدلت الذاكرة الوطنية، بتاريخ لا يشبه التاريخ الحقيقي…
ليس أقبح من لعبة التزوير والتزييف التي يتفنن فيها أبناء عمومتنا التاريخيين من بنو إسرائيل لاستئصال تاريخنا العربي في وطننا ، وليس أشدها قُبحاً إلا حين نساهم بوعي مقصود او غير مقصود في كتابة التزوير ونتجاهل تاريخنا وما تحويه هذه الأرض من كنوز وأسرار تاريخية وما عليها من شواهد وبصمات واثار ل تزال قائمة ترفض السقوط..
رعبنة هي خربة قديمة في الذاكرة الشعبية، لم تخرج إلى العلن الا حين أصر” أبناء العمومة المحتلين”كتابة التاريخ من منظورهم وحدهم، وصياغته بأسس تتلاءم وخطاب الاحتلال وتزيف التاريخ وتشويه الذاكرة… حيث تعتبرها إسرائيل جزء من محمية طبيعية تتبع لمستوطنة اودم” بقرار من الحاكم العسكري الإسرائيلي عام 1972 على مساحة تبلغ حوالي 19340 ألف دونم، وأقامت داخلها منتزه سياحي ومسار مشي بين احضان الطبيعة، يشمل جوبة رعبنا ” الجوبة الكبيرة” وهي ظاهرة طبيعية جيولوجية قطرها 250مترا وعمقها 60 متراَ، نتجت من آثار استقرار الأرض في الشق السوري- الإفريقي هي كما يقول الجيولوجيون “ظاهرة خلع في الطبيعة”، أدت إلى تكون عدة جيوب على مساحة الجولان وأهمهما وأكبرها “جوبة رعبنه” و “جوبة سكيك” قبل أكثر من 4000 عام .
ويقع المنتزه على بعد 5 كم جنوب قرية مسعدة ، وعلى بعد 500م عن الطريق العام .
رعبنة … قرية سورية في الجولان المحتل تعود من عبق التاريخ
رعبنة هي بقايا قرية أسسها وأقامها الايطوريون وهم جماعة عربية سكنت البقاع اللبناني والتلال والجبال الواقعة الى الجنوب حول الحوض الاعلى لنهر الاردن ومناطق شمالي الجليل والجولان وحوران، والايطورويون هم أبناء يطور ابن إسماعيل بن ابراهيم الخليلي وهم شعب ذو رؤوس حامية وعنيدون ،وقد بنوا مملكة ” ايطوريا”.وقد ورد ذكرهم في حصار لاسكندر المقدوني لمدينة صور، وكانوا رماة مهرة، وقد اعترف السلوقيين بسلطتهم في العام 115 ق.م ومن ملوكهم منايوس الذي بسط سيطرته على الجولان وحوران ويبرود وهدد مدينة دمشق التي كانت تحت حماية الأنباط والايطوريين وفق مصادر عربية اخرى هم عرب شماليين مثل الأنباط من الأصول الاراميية. وهناك من ينسب الايطورين على أنهم قيداريون (ثاني أبناء إسماعيل )لكن بصيغة يونانية ومناطق وجودهم في دمشق وريفها وحوران والجولان وشمال الاردن والجليل..
وحين دخل الرومان سورية كانت سورية الجنوبية مقسمة بين الأنباط والإيطوريين، وكانت بينهم صدامات ونزاعات من أجل السيطرة والسيادة، وانتهت بخسارة الإيطوريين بعض ممتلكاتهم في الجولان. وقد حاول المكابيون فرض اليهودية عليهم إلا أنهم امتنعوا عن ذلك وفضلوا الاكتفاء بمناطقهم السابقة. وتلا الايطوروين في الجولان وحوران العرب الانباط والاشوريون فالرومان في القرن الاول قبل الميلاد.
رعبنة في المحاكم الإسرائيلية.
تقع رعبنة في أراضي ناحية مسعدة، كان عدد المزارعين الذين يعملون فيها حوالي 300 مزارع وفلاح من البدو والفلاحين، وكانت تخضع منذ الحكم العثماني لعشيرة عرب الفضل وبيت الـ الفاعور، المؤلفة من 1000 بيت في مختلف قرى الجولان، وتمتلك ماشية قُدر عددها بحوالي 30000 ألف رأس ، وقد تحضر أكثر من نصف أفرادها من البداوة فبدءوا بحراثة الأرض وزراعتها وبناء بيوت الحجر. وقد كانت منطقة رعبنة وقرز الطويل وسكيك والفرن والسماكة وواسط وجويزة وتل الاحمر تخضع لملكية عشيرة الفضل والـ الفاعور، وبحكم ان الريفيون والبدو كانوا قلايلو الثقة بالقانون لتنظيم اعمالهم ويفضلون تسييرها وفق ما تقتضيه العادات حسب العرف حتى ولو كانت النتائج غير مشجعة وملائمة من حيث شروطها، فقد اقاموا مباشرة علاقات مع تجار القنيطرة وحوران وصفد والبقاع اللبناني، فعلي منحدرات الحرمون ااعتمد القريون بالدرجة الاساسية من المزارعين سكان مجدل شمس وبقعاثا وعين قينة بالدرجة الاساسية على الكرمة والأشجار المثمرة والخضروات، فيما الفلاحون الى الجنوب من مجدل شمس مسعدة زرعوا الاراضي التي حصلوا عليها بحق الانتفاع في منطقة رعبنة وكريز الوادي وتل الاحمر وسكيك وجيب الماسفي الحبوب كالقمح والشعير والعدس والبقوليات .
في العام 1958 اصدر قائد الجبهة السورية وسلطة الحاكم العسكري في الجولان امرأ عن طريق الملازم محمود الجزائري بموجب قانون الاصلاح الزراعي لعام1958 ،قرار تم فيه توزيع الاراضي على الفلاحين ، وقد سجلت اسماء الفلاحين في سجل حق الانتفاع في المكتب الخاص في مدينة القنيطرة بعيد صدور قانون الاصلاح الزراعي . وعليه فقد أصبحت أراضي رعبنا شرقي شارع واسط -مسعدة ( الدرجة الفوقا-الدرجة التحتا- ) اراضي رعبنا غرب شارع واسط -مسعدة( ظهر الخان-المقام الابيض- منقع الزيات- خلة الغزالة-الخربة ) والتي تعود ملكيتها الى الامير نايف الفاعور من عشيرة عرب الفضل اصبحت ملكاً لفلاحين من قرية سحيتا ومسعدة ومجدل شمس عملوا في هذه الاراضي منذ العام 1937 وكانوا يزرعونها بعناية ومواظبة .
في ربيع عام 1972 اصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي قراراً عسكرياً بمنع فلاحي منطقة رعبنة من دخول أراضيهم لحصاد محصولهم الزراعي الذي كان في ذاك الموسم عدساً، واعتبر” اوري زعيرا” مدير دائرة املاك الغائبين ان أراضي منطقة رعبنة أراضي ملك الغائبين،وأحراش يحظر الدخول اليها ولهذا فهي مستملكة لدائرة أملاك الغائبين الإسرائيلية وبناءً على ذلك تم إصدار المرسوم العسكرية الإسرائيلي.(رقم 267) واستنادا إلى الإجراءات الإسرائيلية الجائرة بحق مزارعي الجولان المحتل ومصادرة اراضيهم رفع 23 مزارعا من ابناء الجولان المحتل التماسا عن طريق المحامي الفلسطيني سليم غريب من مدينة الناصرة والمرحوم حنا نقارة من مدينة حيفا الى محكمة البداية في مدينة القنيطرة طلب خلال الالتماس الاعلان عن كل أراضي رعبنه هي ملك الفلاحين السورين ،ومنع مدير املاك الغائبين ودائرته من التعرض لهم او منعهم من دخول أراضيهم وفلاحتها وجني المحاصيل الزراعية.
وتم رفع شكوى إلى المحكمة الإسرائيلية العليا وقائد القوات الإسرائيلية في الجولان ومدير دائرة الأحراش الإسرائيلية ” ادير شبيرا” والتماسا أخر يطالب هذه السلطات بإلغاء إعلان أراضي رعبنة منطقة احراش او محميات طبيعية . وبعد صراع قانوني وقضائي طويل وشاق وافق الفلاحين الـــ 25 على تسوية باستلام مساحة تبلغ حوالي 1400 دونم في الجزء الشمالي من أراضي خربة رعبنا الى الغرب من شارع واسط -مسعدة والتي تقع في منطقة قليلة الاشجار الحرجية وتشمل أراضي( منقع الزيات- خلة غزالة- الخربة- الجزء الغربي من المقام الابيض واضيف 50 دونم كشوارع لكل فلاح ، وذلك بدل ايجار رمزي لمدة خمس سنوات ،دون تنازل الفلاحين عن ادعاءاتهم بالملكية المطلقة بكامل الأراضي في جميع المواقع ،حيث قرر القاضي انهم يستطيعون تقديم ادعاءات عندما تبدأ أعمال تسوية العقارات لاحقا.
وفي العام 1989 أحيلت قضية فلاحي رعبنة إلى محكمة الناصرة المركزية وتم التوصل الى اتفاق بإخراج منطقة الخربة -خربة رعبنا من الاتفاق لإصرار سلطة الآثار بشملها ضمن مسؤولياتها وسلطتها لأنها تضم أثار وبقايا يهودية توراتية قديمة واستجاب القاضي” ابراهام أسا“ الى سلطة الاثار الاسرائيلية ومنحا حق الكسؤولية عن خربة رعبنة حيث ازدهرت فيها فيها ممكلة ايطوريا القديمة،التي لا تعترف التوارة العبرية بنبوة احداً من أبناء إسماعيل وفق الأساطير الدينية، ولا تزال 2650 دونما من أراضي رعبنة تحت مسؤولية وتصرف 25 مزارعا سوريا من قرى الجولان المحتل يزرعونها بالاشجار المثمرة التي ورثت سلال الخير من رعبنة الى مناطق الجولان وحوران ودمشق…