إسرائيل تخفق في فرض الانتخابات المحلية على الجولان السوري المحتل
3 – نوفمبر – 2018
وديع عواودة/ القدس العربي
الناصرة-“القدس العربي”: رغم الوعود والإغراءات الإسرائيلية لم يتفاعل أهالي الجولان السوري المحتل الانتخابات المحلية واستجابوا لدعوة المشايخ العرب الدروز بمقاطعة الانتخابات والتمسك بالهوية القومية السورية. منذ 1967 أدارت السلطات المحلية في الجولان السوري المحتل لجان معينة وللمرة الأولى حاولت قبل أسبوع إجراء انتخابات تم إحباطها من قبل الأهالي. في قرية عين قينيا حاولت السلطات الإسرائيلية تشجيع امرأة على المنافسة، سميرة عمران، التي حصلت على صوت واحد فقط هو صوتها فيما فاز منافسها على عشرين صوتا. وهكذا في مجدل شمس شارك من بين عشرة آلاف صاحب حق اقتراع نحو 250 شخصا فقط وفي مسعدة وبقعاتا فلم تجر انتخابات. وكانت شرطة الاحتلال قد شاركت في محاولة تمرير فكرة الانتخابات المحلية في قرى الجولان السوري المحتل الذي فرضت عليه السيادة الإسرائيلية عام 1981 فقمعت المظاهرة الرافضة لانتخابات السلطات المحلية في مجدل شمس، مما تسبب في اندلاع مواجهات بين قوات الاحتلال والأهالي الذين أرادوا الاعتصام أمام صندوق مركز الاقتراع. وكانت المظاهرة الكبرى الأولى انطلقت مع افتتاح صناديق الاقتراع لانتخابات السلطات المحلية عند صباح يوم الانتخابات، الثلاثاء الماضي مؤكدة على الرفض والمقاطعة للانتخابات التي استماتت السلطات الإسرائيلية لتنفيذها ضمن محاولة تطبيع السوريين وزجهم ضمن النظام السياسي الإسرائيلي. يشار إلى أن هناك خمس بلدات عربية في الجولان السوري المحتل عام 67 نجت من التدمير والتهجير، فيما هدمت خلال الحرب 120 قرية وطردت إسرائيل سكانها من الجولان المحتل. أما البلدات المتبقية فأكبرها مجدل شمس، التي يرمز لهويتها السورية تمثال حجري عملاق للمناضل الراحل سلطان باشا الأطرش، القائم في وسط البلدة. أما القرى الأخرى فهي مسعدة، وعين قينيا، وبقعاتا والغجر وكافة سكانها من بني معروف عدا الأخيرة التي يقطنها أبناء الطائفة العلوية. وتعتمد هذه البلدات في معيشتها على الزراعة خاصة كروم التفاح التي تعتبر مصدر صمود الجولانيين رغم محاولات إسرائيلية متكررة لتضييق الخناق عليهم. وجاءت المظاهرة المذكورة في قرية مجدل شمس استمرارا لفعاليات الحراك الشعبي التي شهدتها قرى الجولان المحتل ضد الانتخابات، علما أن المجلس الديني الأعلى لقرى الجولان أصدر قرار الحرم الديني والمقاطعة لكل من يترشح للانتخابات المحلية أو يشارك في عملية التصويت. وشارك في فعاليات الحراك الشعبي والشبابي في ساحات الاعتصام في قرى الجولان مجموعات من الشباب وفعاليات شعبية وجماهيرية وسياسية ووطنية، وسط مشاركة واسعة للمرجعيات الدينية، تأكيدا على الرفض والمقاطعة للانتخابات الإسرائيلية والتمسك بالهوية العربية السورية.
وأكد المشاركون في المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها قرى الجولان، رفضهم للانتخابات والتصدي لأي محاولات إسرائيلية لشق الوطنية وخلق حالة من الانقسام الداخلي لأهالي الجولان المحتل. وكانت النتيجة أن انسحب جميع المرشحّين لرئاسة وعضويّة مجلس مسعدة من الانتخابات التي أصبحت بالتالي لاغية. ويقول “الحراك الشبابي” في الجولان السوري المحتلّ، إنّ الانتخابات الإسرائيلية في الجولان “ليست إلّا محاولة للاستخفاف بعقول أهلنا، والتوقع منا بأن نقبل بالفتات وأن نشكر المحتل بعد ذلك، وهو أمر مضحك، فهذه دولة احتلال وقوانينها قوانين احتلال تعبّر عن مشاريعه وهيمنته فقط”. وأضاف أن “ما حصلنا عليه سابقًا من ميزانيات قليلة وحقوق محدودة كنا قد انتزعناها رغمًا عنه وليس بفضله، وبعد أن فشل على مر السنين في خداع سكان الجولان بهدف الاستيلاء على الأرض وسلب الحريات، لجأ إلى صناديق الاقتراع التي لا تحمل بين ثناياها إلّا وهم عملية التصويت الديمقراطية، فإن ميزانيات دولة تضع الاستيطان والتوسع في أعلى سلم أولوياتها لا تخضع إلّا للمصالح العسكرية والاستراتيجية في المنطقة، وهدفها الأول لم يكن، ولن يكون يومًا، خدمة أهالي الجولان”.
تمثيل شعبي
ويوضح الصحافي فوزي أبو جبل لـ “القدس العربي” أن التمثيل الاجتماعي والسياسي لأبناء الجولان لا يأتي من خلال إعطاء الشرعية لسلطة تقوم على أساس احتلال أراضي الآخرين وقتل سكّانها وتهجيرهم وبناء المستوطنات على أنقاض بيوتهم وقراهم المهدّمة. لافتا إلى أن البعد التاريخيّ والموروث الثقافيّ هما مكوّنان أساسيّان في هوية الجولانيين الجمعيّة داعيا لتعزيزهما بالتأكيد على رفض التفرقة بأشكالها الثقافيّة والسياسيّة ورفض الظلم بأشكاله الماديّة والمعنويّة، وأن التمثيل السياسيّ لأبناء الجولان يجب أن يبقى شعبيًّا، وبمنأى عن الأطر الخاضعة لسلطة الاحتلال. واستجاب الجولانيون لدعوة الحراك الشبابي وحولوا يوم الانتخابات ليوم إضراب عام واعتصام أمام مقرات الاقتراع بعد أن تُوّج التحرك المناهض لمخطط فرض الانتخابات في قرى الجولان المحتل، بصدور قرار وطني يقضي برفض هذه الانتخابات وفرض الحرمان الديني والاجتماعي ضد كل من يقبل التعاطي أو المشاركة فيها، باعتبارها وسيلة لإضفاء الشرعية على مؤسسات الاحتلال. وعن سر نجاح عمل الحراك الشبابي والقيادات السياسية والدينية يقول أبو جبل، إن “مرد النجاح هو وضع كافة الخلافات والتباينات القائمة بين الجولانيين حول الصراع المرير في سوريا ومع الحفاظ على خصوصيّة كل فئة، واتخذنا القرار بالوقوف صفًا واحدًا لمواجهة مشروع الانتخابات الذي لا يحمل سوى بشائر الفرقة والفتنة وتعميق الانتماءات ما قبل الوطنيّة بين أبناء الجولان”. وهو يفند الترويج الذي قامت به دولة الاحتلال، كما لو أن لهذه الانتخابات ممارسة ديمقراطيّة خالصة، مشيرًا إلى زيف وتضليل هذا التوجه الذي يحصر الديمقراطية بتفصيل إجرائيّ صغير مثل عملية الاقتراع، وإغفال حقيقة أن يكون السكّان متساوين في الحقوق دونما خضوع لإملاءات داخلية ودون التمييز بين توجهاتهم الفكريّة، العقائديّة، السياسيّة والاجتماعيّة.
مهزلة
ورأى في دفع إسرائيل بأبناء الجولان والتغرير بهم من خلال وضع تمايزات لا أخلاقية بين من يقبل جنسيتها ومن لا يقبلها، أمرًا غير قانوني أولًا، وغير أخلاقي ثانيًا، ويجب عدم السماح بجعله أمرًا واقعًا. ودعا كل أهل الجولان وشبابه، بدون استثناء، إلى تعميق التفكير والحوار، ورفع الصوت للاعتراض على مثل هذه المشاريع، بكل الوسائل الحضارية. واعتبر أن فكرة تشريع “مهزلة الانتخابات” مقدمة وتمرينًا للقبول باستفتاء إسرائيلي مستقبلي على مصير الجولان لا سيما وأن أحزاب اليمين المتطرّف الإسرائيليّ تغذي عقول بعض الشباب بالأوهام وتزجّ بهم وقودًا في هذه “الانتخابات” الصوريّة، كممثلين لها ولأجنداتها السياسية. وهذا ما يؤكده أحد قادة الحراك الشبابي الجولاني، الشاعر والناشط السياسيّ ياسر خنجر، الذي يشير لوجود مؤيدين للانتخابات في الجولان المحتل معتبرا أن صوتهم هامشي. مؤكدا أنه في التيار المركزي هناك إجماع بين المعارضة والموالاة ورجال الدين على رفض الانتخابات، وهناك شبه إجماع على أنّ لا يكون للحالة السورية في الوطن دور في علاقتنا مع بعض وفي تصدينا لمشروع الانتخابات. ويتابع “نحن نعي أنّ إسرائيل أرادت استغلال الحالة السورية وتداعياتها على الداخل الجولاني لتمرير مخططها في الحصول على شرعية دولية ومحلية، عن طريق تطويع أهالي الجولان أنفسهم وكسر الحالة الرافضة للاحتلال وقبول المواطنة الإسرائيلية”.
الربيع العربي
في السياق الدولي قال إن هناك محاولات إسرائيلية متسارعة لاستغلال الظرف العربي والدولي للحصول على مباركة دولية أو أمريكيّة لقرار ضم الجولان، مثلما حصل مع القدس المحتلة. منوها أنه في السّياق المحلي، اعتقدت إسرائيل أنها تستطيع استغلال ما ظنت أنه “تصدع الموقف الوطني الجولاني” والنفاذ من التباينات والخلافات التي أفرزتها الحالة السورية، إلا أنّ أهل الجولان تيقظوا للخطر المحدق مبكرًا، وأحبطوا هذا المخطط. ويؤكد خنجر أن هناك فارقا بسيطا بين تجربة الجولان وبين التجربة الفلسطينية حينما حاولت إسرائيل استبدال رؤساء البلديات الوطنيين بروابط قرى. ويضيف “هناك جرت انتخابات تحت الاحتلال يعترف بانه احتلال من حيث الوضعية القانونية، في حين أنّ قانون ضم الجولان الذي سنته إسرائيل مطلع ثمانينيات القرن الماضي يعتبر الجولان المحتل جزءًا لا يتجزأ من أراضي إسرائيل، ويسري عليها القانون الإسرائيلي، وقد حاولت إسرائيل بعد سن هذا القانون، كما هو معروف فَرْضَ الجنسية الإسرائيلية على أهالي الجولان وأحبطنا مخططها في الإضراب الوطني الشهير الذي دام لستة أشهر. وردا على سؤال حول استعمال الحرمان الديني في السياق الوطني ولتعزيز هذا الموقف اعتبر خنجر أنه لا ضير ولا خطأ في ذلك”. ومع ذلك يضيف “هناك اختلاف في الخطاب وليس في الهدف، ونحن نتبنى في هذا السياق خطابا عقلانيا يقول نحن أولاد بلد واحد وقادرون على إدارة شؤوننا وخلافاتنا بتفاهم دون اللجوء إلى الحرمان والإقصاء والتخوين. توجهنا إلى خلوة مجدل شمس وطرحنا وجهة نظرنا ودعوناهم إلى الاجتماع، ولبّوا الدعوة وحضروا الاجتماع الذي عقد في مركز شام، الذي طرحنا فيه البيان وباركوه وأيدوا الخطوات العملية التي اقترحناها، والمتمثلة بتنظيم فعاليات متنوعة”.