انتخابات المجالس المحلية في الجولان: فرض الأسرلة عبر الانقسام
3 – نوفمبر – 2018
إبراهيم درويش/ القدس العربي
الانتخابات
لم يخرج سكان الجولان المحتل للمشاركة في الانتخابات المحلية التي جرت في 30 تشرين الأول (أكتوبر) في عموم إسرائيل، وفعل المقادسة الأمر نفسه. ولكن إعلان إسرائيل عن إجراء الانتخابات في الجولان الذي لا يزال معظم سكانه يحملون الجنسية السورية، أثار انقساما في أوساط الدروز الذين يعيشون في قرى الجولان وهو ما دفعهم للتظاهر في يوم الانتخابات في 30 تشرين الأول (أكتوبر).
وكان من المقرر أن تجري الانتخابات في القرى الدرزية الأربع وهي مجدل شمس وعين قينية وبقعاثا ومسعدة، والغيت في القريتين الأخيرتين، حيث لجأت سلطات الاحتلال لتعيين شخصيات محلية كما تفعل منذ سنوات، فيما جرت الانتخابات في مجدل شمس وعين قينية وسط احتجاجات وتهديد من قادة المجتمع ومشايخ الطائفة بالحرمان الديني واستبعاد من يرشح نفسه أو يشارك فيها من المجتمع.
وقام “الحراك الشبابي” في القرى الدرزية بحملة تجييش ضد ما أسماه عملية استخفاف بالعقول ومحاولة خداع أهل الجولان ودفعهم للقبول بالفتات “وأن نشكر المحتل”، ورفع السكان الرايات السورية والدرزية الملونة.
أسرلة
ويرى السكان العرب البالغ عددهم 26.000 نسمة أن جهود إسرائيل في تغيير الواقع من خلال الانتخابات والترويج للفرص الاقتصادية هي عملية “أسرلة” ومحاولة تغييب لهويتهم السورية التي لا يزالون يحتفظون بها رغم مضي نصف قرن على احتلال الجولان عام 1967 وضمه للحكم الإسرائيلي المباشر عام 1981 وهي خطوة لم يعترف بها دوليا. ورفض السكان العرب حمل الجنسية الإسرائيلية إلا من غير محل سكنه أو لأسباب تتعلق بالعمل. وهم يحملون إقامة في إسرائيل تمنحهم حق التنقل. ويعكس الحراك في الجولان عددا من التحولات الجيلية والمطلبيات المجتمعية والفشل الإسرائيلي في تقديم الخدمات للقرى العربية أسوة بالمستوطنات الإسرائيلية.
وعليه فمن قرروا من سكان القرى الأربع ترشيح أنفسهم اندفعوا لتغيير واقع مفروض على مناطقهم ومن حقيقة أن الجولان السوري لن يعود للوطن الأم قريبا. فهؤلاء يعترفون كما نقلت وكالة أنباء “أسوسيتدبرس” عن مرشحة في عين قينية، بأن الجولان محتل “وهذه حقيقة، ولا أحد ينكر هذا. وفي الجانب الآخر هناك وضع نعيشه منذ 50 عاما، وهناك شباب يريدون العيش ونحن في حاجة لمساعدتهم وتوفير مناخ صحي ومفيد لهم يسمح بالتقدم”.
ورغم شعور الجيل الجديد ان هناك حاجة لتوفير الفرص، إلا أن المجتمع في معظمه يرى مصيره مرتبطا بسوريا ويأمل أن تعود الجولان يوما ما إلى الوطن الأم كجزء من خطة سلام. ولهذا قوبل عدد ممن قرروا ترشيح أنفسهم بالرفض، وعلى خلاف القرى العربية الأخرى داخل إسرائيل لم يقيموا حملات انتخابية وظلت جهودهم قائمة على العلاقات الشخصية وعانى بعضهم من مشاكل داخل العائلة بسبب قرارهم المشاركة في الانتخابات. ويناقش من يقولون انهم يمثلون الجيل الجديد والمتعلم والذي يحن إلى فرص جديدة ولاندماج أكثر في المجتمع الإسرائيلي، أن نظام التعيينات للمجالس المحلية لا يناسب طموحاتهم ويريدون دورا في تقرير شؤون مجالسهم. وهو ما دفع بعدد من المحامين الشباب العام الماضي إلى التقدم بعريضة إلى المحكمة الإسرائيلية العليا طالبوا فيها أن يلعبوا دورا في انتخابات المجالس المحلية وقبلت المحكمة طلبهم.
شرعنة الاحتلال
ويرى قادة الطائفة أن المشاركة مهما كانت أسبابها تعتبر تشريعا وقبولا بالاحتلال الإسرائيلي، فيما يرى آخرون أن عقد انتخابات في الجولان المحتل هو خرق للقانون الدولي وهو موقف الحكومة في دمشق. وحسب الشيخ هايل شرف، أحد مشايخ الطائفة الذي تحدث لـ”أسوسيتدبرس” في 27/10/2018 “نعتبر سوريين عربا نعيش تحت حكم إسرائيل، تحت الاحتلال الإسرائيلي” مؤكدا أن الجولان سيقاطع الانتخابات. وبالنسبة لجيل شرف وغيره فانتصارات بشار الأسد الأخيرة تقدم إشارة عن قرب عودة الجولان إلى سوريا. أما من لا يربط مستقبله بدولة دمرتها الحرب فيرى خيارا مختلفا. ويقول يسري حزران المحاضر في كلية شاليم: “من الواضح أن القادة الدينيين يفقدون السيطرة على الجيل الجديد لاعتبارات براغماتية” مضيفا “ما هو البديل لهم عن إسرائيل، لا شيء”. ومن هنا فبين الاعتبارات البراغماتية للشباب والخطوط الحمر لقادة الطائفة يعيش الجولان ويحاول الحفاظ على هويته ضد الأسرلة.
مشروع سيادة
وفي بداية صيف هذا العام نشر موقع “الجزيرة” تقريرا عن خطط قرى الجولان العربية مقاطعة الانتخابات، ونقل فيه عن ناشط في منظمة مجتمعية في مجدل شمس قوله، إن الإسرائيليين يستخدمون الربيع العربي وما يحدث في سوريا والعودة إلى برامج وضعوها جانبا ولوقت طويل. وأضاف أن هذه المشاريع هي جزء من “أسرلة مرتفعات الجولان” والانتخابات هي جزء منها. وتستهدف أيضا تشجيع الشباب على التخلي عن هويتهم السورية والتركيز على مستقبلهم الاقتصادي وقبول المواطنة الإسرائيلية واللعب على هويتهم الطائفية وتشجيع الاندماج في المجتمع الإسرائيلي كدروز إسرائيليين. وقد نجحت هذه السياسة مع عدد قليل من الشباب الذين يطمحون للسفر والدراسة في الخارج أو تحسين وضعهم الاقتصادي. وأعطت الحرب السورية إسرائيل فرصة للعب على الهوية الدرزية من خلال تصوير الوضع تحت الاحتلال بأنه أفضل من وضع الدروز في بلدهم سوريا. واقترنت هذه السياسة بإجراءات ضغط على السكان من خلال مصادرة بيوتهم وسرقة أراضيهم وتعزيز الاستثمار في المستوطنات الإسرائيلية وتشجيع السياحة إليها. ففي دراسة شاملة من 144 صفحة أصدرها مركز حقوق الإنسان “المرصد” قدم فيها تفاصيل مثيرة عن الطريقة التي وطدت فيها إسرائيل سيطرتها على الجولان واستخدمت التعليم ومصادرة الأراضي وتوسيع الصناعات في المستوطنات وتفريق العائلات والزراعة كسلاح. ففي القطاع الزراعي لا يحصل سكان الجولان المحتل إلا على 20 في المئة من الأرض الصالحة للزراعة مقابل 80 في المئة من الأراضي للمستوطنين. واستثمرت إسرائيل في القطاع الزراعي الاستيطاني حيث ضخت 108 مليون دولار في عام 2014 بشكل منح للمستوطنين تميزا على العرب الدروز. ومنذ احتلالها للهضبة السورية قامت إسرائيل بتدمير معظم القرى فيها والبالغ عددها 340 قرية ولم تبق إلا على القرى الأربع. وأثناء هذا هجرت أكثر من 130.000 عائلة لا يزالون ينتظرون العودة إلى قراهم المدمرة. ولم يتوقف الأمر على التهجير بل وأجبرت من تبقى في الهضبة على تغيير النظام التعليمي وتدريس الثقافة الدرزية والنسخة الإسرائيلية من التاريخ ثم فرضت قانون الضم عام 1981 حيث واصلت عمليات بناء المستوطنات.
السيادة
إلا أن الحرب في سوريا عام 2011 أعادت برامج السيادة الإسرائيلية على الهضبة. ومن هنا تعتبر الانتخابات المحلية جزءا من إحياء برامج السيادة وفحصا من أجل معرفة إن قد تغير أي شيء في مواقف السكان العرب. وهي محاولة لإظهار ان هناك عملية ديمقراطية تجري في الهضبة كرسالة موجهة للمجتمع الدولي وجهود إسرائيل الاعتراف بسيادتها على الهضبة. فقد حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، استخدام الحرب السورية وإقناع الإدارة الأمريكية السابقة أن الوقت قد حان “لتفكير جديد” بشأن الجولان وأن “الوقت قد حان لكي يعترف المجتمع الدولي أخيرا أن مرتفعات الجولان ستظل تحت السيادة الإسرائيلية وللأبد”. وفي ظل الإدارة الحالية لدونالد ترامب، يبدو أن إسرائيل تحاول الدفع بملف الاعتراف بعد نجاحها في نزع اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة. وفي أيار (مايو) قال وزير الأمن يسرائيل كاتس، أن الموضوع هو على رأس أجندة البحث بين البلدين. ويقود السناتور الجمهوري تيد كروز، جهودا ستضم إنشاء مشاريع مشتركة في الجولان المحتل وإرسال وفود رسمية والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليه. ودفع في الوقت نفسه النائب الجمهوري رون دي سانتيس، وعضو لجنة الشؤون الخارجية بمشروع قرار يعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.