الأحد , أكتوبر 1 2023
الرئيسية / من الصحافة / حراك رفض انتخابات المجالس المحلية في الجولان المحتل: انتصار على الاحتلال وحفاظ على وحدة الصف الوطني

حراك رفض انتخابات المجالس المحلية في الجولان المحتل: انتصار على الاحتلال وحفاظ على وحدة الصف الوطني

حراك رفض انتخابات المجالس المحلية في الجولان المحتل: انتصار على الاحتلال وحفاظ على وحدة الصف الوطني

3 – نوفمبر – 2018

ياسر خنجر/ القدس العربي

12

مجدل شمس-“القدس العربي”: قدرُنا أن نواصل العيش في هذا المكان رغماً عن كل الظروف، وأن نجد السبيل للعمل معاً في مواجهة كل المصاعب أو المخاطر التي تستهدف وجودنا وهويتنا، فنحن منسيّون ومتروكون تماماً ولكننا لم نفقد القدرة على مواصلة السير إلى غد أفضل.

هذه هي النبرة الشعبية العامة هنا، في الجولان السوري الذي تحتله إسرائيل، حيث قررت سلطات الاحتلال أن تكون المجالس المحلية – التابعة لوزارة الداخلية والمؤتمرة بتعليماتها – منتخبة من السكان. ينظر سكان الجولان إلى مؤسسات المجالس المحلية ويتعاملون معها على أنها حالة خدماتية يفرضها القانون الدولي، وفي الوقت نفسه ينظرون إلى عملية الانتخاب على أنها حالة تمثيلية للمجتمع، وللمفارقة فإن الغالبية العظمى من السكان لا يحق لهم حسب قوانين الوزارة العنصرية ذاتها أن يترشّحوا لمنصب رئيس المجلس المحلي، فالترشح مشروط بحمل الجنسية الإسرائيلية التي يتمتع بها ما نسبتهم 12 في المئة فقط من سكان الجولان.

في أواسط أيلول (سبتمبر) 2018 انطلق في الجولان حراك يدعو إلى رفض الانتخابات، وكان مركزه ناشطون من تيارات اجتماعية وسياسية مختلفة، بعضهم رجال دين يرتكزون في أدائهم على الحالة الاجتماعية وموقف المؤسسة الدينية الرافض للانتخابات، وبعضهم الآخر موالون لنظام الحكم في سوريا ويرتكزون على خطاب الدولة الرسمي والذي لا يقبل أي إجراء تتخذه دولة الاحتلال في الجولان، والبعض معارضون لنظام الأسد وينطلقون من مبدأ رفض كافة أشكال القمع والتمييز. هذا التعاون بين تيارات المجتمع المركزية كان له بالغ الأثر على تفاعل المجتمع مع قضية الانتخابات، وهي المرة الأولى التي تتوحد فيها الجهود منذ انطلاق الثورة السورية والشرخ الذي أنتجه قمعها بكافة أشكال العنف والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت بحق الأبرياء هناك.

قرر الناشطون في الحراك أن يضعوا كافة الخلافات جانباً مع حفاظ كل جهة على وجهة نظرها تجاه الأحداث في الوطن السوري، كما اتفقوا على أن يكون علم الجمهورية العربية السورية رمزاً وحيداً يُرفع في اعتصاماتهم وتحركاتهم، وعملوا على طرح رؤيتهم لهذه الانتخابات وأسباب رفضها وأصدروا في اجتماع عام لأهالي البلد يوم 6 تشرين أول (أكتوبر) بيانهم الذي يحتوي على موقفهم، وكان هذا البيان ركيزة العمل الشبابي والشعبي الذي استمر طيلة فترة الاستعداد ليوم الانتخابات. كُتب البيان بلغة عقلانية تُحاكي شرائح واسعة من المجتمع، وابتعد عن خطاب الكراهية والعداء بين أبناء البلد، مؤكداً على أن العدو الحقيقي هو من يضع أبناء الجولان في مواجهة بعضهم البعض، وتطرق بشكل خاص إلى استهداف المشاريع الإسرائيلية لجيل الشباب تحديداً، ومن منطلق أن المجلس المحلي هو عتبة لتمرير مشاريع إسرائيلية تهدف إلى إبعاد هذا الجيل عن هويته وانخراطه في حركات إسرائيلية لا تمتلك أي تقاطع مع الحالة الخاصة لأبناء الجولان بل هي نقيض لرؤيتنا الذاتية في كافة المفاهيم المتعلقة بالهوية والانتماء.

وإن كان الحراك قد نجح إلى حدٍ ما في تحييد أبناء الجولان المحتل عن هذه المشاريع، فذلك بفضل لجنة أولياء الأمور التي اتخذت قراراً بجعل المدارس مناطق منزوعة السياسة، أما في حالة الانتخاب فستكون المعادلة أكثر تعقيداً وذلك من منطلق أن المجلس المحلي المنتخب سيفترض أنه يمتلك صفة تمثيلية لقرار المجتمع.

كنتيجة مباشرة لهذا الخطاب العقلاني المتوازن، وامتداده على ساحات قرى الجولان السوري المحتل (مسعدة، وبقعاثا، وعين قنيا ومجدل شمس) أعلن العديد من المترشحين للمجالس المحلية عن انسحابهم، وكان النجاح الأكبر في قرية مسعدة التي اتفق كافة المرشحون فيها على الانسحاب، وبالتالي سقط مشروع الانتخابات هناك. وفي قرية بقعاثا بقي مرشح واحد أصرّ على رفض الانسحاب وتم تعيينه، أو فوزه بالتزكية، دون إجراء انتخابات لعدم توفّر المنافسين. في قرية عين قنيا تراجع مرشحان وحافظ مرشحان على موقفهما. وأخيراً في مجدل شمس انسحب مرشحان ورفض ثلاثة مرشحين أن ينسحبوا. قرية الغجر كانت خارج المعادلة لأن جميع سكانها يحملون الجنسية الإسرائيلية، وانتخابات المجالس المحلية قائمة عندهم منذ سنوات عديدة.

أدرك الحراك أن تفعيل قضية الانتخابات عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لن يكون كافياً، وهناك ضرورة للتحرك في الشارع، لذلك دعا إلى اعتصام في ساحة سلطان باشا الأطرش في مجدل شمس، وتمثل الحضور بكافة شرائح المجتمع من صبايا وشباب ورجال دين، وهناك أحرقوا بطاقات الدعوة إلى الانتخابات في خطوة رمزية للتذكير بأحداث عام 1982 حين حاولت إسرائيل فرض جنسيتها على السكان.

في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات شارك الحراك في الحوار – الذي لم يأت بثمارٍ ناضجة – مع المرشحين الذين رفضوا سحب ترشحهم بحجة أن حولهم شرائح واسعة تدعمهم، وأن يوم الانتخابات هو مكان الحسم وليس قرار غالبية المجتمع. بعد فشل الحوار أقام الحراك خيمة اعتصام لتكثيف التواجد في الساحات والشوارع كونها التعبير الأقوى والأكثر مباشرة عن إرادة المجتمع ورأيه، وأيضاً للمشاركة في كيفية اتخاذ القرارات التي كان أبرزها إعلان نهار الانتخابات يوم إضراب عام، والدعوة للاعتصام أمام صناديق الاقتراع، مع التأكيد على سلمية الاعتصام ورفض كافة أشكال العنف الجسدي منها واللفظي، إضافة إلى عدم منع أو اعتراض أي فردٍ يريد المشاركة في الانتخابات.

تجمع الآلاف من أبناء الجولان في ساحات قراهم وانطلقوا إلى مراكز الاقتراع المقامة في المدارس، حافظ المعتصمون على سلمية تحركهم طيلة الوقت ولم تصدر أي أعمال فردية خارجة عن هدف الاعتصام، وقام 11 فرداً بالدخول إلى مراكز الاقتراع والإدلاء بأصواتهم دون أن يعترضهم أحد. ولكن دولة الاحتلال تنبهت باكراً إلى فشل العملية الانتخابية وأرادت البحث عن مبرر لهذا الفشل، فطلبت الشرطة من المعتصمين أن يتراجعوا عشرات الأمتار عن المدخل المؤدي إلى صناديق الاقتراع وكان لهم ذلك. بعد ذلك طلبوا التراجع أكثر وكان لهم ذلك أيضاً، ثم اتُخذ القرار بترك المكان والانتقال إلى الساحة المركزية بعد أن أثبت الاعتصام موقفه وأوصل الرسالة واضحة وكاملة بأن إرادة المجتمع لا تتمثل بانتخابات مزيّفة تقوم على خرق المواثيق والأعراف الدولية، وعلى أساس عنصرّي تمييزي لا يتيح تنافساً حقيقياً بين السكان، وأن الحالة الخدماتية للمجالس المحلية لا تتطلب انتخاباً يحمل صفة تمثيلية للمجتمع وإرادته. في هذا الوقت بالذات بدأت قوات الاحتلال بالاعتداء على المعتصمين وضربهم بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع، مما أسفر عن جرح العشرات واختناق مئات المعتصمين من صبايا وشباب وشيوخ، واضطر الكثير منهم لتلقي العلاج في المراكز الصحية، وتم نقل آخرين إلى المستشفيات نتيجة تعرضهم لإصابات بالغة وخطيرة.

إن الوقائع التي شهدتها ساحات الجولان في الأسابيع الأخيرة، كانت كافية للتأكيد على هوية السكان السورية وعمق انتمائهم إلى قضية التحرر الشاملة، تحرر الإنسان أولاً وسعيه لرفض قوانين السلطات التي لا تمثل إرادة السكان ورؤيتهم المستقبلية لذواتهم وهويتهم. ورغم كل الإهمال الذي تتعرض له قضية الجولان في أروقة الدولة السورية، ورغم كل المذابح التي يشهدها وطننا السوري، إلّا أن أبناء الجولان متمسكون بحريتهم وما زالوا يعتبرون أنفسهم سوريين في العمق والتاريخ والهوى.

عن astarr net

شاهد أيضاً

15-04

نحن جيل المخدوعين… يا الله كم خدعونا!

نحن جيل المخدوعين… يا الله كم خدعونا! د. فيصل القاسم/القدس العربي تعالوا نعترف دون وجل …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: النسخ ممنوع !!