50 عاما على إنشاء موفع التزلج في جبل الشيخ
عشتار نيوز للاعلام/ قضايا جولانية/
من الارشيف/ أيمن ابو جبل
بانتظار شتاء كل عام ، يعود المشهد السياحي إلى تفاصيله دون أي تجديد، أو تغير، شرائح إجتماعية جولانية تأخذ نصيبها من فوائد الحركة السياحة، التي تدر أرباحاً جيدة على قطاعات واسعة أخرى من المجتمع الجولاني، تعوضها عن الخسائر الفادحة التي تسببها الاوضاع السياسية الخاصة لسكان الجولان المحتل، وبُعده عن أولويات التنيمة والتطوير، وعرقلة ترخيص الاعمال والمنشأت الاقتصادية والسياحية، التي تحاول شق طريقها في معركة الحياة،وتجاوز البيروقراطية والحسابات الاسرائيلية لدفع المنطقة نحو واقع افضل،وتجاوز الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة، حيث تنال (الغرف السياحة المُرخصة، والغير مرخصة ، والفنادق، والاكشاك المحلية الشعبية، ومغاسل تنظيف المفارش والأسرة والستائر، إضافة الى المطاعم والمحلات التجارية، ومحلات الالبسة الشتوية) النذر اليسير من أرباح الحركة السياحية، في كل موسم، الى جانب معاناة شرائح مختلفة من مشاكل حركة المرور والازدحام الرهيب التي تشهده قرى الجولان،مع تدهور حال الطرق والشوارع وانهيار جزئي للبنى التحيتة بفعل عوامل الطبيعة. واستحواذ البعض على جزء من الحيز العام للشارع لسيارته او بضاعته،او لاغراض شخصية اخرى.
في ظل تفاصيل الحركة السياحية وتأثيرها على المشهد المحلي سلباً وإيجاباً، ينال موقع التزلج في جبل الشيخ ومستوطنة نفي اتيب حصة الاسد من ارباح الحركة السياحية خلال موسم السياحة الشتوي ، بعد تساقط الثلوج على قمم الجبل وسفوحه ومنحدراته..
هذا الموسم كان من الاهمية ان يسعى ويعمل الجميع وكل من مكانه على جذب السياحة والسائحين الى داخل بلداتنا، قبل دخولهم منتزه جبل الشيخ او بعد عودتهم مرورا في شوارع بلداتنا، وتشجيعهم على المكوث والشراء من منتوجاتنا ومحلاتنا التجارية، والاستفادة من مميزات الطبيعة في بلداتنا السورية ،وبيئتها ومطابخها الشرقية، وبذات الوقت جعلهم يعودون ويكررون زياراتهم، بمنحهم اسعاراً مقبولة، وخدمات أمينة. لنأحذ حصتنا أيضاً كمجتمع، من كعكة السياحة الخارجية التي تزورنا كل عام.
ويصادف هذا الشهر الذكرى الـ50 لافتتاح موفع التزلج في جبل الشيخ، الذي تديره وتستثمر فيه على مساحة تتراوح بين 2432- 5000 دونم من مساحة جبل الشيخ، بارتفاع بين الــ 1600-2040 م فوق مستوى سطح البحر، وتبلغ مساحته الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي حوالي 70 كم مربعا ،وتشكل 7% فقط من مساحته، ويصل ارتفاعه إلى 2814م عن سطح البحر، وذلك في أعلى قمة له وتسمى “قصر شبيب”.بين الحدود اللبنانية السورية ويمتد بشكل طولي من الشمال إلى الجنوب، فيبلغ طوله قرابة 80كم، أما عرضه فحوالي 30كم. ويضم ثلاثة قمم الأولى في الشرق وتعلو 2145م والثانية في الغرب وتعلو 2294م والثالثة، تسمى قصر شبيب وهي الأعلى وتعلو 2814م. من جبل الشيخ في القسم الجنوبي الغربي منه، واقامت فيه مسارات تزلج عديدة قسم منها بمواصفات على المستوى الاولمبي الدولي، ومعترف به من قبل اتحاد التزلج العالمي FIS ، اضافة الى 11 قطار هوائي ومدرسة لتعليم التزلج ومحلات تجارية ومطاعم ومعدات خاصة بالتزلج، وعيادة طبية . ويعمل فيه حوالي 200-220 عامل.
في بداية العام 1968 بدأ ضباط الجيش الاسرائيلي وممثلو سلطة المحميات الطبيعية، والجيولوجيون،وعلماء النبات وعلماء الهيدرولوجيا(علم المياه الجوفية )، بفحص استخدام موارد جبل الشيخ، والبحث عن الامكانيات والوسائل، لاستغلال الثلوج الطبيعية ،التي يتميز بها ،وفحص كميتها وكثافتها وخصائصها، ووضع التقديرات لعدد الزوار المحتمل لموقع جبل الشيخ، وتصميمه ليصبح مُنتجاً مُربحاً وتحويله ،الى مصدر دخل وطني اسرائيلي، رغم الاشكاليات السياسية المحتمل حدوثها بحكم ان الحديث يدور عن إستثمار هائل في أراضي مُحتلة، قد تتحول بمتغيرات سياسية وعدائية، الى منطقة صراع تهدد بخسائر اقتصادية هائلة جدا .
وعليه فقد تقرر إقامة “سلطة حرمون” في العام 1968، وهي هيئة حكومية، كانت مسؤولة عن تنمية الجبال،وحماية النباتات والحيوانات فيه، ومُنحت صلاحيات تخطيطية واسعة، لإنشاء منتجع تزلج ،أصبحت هذه السلطة أيضًا من أوائل المؤسسات المدنية الاسرائيلية، التي تُقام في الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967. ومباشرة قررت،تطوير موقع جبل الشيخ ،بمنحه صبغة موقع ذات طابع اوربي وغربي، مستعينةً بالصندوق القومي “صندوق روتشيلد المالي” لتمويل المشروع، الذي تعاقد بدوره مع خبير فرنسي، مختص بإنشاء مواقع التزلج على الثلج والجليد، ومستشار أمريكي. وبموجب الاتفاق معهما، تم إرسال مهندسيين إسرائيليين، الى سويسرا لدراسة المواقع الموجودة هناك، والاستفادة من الخبرات المهنية والتقنية، والتعرف على اكثر المواصفات التكنولوجية ، التي تتلائم وطبيعة الثلوج والجليد في جبل الشيخ، وبموازاة ذلك، تم التعاقد مع شركة إنشاءات نمساوية ألمانية متخصصة،لتصنيع التلفريك, كوسيلة نقل وترفيه في جبل الشيخ،في الوقت الذي منحت فيه الحكومة النمساوية، موافقتها على تمويل عددا من المنح الدراسية، لتدريب مدربين إسرائيليين للتزلج على الجليد، وتشغيل شبكة التلفريك .
إحتل جبل الشيخ،ومرتفعات الجولان عامةً ،أهمية استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل ،سواء من ناحية الموقع الجغرافي، أم من ناحية الثروات، التي تمتاز بها خصوصا لمواردها الكبيرة من المياه العذبة. وموقعها، الذي يطل على الجليل، وعلى بحيرة طبرية في الجانب الاسرائيلي، كما تتحكم بالطريق المؤدية إلى دمشق على الجانب السوري. والجانب اللبناني، ولكونه يشكل موقعاً إستراتيجيا عسكرياً ، ومصدر مائي ضخم، تحول أكثر الى كنز ، بوجود الثلوج على قمته، وربحاً إقتصادياً بالنسبة الى المواطنين الاسرائيلين، ومن المتوقع ان يدر أموالا هائلة على الخزينة الاسرائيلية، ومن أجل ذلك كان من الضروري إقامة مركز بشري قريب لجبل الشيخ، وبناء مستوطنة على انقاض القرية الاقرب الى جبل الشيخ، فكان نصيب قرية جباثا الزيت عند سفوح جبل الشيخ. ان تدفع الثمن، لاتمام المشروع . لهذا قررت السلطات الاسرائيلية ترحيل من تبقى من سكانها حوالي 1500 مواطن . وهدم ما تبقى من بيوت القرية. الامر الذي اكتمل مع نهاية العام 1968، والبدء في إقامة مستوطنة ” رمات شالوم” ليكون نواتها الرئيسية مهاجرين يهود غربيين، قادمين من امريكا الشمالية واوروبا الغربية،حيث إنهم سيشكلون عنصرا مهما في التعامل مع البيئة والمحيط الثلجي، والتأقلم السريع مع ظروف المناخ المشابه للبدان، التي عاشوا فيها قبل قدومهم الى إسرائيل.
في 23/4/1969 وضع حجر الاساس لمستوطنة رامات شالوم في احتفال رسمي . زعيم المهاجرين الغربين الجدد أنذاك كان اسمه، “ديك سكوت”، لاعب كرة قدم أمريكي،إعتنق الديانة اليهودية، وحاز على وصف” النموذج الامريكي الاول في الجولان”، لكونه يتمتع بعيون زرقاء، ورقبة طويلة، وشعر اشقر، وجسم نحيف، يشبه صور الامريكي في مناطق الغرب الاوسط االامريكي ، اكتشف” سكوت” جبل الشيخ بالصدفة، بعد حرب حزيران 1967 ، حيث كان يقوم بجولة مع أصدقاء له، من محبي التزلج على الثلج ، وأعجبته المنطقة ،كمنطقة إستثمار لتحقيق “بيت الحلم الامريكي” على نط الاسلوب الامريكي ، وإقامة موقع تزلج شبيه بمواقع التزلج في جبال الالب ، وقال ان لديه اموال لاجل هذا المشروع،ولاثبات قدرته المالية،جلب حافلة قديمة الى جبل الشيخ ووضع عليها لافتة كتب عليها ” مدرسة حرمون للتزلج ” وأعلن تأسيس شركة حرمون للتزلج . في ذات الوقت تكتب إحدى الصحف في ولاية بنسلفانيا الامريكية، عن مشروع الحلم الامريكي في الجولان، الذي أطلق عليه في البداية “رمات شالوم “، وسمعت به المتزلجة الامريكية “نعومي وول” ، التي سافرت الى اسرائيل واستطاعت لقاء “يغال الون ” وزير العمل انذاك، ووزير السياحة “موشيه مكول” ، وتقترح عليهم ، تعيينها مدربة للتزلج في مدرسة حرمون للتزلج ، الامر الذي استجاب له “ديك سكوت ” مباشرة، ومنحها أسهما في الشركة الجديدة حيث قدم خطة مفصلة ، لاجتذاب اليهود من الدول الغنية الغربية، خلال لقاء له مع ممثلين عن دائرة الاستيطان في الوكالة الصهيونية، وقيادة المنطقة الشمالية، وإدارة أراضي إسرائيل ، وتضمنت الخطة، تأسيس مستوطنة ، لن تكون كيبوتس او موشاف ،وانما بلدة على غرار البلدات في ولاية نيو انغلاند الامريكية المبنية من الخشب المقاوم للبرد والثلوج،، وقال في لقاء مع صحيفة معاريف الاسرائيلية ” “ما نبنيه هنا على منحدرات جبل الشيخ بلدة احلام … كل مستوطن سيقف بمفرده دون جماعية أو تعاونية .. كل منا يتمسك بمبادئ المشروع الحر .. ولا يرى أي تناقض بين الرؤية والفكر الصهيوني حول مشروع الاستيطان، ومبدأ تحقيق الربح المادي الحر لاعضاء المستوطنة .” وقام والده لاجل تحقيق خطته ،بتأسيس جمعية اصدقاء رمات شالوم، التي نظمت حملات لجمع التبرعات وتحويل منازل المستوطنة الجديدة الى بيت الحلم الامريكي الجديد.
الا ان الحلم الامريكي في الجولان، الذي عُلقت الامال عليه ، سرعان ما تبدد وانهار، مع بداية شهر مايو/ أيار 1969 ، لعدة أسباب ابرزها : ان المستوطنة تعرضت الى هجوم من قبل الفدائيين الفلسطينين،وقُتل حينها أحد الحراس من قرية مسعدة، ودمروا منازلها، واعضاء المجموعة وزعيمها، لم يلبوا توقعات الدولة الاسرائيلية فيما يتعلق بمشروع تطوير منتجع التزلج في جبل الشيخ، وبناء وحماية المستوطنة، ولم تستطع الشركة تسديد الفواتير والمستحقات المالية ،التي تعهدت بدفعها الى مؤسسات الدولة، إضافة الى ان السلطات الفدرالية الامريكية، طالبت الحكومة الاسرائيلية بتسليمها رئيس الشركة “ديك سكوت ” الى القضاء الامريكي للاشتباه به في قضايا تهريب المخدرات، وهروبة من العدالة والقانون الامريكي، وقناعة أعضاء الشركة، والسلطات الاسرائيلية ان سبب رغبة “ديك سكوت” ، في المشروع، وحماسه الشديد، يعود الى قربها من الحدود اللبنانية السورية،وامكانية القيام بانشطة تهريب المخدرات في المنطقة متوفرة بسهولة في ذاك الوقت .
في اواخر العام يونيو/ حزيران 1969 تم القبض على زعيم المجموعة ” ديك سكوت” وتسليمه الى السلطات الفدرالية الامريكية، وتفككت الشركة، وتشتت اعضاء المجموعة التي قادها، تاركة وراءها عددا من البيوت والمنازل، والمعدات والاليات والكثير من الامال المحبطة، في ظل قناعة المؤسسات الاسرائيلية المدنية والعسكرية ،ان التزلج على جبل الشيخ ،لن يكون عامل جذب كاف للسياح القادمين من الغرب، لانهم يعيشون ويتمتعون بهذا الكنز، وضرورة تركيز الانظار نحو الداخل الاسرائيلي أكثر.
في 23/4/1969 وضع حجر الاساس لمستوطنة رامات شالوم في احتفال رسمي وقد اقامها مهاجرون من الولايات المتحدة وبعض دول اوروبا الغربية . وقد دمرت المقاومة الفلسطينية جميع بيوت رامات شالوم فلم يصمد المستوطنون فيها وبقيت خالية حتى عام 1971 حيث تاسست نواة جديدة من مسرحي الجيش – الدوريات ” الذين اطلقوا اسم المستوطنة الحالي عليها . في 20/2/1975 دشنت رسميا” واصبحت موشاف تعاوني تابع لحركة العمال الصهيوني الاستيطانية وهي مستوطنة سياحية زراعية . السكان : لقد حدث تبدل سكاني في هذه المستوطنة اذ ان المهاجرين من الولايات المتحدة واوروبا الغربية لم يصمدوا بالاستمرار فيها فجاء اليها بعد هجرها عدد من الجنود المسرحين وقد عملوا في الزراعة وفي السياحة الشتوية وخدمات التزلج على مرتفعات جبل الشيخ وخدمات الاصطياف ويوجد فيها ” تلفريك ” قدمته الوكالة اليهودية دعما” للمستوطنة واقيمت شركة حرمون للخدمات السياحية.
وقبل انهيار الشركة أشترت” نعومي وول” أسهماً جديدة بقيمة 10000 دولار (الكثير من المال في تلك الأيام) واستمرت بإدارة مدرسة التزلج، وتأجير المعدات، وكلفها الجيش الاسرائيلي، بتجهيز معدات ودراجات تزلّج و “كاسحات ثلج” خاصة. وسترات خاصة لجنود الجيش الاسرائيلي، بتمويل رجال اعمال يهود في امريكا، وتدريبهم عليها، ولاحقاً تم تشكيل وحدة الثلج المسماة ( وحدة جبال الألب هي وحدة احتياط خاصة في الجيش الاسرائيلي ). إلا ان” نعومي وول “أنهت عملها في الشركة العام 1976 وباعت حصتها في الشركة بعد خلافات حادة مع مؤسسي مستوطنة ” اتيب” الاربعة، التابعين الى حركة العمال الصهيوني ،الذين قرروا بعد انتهاء خدمتهم العسكرية في الوحدة الخاصة إيغوز (وحدة استطلاع استخبارية خاصة من الوحدات الخاصة التابعة للواء جولاني )،إعادة بناء المستوطنة الاسرائيلية في الجولان كمستوكنة زراعية، تحمل الاحرف الاولى من أسماء رفاقهم الذين قتلوا في إحدى العمليات العسكرية على خط التابلاين في سبتمبر عام 1968. وهم ( ابراهام همئيري- طوبيا شركينغر- يائير الغرنطي- بنيامين حداد) . وفي 20/ شباط 1972 منحت الحكومة الاسرائيلية موقع التزلج لافراد الوحدة العسكرية تقديراً لجهودهم ودورهم في الجيش الاسرائيلي، الا أن لجنة التسميات الحكومية، اقترحت اضافة اسم “نفيه” على اسم المستوطنة لاضفاء طابع سياحي على المستوطنة، وتخفيف المعني الرمزي العسكري للمستوطنة.فأصبحت “نفيه اتيب”
إستمرت المحاولات لجعل جبل الشيخ كتقليد لمنتزة سياحي بطابع غربي أوربي،، لكن بقى السؤال الاهم ما هي المصلحة الاسرائيلية بذلك في الوقت ،الذي يعتبر الجبل ضمن المناطق المحتلة، وهل المصلحة الاسرائيلية بكونه موقع عسكري إسرائيلي هام، أم موقع سياحي، وبهذا الصدد كتب الصحفي الاسرائيلي يشعياهو ابراخ في العام 1973:
التزلج على جبل الشيخ – قيل لنا – هو جزء من “حضورنا” في مرتفعات الجولان. ، لكن ليس بالاغاني والالحان نحضع الجبل لسيادتنا، وليس بشراء الزلاجات، نشتري ملكيتنا عليه، وليس بالتزلج نتملك الجبل ، مهما فعلنا نحن لا نملكه كميراث لنا ، هو جبل يقع في منطقة محتلة ” .
بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 أصبح جبل الشيخ جزءاً من ذكرى أليمه بالنسبة الى الاسرائيليين، بسبب ما تكبدوه من خسائر فادحة في الارواح خلال معارك استعادة جبل الشيخ من القوات السورية التي استطاعت تحريره في غضون ساعات، واحتفظت به لمدة أسبوعين، قبل ان تشن القوات الاسرائيلية هجوما عنيفا لاستعادة إحتلال جبل الشيخ يومي 21-22- تشرين الاول قبل بدء سريان مفعول قرار وقف اطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن رقم 338 .