الإمبراطورية الشاملة
موقع الجولان/ايمن ابو جبل

من الطبيعي جدا وأنت تدخل المدارس الابتدائية،ان يتم استقبالك كأحد أفراد هذه الأسرة المنسجمة مع ذاتها ومع زوارها، من معلمين ومعلمات وإدارة وعمال صيانة، فالمدارس هنا( مدرسة المناهل الابتدائية، والمدرسة الابتدائية -ا-) تتميز بعلاقات طاقمها التربوي المميز، وانعكاس تلك العلاقات على علاقات الطاقم مع الطلاب وذويهم، افراداً ولجان أولياء الأمور وبالعكس، هنا ترى عائلة واحدة، تجتمع بالهم والوجع والفرح والرسالة التي تنعكس على سلوكيات الطلاب وتحصيلاتهم الفصلية أو السنوية، أو من خلال سلوكياتهم وعلاقات بعضهم ببعض.. هذا الواقع ينعدم تماما حين تفكر بعد تردد طويل في زيارة المدرسة الثانوية” الشاملة في مجدل شمس..” لماذا؟؟؟
اخيراً ، أصبح المجتمع الطلابي قاب قوسين أو ادني من ولادة ” عالم الجريمة” رسمياً. ان الاعتداء الأخير الذي حصل مع احد المربين، من ابناء الجولان، الذي يُعد احد أعمدة الكادر التربوي، هو حدثاً ليس مُستهجناً، وليس غريباً لمن يقرأ الخارطة الاجتماعية في الجولان، وتطوراتها وإفرازاتها، والتي تعتبر المدرسة إحدى ركائز تلك الخارطة الأساسية، ان لم تكن أهمها. ظاهرة العنف في المدرسة الثانوية الشاملة يجب ان تثير كل القلق والخوف على مستقبل من نعتبرهم بُناة مستقبلنا، وأجيالنا الصاعدة، ليس لكونه حدثاً مرفوضاً تربويا وأخلاقيا واجتماعيا فقط، وانما لأنه يعكس واقع غير صحي، وغير نظيف، يسود المدرسة الثانوية الشاملة، ولمن يرغب في المعرفة أكثر، عليه الجلوس مع احد الطلاب او مجموعة طلاب من المرحلة الاعدادية او الثانوية، او ان يتوجه إلى لجنة أولياء الامور، أو احد أولياء الأمور بشكل شخصي، او ان ” يختلى سراً ” مع احد المعلمين او المعلمات في المدرسة الثانوية الشاملة،، وهذا قبل فضح وكشف الحدث الأخير الذي فض من الداخل سور ” معسكر المدرسة التربوية” ليكتشف حجم التسيب وانعدام المسؤولية الأخلاقية والتربوية التي يسببها الواقع السائد في مدرسة مجدل شمس الثانوية الشاملة، فما يكتسبه الطالب خلال ستة سنوات تعليمية في المرحلة الابتدائية، يكون خلالها مثالاً للأخلاق والاجتهاد وحسن السلوك والتربية الحسنةـ، يكفي عدة اسابيع او اشهر حتى يتحول ذات الطالب داخل المدرسة الثانوية الى طالب غير مؤدب ومشاكس وفوضوي،حيث تختفي الايجابيات التي اكتسبها من بيته ومدرسته الابتدائية، لتحل مكانها سلوكيات شبيه بانحلال اجتماعي وتربوي، وبالنهاية حين تصل الأمور الى مستوى العلاج، “يكون الطالب غير مؤدب من بيت أبوه”.
حين يقوم احد الطلاب في المدرسة بالاعتداء على معلم، فانه يستطيع ان يعتدي على والده ووالدته، ويعتدي على من يصغره سناً، فيبقى هذا الطالب وهذه الحقيقة ضحية، لواقع غير صحي، هو جزء منه ولكنه غير مسؤول عنه….
حين تقوم لجنة أولياء الأمور، وهي تضم مختلف الشرائح الاجتماعية والوطنية والثقافية في هذا البلد، بتقديم طلب، او شكوى او احتجاج، يخص ابناءنا في المدرسة، ولا يتم احترامهم والتعامل معهم بجدية ومسؤولية من قبل ادارة المدرسة الثانوية الشاملة،” كما يؤكد العديد من اعضاء اللجنة” فهذه حالة يجب الوقوف أمامها بحزم وقوة، لانه يمنع على فرد مهما علا شأنه في هذا المجتمع وكبر او تكبر، اهانة رموز مجتمعنا.، او المس في شرعيتهم ومصداقيتهم ..
حين تمهد ادارة المدرسة الثانوية الارضية الخصبة للانفلات الاجتماعي،” كما تترجم مسلكيات عدد غير قليل من الطلاب” ولا تقوم بمعالجة الخروقات التربوية والادبية، التي تحصل داخل اروقة المدرسة، حتى ان لم تُكشف ويفتضح امرها امام الجمهور والاهالي، فان ذلك تشجيع على ولادة الجريمة في نفوس ابناءنا، وزرعها في ذهنيتهم؟؟
حين يتحول المعلم، هذا الرمز التربوي صاحب الرسالة الاجتماعية التي تترعرع عليها الاجيال، الى اداة، تُحركها رغبات المسؤولين عن المدرسة وأهوائهم وحالتهم المزاجية، ويتم تهميشه واهانته وعدم احترامه من قبل مسؤولي المؤسسة التربوية، وتركه جريحاً لكبريائه، وكرامته الممتهنة من قبل ادارة المؤسسة التربوية، فهذا انحلال أخلاقي لا يمكن السكوت عنه بعد؟..
حين تنعدم الرقابة الاجتماعية عن اي مشروع اجتماعي،ويمنع اصحاب الشأن في هذا المشروع من مواكبة تطوره، ووضع سياسته العامة، ويستعان عنها بمفهوم الصحبة والشللية والمحسوبية، فان ذلك دعوة مفتوحة للفساد، وسريان قانون شرعية الغاب…
انتهى عصر المساومات، وانتهى عصر الواسطات، وانتهى عصر العلاقات الشخصية المبنية على الولاء الشخصي، والتملق الشخصي، لهذا المدير او ذاك، وهذا المفتش او ذاك، فحين يعتقد مدير ما انه “الحاكم بمصير هذا المعلم اوذاك” وبمقدروه ضمان تقدمه او فصله من العمل، فهذا ترويج لثقافة الكذب والدجل والنفاق والخوف وسحق الإنسان الحي فينا؟؟؟
الحاجة للتقيوء، هي ما تشعر به حيت تسمع قصص وحكايات من طلاب ومعلمين واولياء أمور، عما يحصل داخل “إمبراطورية المدير الشاملة ” إمبراطورية حقيقية فيها نوعا من أنظمة الحكم المطلق التي نسمع عنها او نقرأ عنها، وهناك من يعمل على تعزيز ظاهرة ” مصلحتي أولا ومن بعدي الطوفان” فساد وفسودة وعيون تراقب وترصد التقارير الشفهية والمكتوبة، وصناعة حديثة اصبحت جاهزة تسمى “دير بالك ملفك اسود” كلها الى داخل مكتب الادارة، فإما تكون عينا تراقب وتكتب التقارير،وتنفذ ما أقول، وإما يتحول ملفك التربوي الى سواد.” حادثة الزمور في المدرسة” كسرت كل المعايير وكسرت هذه القدرة الهائلة من الصمت الأخرس الذي هيمن على المجتمع ورموزه وفعالياته ، وكأن ما يحدث داخل” الامبراطورية” لا شأن لنا به، كسر الزمور ليس مبررا لضرب معلم، وليس سببا لتهديده.. وليس سببا لمحاولة حجب الشمس في غربال ..
يتخايل لك حين تستمع إلى قصص وحكايات “الإمبراطورية الشاملة” انك تشاهد فيلماً سينمائيا، يجسد واقعا بعيدا، عن واقع مجدل شمس، جميعنا يعلم ان عددا كبيرا من أبناءنا في سن المراهقة يتعاطون الدخان العادي، في شوارعنا، وربما في بيوتهم، وسهراتهم، وجميعنا يدرك أن المسؤولية التربوية المباشرة تقع على عاتق الأهل، وليس المدرسة وحدها، وان كانت تتحمل جانبا من المسؤولية في العلاج، لكن لماذا لم تستطع المدرسة الثانوية ومنذ عشر سنوات أن تخلق حالة الانتماء لدى طلابها وطاقمها التدريسي إلى تلك المؤسسة، لماذا لم تستطع المدرسة الثانوية جذبنا إليها، والى برامجها أن كانت هناك برامج حقيقية، ولماذا يبقى هذا الهمس المُعيب متواصلاً عما يحدث داخل المدرسة… عدد من الطلاب يدخنون في زوايا المدرسة، اعتداءات بعض طلبة الثانوية على طلاب الإعدادية ولربما التنكيل ببعضهم معنويا وجسدياً،وابتزازهم أحيانا كثير في مصروفهم الشخصي “وزوادتهم”اليومية، ان اكتفى الاكبر سناً بذلك، دون رقيب مُكلف، وان اكتشف احد المعلمين ما يجري، بالصدفة، او من منطلق المسؤولية الأخلاقية، ينتهي الطالب إمام المدير الى “الطبطبة على كتفه”، وتوبيخ المعلم على تدخله في امور ليس مكلفاً فيها.، حاملاً جرحه بدون سند ومرجعية نقابية أو اجتماعية تحميه …
فان كان هذا الواقع هو السائد في المدرسة الثانوية، فماذا تبقى من رسالتنا إلى الأجيال، ما يتم بناءه خلال المرحلة الابتدائية، وداخل بيوتنا ومنازلنا، يتم سحقه وتدميره في المدرسة الثانوية ، فمن هو المسؤول؟ عما يجري وعما يحصل؟ سؤال لا بد من الإجابة عليه ليس في محاضر الشرطة الإسرائيلية، التي أصبحت ” موضة” يتم تشجيع الطالب عليها لتقديم شكوى ضد معلم ما، وليس في مكتب السيد مفتش التربية الإسرائيلي، وإنما هنا لدى أصحاب الضمائر في هذا المجتمع من أولياء أمور وفعاليات اجتماعية..
من يدير بالفعل هذه الامبراطورية، والى متى ستبقى الاضواء مسلطة على شؤون المدرسة الثانوية ومسلكيات طلبتها، وعلاقات الإدارة مع الاهالي ولجنة أولياء الامور، والى متى سيبقى اولادنا في المدرسة ضحايا هذا الواقع، هي كلمة واضحة.. جميعنا مسئولين عن هذا الواقع، فعاليات اجتماعية ، وإدارة المدرسة وعليها العبءالاكبر، وأهالي الطلاب وعلى عاتقهم المسؤولية الكبيرة ايضاً، وأخيرا أولئك ضحايا هذا الواقع انفسهم، طلبة المدرسة دون التطرق والتفصيل … الى اي دوافع مبطنة ومُغرضة تستهدفنا جميعنا دون ان ندرك …
لا للعنف.. فعالية مركزية في مدرسة المناهل الابتدائية
المدرسة الابتدائية -ا- تستنكر ظاهرة العنف والتسيب في المدرسة الثانوية
دعوة الى الاعتصام أمام المدرسة الثانوية – يوم غد الخميس 11/3/2010 |