تل الفرس الآلام منسية
عشتار نيوز/ ايمن ابو جبل
نُشر بتاريخ 17/7/2014
لم يكن سهلا دخول منطقة تل الفرس التي تعتبرها إسرائيل محمية طبيعية، فالقذائف السورية تكاد تكون اعتيادية بالنسبة إلى الجنود الإسرائيليين الذين عادوا الى الثكنات العسكرية والمعسكرات بعد سنوات من الهجرة والغياب، في ظل الامن والإمان الذي فرضته اتفاقية ” كيسنجر” عام 1974. دخول المنطقة في هذا الوقت يحتاج إلى تصريح مسبق من قيادة الجيش الإسرائيلي، رغم كونها محمية طبيعية مخصصة لاستقبال السياح والفضوليين، إلا أن انهيار الهدوء الذي استمر أكثر من 45 عاما على الجبهة قد انتهى الان، وجميعنا ندخل عالم المجهول بالنسبة لما اعتدنا عليه سابقاً.. كنا ثلاثة اشخاص كاد الفضول ان يورطنا بامور لا طاقة لنا على تحملها خاصة في هذا الوقت، الا ان التاريخ هنا يشدك اليه، وتسحبك المعالم الطبيعية والمشاهد الرائعة لهذه المنطقة الى داخلها وتغوص في اعماقها، وتنسى للحظات كل العصابات الإرهابية التي تأسرنا معها مرة باسم الصهيونية ومرة باسم البعثية ومرة اخرى باسم السلفية والتكفيرية، وبينهما وبفضلهما خسرنا وطنا، كما خسرنا مكانا هو بالنسبة لكل من زاره وجلس بين أحضانه جنة حقيقية على الارض .. انها الجنة الجولانية تتجسد أمامك برغم كل شئ…. لكنها جنة ترفض الحوريات والملذات وتعشق الحياة.. حياة ان تحب ، وتحب غيرك وان تعيش حرا كريما دون حواجز وأسلاك وقيود وقمع وظلم وسجون، وان تحيا بعزة وضمان حياة كريمة لأولادك واجيالك القادمة، ان تكون هنا ..ترفض الحرب كل حرب تقتل الإنسان فينا…
ووفق المستشرق النائب السابق في البرلمانى البريطاني لورانس اوليفانت فانه يزعم” عثر الإسرائيليون القدماء في السهول الجنوبية للتلال الجولانية على ستين مدينة ذات جدران وبوابات محصنة وفي الشمال الشرقي، ويقول: ” شاهدنا سهول ذات مراعي خصبة، وينتصب فيها تل الحارة المخروطي وحيدا وسط السهل مشكلاً علامة فارقة في هذه المنطقة. ويزعم اولفانت: ” ان هذه السهل كان مكان التقاء ملك سوريا مع الإسرائيليين حيث اخبره إتباعه ان آلهة بنى إسرائيل هي آلهة التلال،حيث خسر السوريون معركة سابقة فيقررون لقاءهم في هذا السهل( سهل فيق) ويتابع سرده لأحداث تاريخية مزعومة تستند إلى الكتاب المقدس، فيذكر: ” أن فيق التي يرون بيوتها من أعلى تل الفرس بمناظيرهم شهدت وقائع المعركة التي نصب فيها الاسرائييليون مضاربهم وذبحوا مائة ألف سوري لجأ من بقي منهم على قيد الحياة الى فيق، حيث سقط السور على من تبقى منهم وعددهم 27 الفاً.
تل الفرس. هو جزء من منطقة تمتد من وادي اليرموك وحتى جبل الشيخ ، ومن بحيرة طبريا الى وادي الرقاد تسمى منذ القدم” النقرة ” وتعود هذه التسمية لوجود انهدامات عميقة تحيط فيها من اغلب جهاتها كوادي الاردن ووادي اليرموك ووادي الرقاد، وكأنها اراضي حفرت في هذا الموضع حفراً لتكون اشبه بالجزيرةونظراً لوفرة أمطارها، وعذوبة ينابيعها، وجودة مراعيها، وتنوعها، وجودة إنتاج الحبوب فيها كالقمح والذرة والحمص والشعير.. كان القدامى يقولون: “النقرة ما تمحل”. حيث كانوا يمضون فيها أشهر الصيف والخريف، وقد استقر في هذه المنطقة قسم كبير من الزائرين والباحثين عن الماء والكلأ وانخرطوا مع سكان المنطقة، وقد كان على التل ضريح لاحد الاولياء الصالحين القدامى الامر الذي اعطى التل بعداً دينياً جعله مزاراً هاماً، يتوافد إليه الناس، يحلون خصوماتهم ويتم التراضي بينهم ،ويفون بنذورهم، وتُذبح الخرافُ، والأبقار، والإبل، حيث يُوزّع لحمها مجاناً على الحاضرين، والقاطنين، وعابري السبيل، ويترك قسم من اللحم لتتغذّى به الوحوش الهائمة ليلاً، وفي ذلك لفتة إنسانية تجاه الحيوانات البرية، بما فيها الوحوش المفترسة، كانت تقليداً عند بعض الناس. ولهذا كان “تل الفرس” يحمل رمزية دينية ومعنوية ولاحقا عسكرية واستراتيجية على مختلف المراحل ومع كل الاقوام التي سكنته واستولت عليه.
في هذا المكان تستطيع استشناق التاريخ وملامسة الجغرافيا واستحضار اغنيات تجار القوافل المارة من والى فلسطين، وحكايات المسافرين واهات العاشقين، وصرخات المقاتلين في عملية الانزال الكبرى.. هنا تستحضر وجوه جنود وضباط قوات حطين في جيش التحرير الفلسطيني وشهداء الجيش العراقي ،ووجوه الضباط والجنود السورين والسعودين البواسل الذين اقتحموا المكان واستعادوا بعضاً من الكرامة المسلوبة لايام قبل ان تنهش اجسادهم قذائف الموت الاسرائيلي، كما تنهش عمليات نهب تراب وصخور تل الفرس قبلة حوران والجولان ووجهة الجليل الاردن..
احتل التل في التاسع من حزيران حيين لاحظت قوة اسرائيلية وجود دبابة سورية في اعالي التل، وبسبب موقعه الاستراتيجي المرتفع تقدمت دبابة اسرائيلية يرافقها عدد من الاليات والجنود لاعالي التل واستطاعت قصف الدبابة السورية التي كانت مهجورة الى جانب عدد من مضادات الطيران والقطع العسكرية التي بقيت سليمة وصالحة للاستعمال، وتم نقلها الى المتحف الحربي الإسرائيلي في وقت لاحق .
عقب هزيمة حزيران واحتلال الجولان،استخدمت إسرائيل تل الفرس الذي يرتفع ٨٠٠ م عن سطح البحر، كقاعدة عسكرية مؤلفة من قلاع صخرية سوداء مزودة بأجهزة رصد عسكرية واستشعارية، ويحوي على اجهزة قيادة وتوجيه وتشويش الكتروني موزعة على ثلاثة طوابق داخل التل، وفي حرب تشرين عام 1973 استطاعت القوات السورية تنفيذ عملية انزال جريئة بقيادة النقيب مصطفى محمد ابو دبوسة من الجانب الشمالي للتل، ووجهت قوات حطين من الجيش التحرير الفلسطيني ضربات بالمدفعية، وتقدمت سرية مشاة من الجيش السوري والقوات العراقية والسعودية باتجاه تل الفرس مقتحمة خطوط الدفاع الاسرائيلية التي انهارت تحت ضربات المهاجمين وعنصر المفاجأة .واقامت مرصداً لتامين الاتصال مع القوات السورية المتقدمة في الجولان. وقد أصيب في المعركة الأولى النقيب مصطفى ابو دبوسة قائد قوات الإنزال، واستشهد الملازم أول الطيار العراقي سلام ايوب. فيما استطاعت القوة الاسرائيلية الانسحاب وكانت مكونة من 14 دبابة من الكتيبة 188 و- 180 جندي وضابط.
منذ شهر تشرين الثان عام 1974 حصلت “مستوطنة مروم غولان” على موافقة الجيش والحكومة الاسرائيلية ببناء محاجر ومعامل في محيط التل لاستخراج المعادن الفلزية المتواجدة في الصخور البركانية ، ونقل التربة الغنية بالرماد البركاني من التل لانها تعبر تربة خصبة ناتجة عن تفتت الصخور البركانية وتعد من افضل انواع الاتربة للزراعة ، وهي غنية بالمعادن الصناعية والزراعية كالبوتاسيوم والحديد والكبريت، وتستخدم أيضا في مواد البناء ومنتجات عازلة للحرارة للبناء الصناعي والبنية التحتية للمباني والطرق والحدائق. وقد أعلنت سلطة الحدائق والآثار في إسرائيل عن منطقة تل الفرس محمية طبيعية على مساحة كيلومتر واحد من كل اتجاه ، ومعظم المساحة مناطق عسكرية إسرائيلية. وتطلق اسما عبريا على التل ” هار بيرس والجيش الإسرائيلي يطلق عليه اسم ” تل زوهر ” تخليدا لأحد ضباطه القتلى …
مجزرة وادي حوا اللواء السوري 80″
مجزرة وادي حوا الواء 80″
بركة البطمية
مزارع المستوطنين من تل الفرس
نهب وسرقة التراب
تل الفرس-منطقة عسكرية مغلقة. الصعود ممنوع- المخالف يعاقب
المصادر:
محمود مفلح البكر/جريدة الاسبوع الادبي العدد 694 تاريخ 29/1/2000
الدكتور خالد الاحمد … كاتب سوري .
استكشاف الجولان ” مغامرون وجواسيس وقساوسة(1825-1880 ) تيسر خلف
من الارشيف الاسرائيلي