الخميس , نوفمبر 30 2023
الرئيسية / شخصيات جولانية / الشهيد جهاد هاني العفلق
banoram tshreen

الشهيد جهاد هاني العفلق

الشهيد جهاد  هاني العفلق

عشتار نيوز/ ملف حرب تشرين

 ايمن ابو جبل

banoram tshreen

بانوراما حرب تشرين

تقاسمت دموع وأوجاع هده الحرب. في بيتهم العتيق، وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً، ما زالت آثار الحرب قائمة على ذاك الحائط الحجري القديم، حيث كانت الإصابة المباشرة للقذيفة، أولى ساعات الحرب، أي قبل يوم واحد فقط من استشهاده. عادوا هلعين وخائفين من المرج، إسوة بآلاف العائلات الجولانية، وتركوا تفاحهم وأغراضهم وحوائجهم هناك. في طريق العودة إلى منزلهم، شاهدوا ومعهم جهاد، عائلة فارس المقت، والمصاب الذي أصابهم. كان جهاد يتطلع نحوهم بحزن وقلق: “يا حبيب روحي” قالتها “الختيارة” أم قاسم، وهي تستحضر تلك اللحظات الأخيرة من عمر ابنها جهاد، الذي اختطفته تلك الحرب. كان عمره 18 عاماً، كان هنا على هذا التخت جالسا بجانبي، يراقب الطائرات وصوت الرصاص والقذائف. أبوه كان داخل الغرفة مع ابني صالح، ورحاب ابنتي الوحيدة كانت داخل البيت، فجأة رأينا شيئا قادما إلينا بسرعة البرق، وضرب في هدا الحائط. كان الدخان كثيف جدا، والصوت كان سريعا جدا، ما زال يطن في أدني لغاية اليوم. لا أعرف ماذا حدث، لكنني سمعت البنت تصرخ، وجهاد الذي كان بجانبي، “يا حسرة قلبي عليه”، كان قد انتهى دون أن يصرخ، الشظية اخترقت بطنه كله، وتدفق دمه كسيل من المياه. أبو قاسم خرج من الغرفة إثر سماع هدير القذيفة، وما أن فتح الباب حتى انفجرت، وتطايرت، فأصيب صالح، كان عمره 12 عاماً. قذفته إلى داخل البيت، وأصابتني شظية منها في رجلي، ما زال قسما منها داخل رجلي، لم يلفظها الدم كما قالوا لي. والحريق شب داخل البيت، الفرش، والبساط السوري القديم، والمساند و “النملية”، كل ذلك احترق. سارع الجيران للمساعدة، رغم أن الكثيرين كانوا مختبئين في بيوتهم. أبو قاسم حمل صالح المضرج بالدم، وغطاه ببطانية، وخرج به من الجهة الأخرى للبيت، ليصل إلينا على “البرندة”. كان بعض جيراننا قد وصلوا سمعوا صوت الانفجار، وصوت صراخنا، فحمّلونا في سيارة وانطلقوا بنا إلى مستشفى صفد، أنا وصالح ورحاب، أما جهاد “يا حسرة قلبي عليه” لم أره، حمله أبوه مع عدة رجال، فقط، من الموجودين، وأخذه إلى المقبرة حيث دفنوه، دون أن نلقي عليه الوداع الأخير، وعاد والتحق بنا إلى صفد، وهناك أخبرني أنه دفنه في البلدة وأتى إلى صفد.

تتوقف أم قاسم عن الحديث وتنهيدات صدرها المشتاق إلى ابنها تتحول إلى دموع حارقة على حسرة قلبها. كان استحضار ابنها جهاد قاسيا جدا عليها، خاصة وأن هده العائلة تحملت الكثير من الآلام والعذاب المستمر لغاية اليوم. يقطع لحظات الصمت، وتنهيدات الصدر، العم أبو قاسم: “نعم بقينا هناك في صفد3 اشهر متواصلة، فكل عائلتي في المستشفى. أم قاسم في العلاج. أجروا لها عمليات لإخراج الرصاص من رجلها، وبقيت شظية قالوا لها فيما بعد تخرج لوحدها، حتى اليوم لم تخرج،. وصالح فلذة كبدي وسندي المتبقي لي، في غيبوبة، وحالته صعبة. الشظية أخدت منه كلية واحدة والطحال، وجزءً من معدته، وجزءً من البنكرياس وأجزاء من الكبد. كيف سيعيش قلت لهم هناك؟ فقالوا لي نحاول قدر إمكاننا أن ننقذ. ورحاب كذلك كانت ترقد هناك لعلاج رجلها المصابة، فمادا سأفعل وحدي في البيت؟

يا ابني تحملت الكثير من الأوجاع في حياتي، ومستعد للتحمل اكثر بعد. أجدادي ذهبوا شهداء، في الثورة، والأمراض أخذت مني خمسة أولاد، وجهاد. كان هناك مرض لم نعرف عنه شيئا، فجأة اختطف أكثر من عشرين ولدا من هده البلدة، هكذا قالوا لنا في مستشفى المجتهد بالشام. أولادي كانت أعمارهم 11، 12 عاما، وبنت عمرها كان تسعة اشهر، وبنت أخرى، وجهاد استشهد في الحرب. كل فترة كانت تصيبنا مصيبة ونخرج منها ونقول الحمد لله. بقينا في أرزاقنا وأوطاننا، ولم نحتج إلى أي معونة من أحد. بعد الحرب التي اختطفت ابني جهاد رحمه الله جاء الإسرائيليون إلى البيت، ليأخذوا بقايا القذيفة التي بقيت هنا لفترة من الوقت ، كان بينهم ضابط اسمه “سردل”. قال لي إن الضربة كانت تستهدف الجنود وليس ابنك. أين الجنود هنا؟ لم يكن جنود سوريين. هنا يعيش مواطنون عزل. وحاول مواساتي بتعهده بان دولته ستعوضني عن ابني وفلذة كبدي. أي شيء في الدنيا يعوضني عنه، يا ليت ابني موجود الآن معي. رفضت عرضه، وقلت له اجمع أدوات قتلك وأدوات جريمتك وارحل من هنا، لا احتاج إلى مالكم، ولن أتوجه إلى قانونكم، فانتم مجرمين قتلتم ابني دون أي ذنب.

ويتابع العم أبو قاسم بصوت مفجوع:

“ابني الكبير قاسم بقى في الشام. كان جنديا في الشرطة العسكرية، لم يدخل البلدة منذ الاحتلال. يعيش اليوم في السويداء، يعمل في البناء والزراعة. وصالح عاجز عن القيام بأي أعمال متعبة، بسبب الإصابات التي حولته إلى شبه عاجز. لقد سمى ابنه على اسم أخيه جهاد، فهل نستطيع أن ننساه للحظة واحدة. أرى جهاد في ابن أخيه وهذا أمر يسعدني جدا. “الله يخلصنا من هالمصايب ويهَدّي بالنا شويه”.

انتهى اللقاء مع عائلة أبو قاسم هاني العفلق، ودموع الوجع والشوق تخيم على اجواء ذاك البيت القديم، الذي شهد عملية قتل بشعة لشاب في أوائل سني عمره، وما زال يحتفظ في ملامحه وذكرياته وعنفوانه، المتجسد في تلك الزاوية الصغيرة التي بقيت محفورة على الجدار، وشريط الذكريات الأليمة التي هزت مرافقي، الشاب محمد، ابن البنت المصابة رحاب، حيث تفاجأت لردة فعله وانفعالاته العفوية، حين كان يستمع إلى قصة من ماضي والدته وذويها، في إحدى محطات حياتهم.

عن astarr net

شاهد أيضاً

mojahden (1)

صوناً للذاكرة الوطنية، وإحياء لذكرى مجاهدي الثورة السورية في الجولان المحتل…

صوناً للذاكرة الوطنية، وإحياء لذكرى مجاهدي الثورة السورية في الجولان المحتل… عشتار نيوز للاعلام/ الثورة …

error: النسخ ممنوع !!