السبت , ديسمبر 2 2023
الرئيسية / نشاطات وفعاليات / مسرح عيون / رأيت بأمّ عيني ألوانًا من العتمة! وأكتب من قلب الدهشة!

رأيت بأمّ عيني ألوانًا من العتمة! وأكتب من قلب الدهشة!

رأيت بأمّ عيني ألوانًا من العتمة! وأكتب من قلب الدهشة!

            21/05/2005

من الارشيف

رجاء زعبي عمري – حيفا*- 22\05\2005

 

 ماذا فعلت بنا يا “عيون” الجولان؟!!

عمل – نصّ لا يتغنّى بالحرية، ولا يبكيها.. عمل – نصّ حر وكفى.

هذا العمل الروعة.. الروعة.. واعذروني فأنا أكتب من قلب الدهشة.. ومن هناك لا يمكنني إلا أن أكتب بلغة الشعر.

 

هل هم الممثلون الأطفال؟ ولكنهم لم يكونوا أطفالاً بالضبط! هل هم الكبار الذين أنجزوا معهم هذا العمل؟ ولكنهم لم يكونوا كبارًا بالضبط!

 

ربما من هنا يبدأ كل شيء.. فمعظمنا لا يبحث في العتمة، وإذا تحسّست يدنا بضعة أشبار حولنا فهي سرعان ما تسترخي مستسلمة، غير مصدّقة أن هنالك شيئًا في انتظار أن تنتشله. غير أن مسرح عيون وجد في العتمة!! لأن محرّكه كان قناعته بأنه لا بد من وجود تلك الألوان في العتم الرابض.. مثلما طفل يريد، لا يستسلم أمام قولة “ما فيش!”. فهل نريد؟

لم يتمالك الجمهور نفسه في أثناء العرض، وسُمع التصفيق مرات عدة.. ولكني في نهاية المسرحية رأيت رفيف الدهشة في ترداد الأكف المصفقة، أثناء الوقفة الطويلة التي وقفها الجمهور.. لم أرَ جمهورًا منفعلاً من عمل مسرحي إلى هذه الدرجة! وسمعت التصفيق يصفّق! واعذروني فأنا أكتب من قلب الدهشة.

 

ملتقى النهر والبحر.. ورذاذ الرقصة..

 

عمل ذكي و”نغش”! فهل يمكن للمهنية أن تكون بريئة إلى هذا الحد؟ فَرِحة إلى هذا الحد؟ وهل يمكن أن تلتقي العفوية والتلقائية بالمهنية، بهذه السلاسة؟ هناك حب وجمال في هذا العمل.. ولذلك يجود ويجود.. إنه عمل مسرحي للكبار والصغار.. أطفاله كانوا أيضًا كبارًا، وكباره كانوا أطفالاً أيضًا.. ليس تبادلاً للأدوار.. بل تداخلاً وانسجامًا كالذي ينشأ أثناء لعبة حب.. تداخلاً وانسجامًا هادرًا، ليس ساكنًا.. تلتقطه تشاهده كأنك ترى المصب.. ملتقى النهر بالبحر.. فلا تعرف أيًا هي مياه النهر وأيًا مياه البحر.. ولكنك ترى الرقصة ويرشقك برذاذها.

هل يرتمي النهر في البحر لو يعرف أنه يغرق؟ كيف يغرق الماء بالماء؟!

هل يقبل البحر النهر لو يعرف أنه دخيل؟! كيف يكون الماء دخيلاً على الماء؟!

إنه التواصل.. فهل نحن صغارًا وكبارًا غير نهر وبحر؟ وهل الواحد فينا غير نهر وبحر؟

 

ذلك السرير النواة..

 

حتى الديكور كان كبيرًا صغيرًا جميلاً.. لم يكن هناك غير السرير وسط المنصة.. ولكنه كان كل العالم.. من لا يعرف أن سرير الولد هو عالمه؟ هو الحلم والكابوس، البيت والملجأ، العرش والمنفى في آن. لقد كان السرير في فضاء المنصة كأنه نواة ثمرة.. فيها البساطة والأوليّة، ولذا فيه أيضًا كل المادة الحيوية اللازمة لتصبح النواة شجرة مثمرة. فهي إذن منذ الآن شجرة مثمرة. وهكذا كان الصغار في هذا العمل.. من الواضح أنه هكذا تمّ التعامل معهم. وأتخيّل إيهاب سلامة ومعتز أبو صالح وكل منهما ينجز معهم هذا العمل وهو واقف على ركبتيه.. لولا ذلك لشاهدنا مسرحية أطفال “عادية”.

 

الانعتاق الحلم.. والخيبة الشفافة..

 

الانعتاق من ماذا؟ من طوق “الأب”!! بأقواس وبغير أقواس. إنني أبحث عن سرّ الإدهاش في هذا العمل. أبحث عنها في شكله ومضمونه، في الرؤيا التي تتجسّد فيهما بكل وضوح كالمقولة. ولدت الأمهات أبناءها أحرارًا.. صحيح.. ولكن لقاء الطفل بالآخرين يفقده حرّيته شيئًا فشيئًا.. وهو يحسّ ويعي ذلك ويرفض! يرفض ويُقمع.. ويكبر ويُخضع.. يكبر ناقمًا على ذلك السلب.. ثم تصبح النقمة سببًا في إشاعة الخوف والشلل في ثنايا النفس. لماذا؟لماذا كبر وبقي الطفل داخله قزمًا مشوّهًا؟!

 

الصغار يواجهون.. يتمرّدون.. نادرًا ما تلتقي حاجاتهم ورغباتهم مع حاجات “النظام”.. لكنهم لم يصلوا، بعد، المرحلة التي تصير فيها القسوة والتصلّب “سلاح” التواصل مع الآخر.. إنهم متمرّدون بالحب وبالخيبة! وليس بالكراهية والنقمة! الحب، لأن الصغير يريد التواصل مع الآخرين.. والخيبة، لأن التواصل معهم يفقده حريته..

 

ولكن الخيبة شفّافة.. لا ندري كيف وإلا هي متراكمة طبقات لا حصر لها.. تظل تتكثُّ حتى تصير سماء يقبع خلفها إله وأب وطاغية!!! وهنا ينقطع التواصل ويُفقد الأمل.. الآخر أصم، والحرية بكماء، فأي تواصل!! من هنا التصلّب والقسوة، إذ تحوّل الحب والخيبة نقمة وكراهية.. لا يقمعها إلا الخوف من إله وأب وسلطان.

 

إن الرفض المقموع يولّد النقمة.. والتمرّد السري يولّد الخوف.. الخوف الناجم عن الشعور بالذنب، فالمجنمع قادر على كل شيء! والله قادر على كل شيء! والأب قادر على كل شيء! والنقمة تقول: سأصبح إلهًا وأبًا ومجنمعًا بأكمله.. وسوف يرى الجميع انتقامي لحريتي الغائبة!! هذه هي آلية الاستقرار لأي نظام؛ حيث يصبح الجميع “عملاء” للنظام، موالين له ضد أنفسهم.. سوى بعض “المجانين”. ولكن المجتمعات والأنظمة تتغيّر.. فأين هي عوامل التغيير إذن؟

 

إنها في أولئك “المجانين”.. في الفكر والفن والعمل الناجم عن “عايف ربّي! و”عايف أبوي!” و”عايف السلطة!”. وهذا، باعتقادي، ما جمع الصغار الكبار والكبار الصغار، فأنجزوا معًا هذا العمل. وهو، أيضًا، باعتقادي، ما جعل “ألوان من العتمة” عملاً مدهشًا إلى هذا الحد.. حرًا إلى هذا الحد.. جميلاً إلى هذا الحد.

 

إنه عمل – نص حر.. لا يتغنّى بالحرية.. ولا يبكي الحرية.. واعذروني، فقد كتبت من قلب الدهشة!

 

هوماج: أوووفّ..! شو بدّي أكتب “عَ الثورة

 

 

* كاتبة فلسطينية

 

عن astarr net

شاهد أيضاً

ertijaj2021

إرتجاج.. مسرحية ساخرة،ناقدة على خشبة مسرح عيون

إرتجاج.. مسرحية ساخرة،ناقدة على خشبة مسرح عيون 09/06/2021 عشتار نيوز للاعلام / مسرح عيون بعد …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: النسخ ممنوع !!