فيتامين شام..
19/07/2010
رغم البساطة التي يعيشها الجولانيين والانغماس بالحياة اليومية والهموم الاجتماعية، لا زالوا يحلمون بالشام، وبالوطن الأم سوريا وبأن الجولان لا بد وأن يتحرر يومًا ويعود إلى أحضان أمه..
وقد عبر عن هذه الحالة المؤلف والكاتب معتز أبو صالح وزوجته الممثلة والمخرجة آمال قيس في العمل الجديد لمسرح “عيون-جولان للتنمية” في مسرحية أطلق عليها اسم “قمر على باب الشام” التي تعكس حالة وجدانية خالصة، تسلط الضوء على الواقع الجولاني المعاش يومياً من خلال ما أصبح يُعرف بقضية طلبة الجولان الدارسين في جامعة دمشق، وما تشكله من عبء إنساني واقتصادي وعاطفي على كل العائلات الجولانية في الجزء المحتل من الجولان، وعلى الطلبة المغادرين من الجولان، تاركين أوجاعهم وذكرياتهم، وأحلامهم البريئة التي تقف هنا بين حقول الألغام والأسلاك الشائكة الإسرائيلية التي تحول جيل جولاني بأكمله إلى حالة أسيرة تتقيد فيها كل الطموحات..
شابان جولانيان، صديقان حميمان منذ الطفولة، في محطة البحث عن المستقبل. أحدهما سيسافر إلى دمشق لكي يتعلم والآخر قرر أن يتعلم في إحدى الجامعات الإسرائيلية. نراهما في لحظة فراق ليلة قبل سفر الأول إلى دمشق، إلى ذلك المجهول كما يعبر عنه خلال المسرحية.. يستذكران معًا مشاهد من الطفولة تعيدنا وبشكل عفوي إلى مشاهد وأحداث منذ حزيران 1967. كما ويعكس الصراع بينهما مدى الحنين إلى الوطن الأم، ذلك الوطن الذي لا يعرفان عنه سوى من ذاكرة الآخرين..
حوار وإعداد: فاطمة بطحيش/مجلة ترفزيون
تصوير: أيمن أبو جبل..
// عمل يحاكي الوجدان الإنساني..
“قمر على باب الشام” عمل فني يتجاوز السطحية ويحاكي الواقع والوجدان الإنساني للجولان، من خلال طرح ما يجسده الشابين مجدي وجابر أبو جبل، بين أحلامهم وطموحاتهم في عالم غريب كلياً عنهم على المستوى الشخصي، في حالة تبدأ من الحب والشوق والحنين لمستقبل مبنى على القصص لكنه يبقى مجهول، لتنتهي إلى بدايات الحلم المتواصل منذ أكثر من 44 عاماً…
وتقول آمال قيس مخرجة العمل: “كان قرار اتخذناه أن نقوم بعمل موضوع محلي، يعالج قضية جيل المراهقين الذين يريدون الذهاب للشام، ونحن نعايش ذلك التلبك الذي يعيشونه وأخذنا قضية لطرحها من جوانب عدة؛ وبرأي مهم جدًا طرح هذه القضية؛ بعد ولادتي لأبني “أخيل” كنت أقول “عندكم”، ومهم لي أن يعرف أبني أين هو وأن يختار ما يريده، وظيفتي كأم تحتم عليّ أن يكبر أبني وأن تكون لديه معرفة تاريخية عن الجولان وعن أقاربه الباقين في سوريا وأن تكون له هوية. مسرحية “قمر على باب الشام” عمل فني يحاول التعبير عن حالة الخوف من المجهول، وتحدي الواقع الذي يأسر كل تلك الأحلام الجميلة والوعود الكبيرة، والحكايات القديمة التي يتناقلها الأبناء عن جيل الآباء المقهورين والذين ما تزال جراحهم تنزف. هو عمل يحاكي أبناء الجولان المحتل ويحاكي الوجدان الإنساني من خلال النص والموسيقى والديكور والإضاءة والإخراج”.
وتضيف: “تجربة قمر على باب الشام مهمة جدًا بالنسبة لي على الصعيد الشخصي، كفلسطينية وأم لطفل جولاني؛ “قمر على باب الشام” عبارة عن صرخة من على تل “اللامبالاة”، لأني بعد أن تزوجت وانتقلت للإقامة في الجولان، كنت كلما مررت قرب الحدود “أصفن” من وجود هذه الحدود، وحين بت أعيشها كالآخرين في الجولان المحتل صرت “أصفن” وأخاف أن تصبح هذه الحدود حالة عادية وهي ليست كذلك، بالنسبة لي المساهمة في بناء حالة فكرية ثقافية لا تقل أهمية عن الأشكال الأخرى لمقاومة الاحتلال. وأعتقد أن مسرح عيون- الجولان للتنمية نجح بخلق حالة ثقافية فكرية، ويسعدني أنه جزء مهم من المشهد الثقافي الجولاني”.
وتضيف: “تواصلت مع الحالة الإنسانية في القضية، فالقضية الإنسانية التي طرحت أتت بباقي الأمور التي نتعايش معها يوميًا بشكل عادي، كالاحتلال والحدود، الأمور المخيفة والتي لم تعد مخيفة؛ كذلك الجانب الإنساني للصداقة والتعلق ببعض، والفراق فيما بينهم، اللي رايح على الغربة والتي هي الوطن؛ وتسمى غربة بوجود الاحتلال”.
// العمل المسرحي الناجح، هو العمل الذي ينجح في مكان ولادته أولاً!
ويقول معتز أبو صالح كاتب العمل: “العمل بدأ عرضه مع بداية شهر حزيران، وفي هذا العمل دخلت عوامل جديدة منها تصغير عدد الممثلين وذلك لا ينبع من أن العمل مع عدد أكبر صعب أو لتسهيل الأمر؛ بالعكس تقليص العدد لأثنين هو صعب جدًا، نحن في مسرح “عيون-جولان للتنمية” نرى أن الكثير من الأمور التي تحدثنا عنها أو لامسناها بدأت تتحقق، منها تطور الطلاب الذين يخطون خطى ثابتة نحو احتراف التمثيل، وواجبنا تهيئة الجو والمواضيع والمضامين المختلفة لهذه المواهب التي تستحق بأن ترتقي بموهبتها.
هذا العمل يتم مع شابين موهوبين هما مجدي أبو جبل وجابر أبو جبل، واللذان سبقا لهما وأن شاركا في أعمال سابقة وبات يعرفهم الجمهور، هذا العمل ليس سهلاً وهو عمل صعب كما سبق وذكرت، ويمس شريحة كبيرة من أبناء الجولان المحتل الذين يتعلمون في الشام، ولا شك أن التجربة بالانتقال من الجولان إلى دمشق في جيل كهذا وفي سياق جولاني وسياسي واجتماعي هي نقلة نوعية بحياة الشاب أو الفتاة الجولانيين وتحمل الكثير من المعاني. في العمل تطرقنا لكثير من المواضيع التي أتت من فكرة بسيطة جدًا تأتي بسياق جولاني عام وهموم الجيل الجديد؛ فالاختيار مشترك كما ذكرت آمال أن نحكي عن هذا الموضوع، وأن نقوم بالعمل مع أثنين ممثلين، بالأساس في مسرح عيون نحاول الدخول أكثر إلى الحياة الجولانية بتفاصيلها؛ والمهم تأسيس مسرح يقدم أسس التعليم المسرحي وفي الوقت ذاته يحاول الاقتراب من الواقع الجولاني. فالمسرح هو أداة فنية من الدرجة الأولى للإضحاك وفتح العيون على زوايا مظلمة، في الآونة الأخيرة نحاول الاقتراب من مضامين محلية ونحاول صياغتها مسرحيًا، بحيث أن صياغتها بشكل مسرحي تسهل إمكانية استيعابها لدى الجمهور ويمكن عرضها في أي مكان، لأنه برأيي العمل المسرحي الناجح، هو العمل الذي ينجح في مكان ولادته أولاً؛ وإذا لاقى القبول فهذه تذكرة له لدخول أي بقعة من العالم وهذا تحدي كبير”.
نشير إلى أن طاقم العمل يضم: موسيقى: ريمون حداد، تمثيل: مجدي أبو جبل، جابر أبو جبل، إخراج وتصميم: آمال قيس، نص: معتز أبو صالح، وبرعاية جمعية الجولان للتنمية.
// بهاء وخالد..
مجدي أبو جبل: “أجسد شخصية “بهاء” وهو شاب في مقتبل العمر، لا يريد الذهاب إلى سوريا، وحيد لأهله، لا أصدقاء له غير “خالد”، وكل ما يهمه هو أن لا يذهب صديقه “خالد” إلى سوريا وذلك كي يبقى معه، فهو خائف من المستقبل ومن المجهول؛ هذا العمل زادني وعيًا وقوة في التمثيل رغم أنها تجربة صعبة وطويلة وفي العام المقبل سأعيشها بتفاصيلها”.
جابر أبو جبل: “أجسد شخصية “خالد” شاب يريد الذهاب إلى الشام، يريد أن يتعرف عليها، وفي الوقت ذاته يريد أن يعيش الهزيمة ذاتها التي عايشها جده، ويعرف أنه موجود تحت الاحتلال ويريد الذهاب وأن يأخذ “بهاء” برفقته. لكن بهاء خائف ومتردد لأنه سطحي ويحاول إقناعه بالذهاب معه. العمل أثر عليّ إيجابيًا كوني سأسافر إلى الشام في شهر أيلول المقبل بهدف الدراسة، والحالة التي في المسرحية أعايشها بحياتي اليومية وهذا ساعدني كثيرًا؛ ووجودي في مسرح “عيون” زاد ثقتي بنفسي وزاد من وعيي الثقافي والفكري والسياسي”.
ويضيفان: “لولا وجود مسرح عيون لما كنا في المكان الذي نحن فيه، ولولاه لما وصلنا إلى هذه المرحلة، تعلمنا الكثير من معتز أبو صالح وآمال قيس ومن الفنانين الفلسطينيين الأشقاء الذين أتوا إلى الجولان وتواصلوا معنا”.
// فُتح الباب عشنا الحلم وتسكر الباب..
“قمر على باب الشام”، الفكرة ليست جديدة والمضمون ليس بجديد، فكل بيت في الجولان عاش أو يعيش هذه الحالة وكثير من الشباب والصبايا مروا بتجربة السفر لدمشق، ومع أن هذه القضية مألوفة وعادية وهي مشهد من حياتنا اليومية وهو مشهد كثير عادي.
ويقول معتز: “الحقيقة عكس ذلك أنه مشهد صعب وغير عادي، الشاب الذي ولد وعاش تحت الاحتلال، تواصله الوحيد مع الشعب السوري أو الوطن الأم هو عن طريق ذاكرة الجيل السابق، وهذا لا يكفي؛ نحاول ترجمة ذلك لحقيقة ولمعايشة انتقال الشاب أو الفتاة، بحيث تصبح هذه تجربة تعلّق تمام بالذي عاشه قبل وبعد التعليم. وفي هذا تناقض خطير، والسنوات التي سيقضيها الشاب أو الفتاة في الشام هي عمليًا سرقة السنوات من الحياة. لأنه هذه السنوات ستنقضي وتنتهي في مرحلة تخرجه وعودته للجولان، حيث أن ما كان هو حلم أكثر من حقيقة؛ بمعنى فُتح الباب عشنا الحلم وتسكر الباب. في المسرحية الكثير من المعاناة والمأساة، بحيث أن “خالد” الشاب الذي يريد الذهاب للتعلم في دمشق، ذاهب هو بهدف التعليم، لكن أيضًا ليلتقي بـ 18 مليون إنسان موجودين وراء الحدود، بدنا نكون منهم وأن نبقي وأن نعيش معهم ونتعرف عليهم. نحن موجودين في هذا المكان ونعيشه بتفاصيله وأطلقنا عليه اسم “فيتامين شام”.
// نحن في وضع تتآكل فيه هويتنا..
وعن تجربته الشخصية التي دخلت في تفاصيل العمل كونه عايشها هو أيضًا حين قصد الشام، يقول معتز: “بالنسبة لي دائما مع بداية أي عمل أشعر في الإحساس الباطني، إحساس بأن القافلة ما زالت تسير، ماشية بصحراء بعدها مش واصلة للمحل اللي لازم توصله، مفصولين عن الهدف الذي يبعد بضع كيلومترات، هناك مسافة ضوئية ما بين الجولان والشام؛ في عام 67 هجرت قافلة بشرية من الجولان وبرأيي هذا القافلة ما زالت تمشي والشاحنة في المسرحية هي رمز للقافلة التي ستصل.
في العمل هناك بعد شخصي الذي يشبهني كمعتز كاتب العمل هذا البُعد عايشوه كثير جولانيين، والشخصي فات بالتفاصيل، بالفن لا يمكن إنكار أن الشخص موجود والبراعة كيف يتحول الشخصي إلى عامل وغير متعلق بأي من العاملين وينسلخ لمجال أوسع.
العمل ليس إضافة مضمون وإنما إحداث أو تجريد الخوف من عدم الخوف ونحن في وضع تتآكل فيه هويتنا؛ العمل يدخل على إنعاش الذاكرة خاصة أن جيل اليوم بعيد عن هذا المكان”.
// لماذا قمر عَ باب الشام؟
العنوان يعبر عن البعد والقرب بنفس الوقت، قمر يطل على الشام ولكن بعيد عنها، هذا الحرمان من الشام نحاول أن نعبر عنه كإطلالة على الشام وليس التواصل بشكل فعلي؛ وذهاب الشباب هي إطلالة..
// ومع علاقة الدونكيشوت كونه وضع على بوستر العمل؟
دونكيشوت معروف من هو، وبرأيي الشخصيتان في المسرحية تقومان بالأدوار، تعيشان صراع مع الحالة ومع الواقع وبنفس الوقت غير قادرين على الوصول للحلم الجماعي وهو تحرير الجولان، يعبرون عنه بتفاصيل طفولية، والمعركة قاسية جدًا ولا يمكنهم تغيير الواقع وهي برأيي حرب “دونكيشوتية” بدون نتيجة وهذا يشبه الحلم أو المغامرة الدونكيشوتية وبالنهاية هي حلم أكثر من انتصار فعلي.
// ردود جولانية..
تلقينا الكثير من ردود الفعل الإيجابية والتي تثني على العمل وشاهدنا الكثير من ردود الفعل من التأثر العميق والبكاء والحنين، احد الأشخاص الذين شاهدوا العمل من الجمهور الجولاني، قال أنه خلال عرض المسرحية كان يتخيل ما حدث منذ عام 67 وحتى اليوم وعاد إلى تلك الفترة بتفاصيلها وعايشها من جديد، وقال أن هذه المسرحية تهز المشاهد وتفتح المجال للأسئلة وتنعش الذاكرة أكثر. فتاة أيضًا والتي كانت في الشام خرجت من القاعة وهي تبكي لأنها رأت حالها في الشام، وأخرى تذكرت جدها الذي حدثها عن الجولان وعما حصل والتي تذكرتها من خلال المسرحية. المسرحية ليس هدفها التصليح إنما إعطاء مادة للتفكير وهذه تبقى ضمن الحسابات الشخصية للشخص ذاته.
// مقارنة مع مسارح أخرى؛ إن إنتاج مسرح عيون غزير، كيف تقومون بذلك رغم شح الميزانيات؟
مسرح عيون هو أحد مشاريع جمعية الجولان للتنمية، ومنذ 6 سنوات تحاول الجمعية أن ترصد قدر الإمكان ميزانيات لهذا المشروع ولكن بنفس الوقت هناك عوامل كثيرة لنجاح مسرح عيون، وبرأيي الميزانيات والأموال مهمة في بناء المسرح لكنها ليست الأساس، الأساس أن يكون المسرح نابع من حالة حقيقة وأن يكون أبن مُتبنى من قبل الجمهور، وفي الجولان مسرح عيون ترعرع بين الناس، وأضاف للمشهد الثقافي الجولاني بُعد أهم وهم بحاجة له، لأن الفضل يعود للطاقات الشبابية وللمتواصلين مع المسرح، ودعم الجمعية وإيمان طلاب المسرح وجمهور المسرح بوجود هذا الكنز والذي من واجبنا الحفاظ عليه..