من التاريخ السوري: وصية سليم حاطوم قبل إعدامه
رياض خالد: كلنا شركاء
ولد سليم حاطوم سنة 1928م لعائلة فقيرة من قرية دبين في محافظة السويداء. انتسب لحزب البعث، دخل الجيش، وظل يتدرج فيه حتى وصل لرتبة مقدم، ولعب دوراً في انقلاب الثامن من آذار سنة 1963م. ومكافأة لحاطوم الذي كان مسؤولاً عن كتيبة الصاعقة التي تتولى حماية القصر الجمهوري ومواقع استراتيجية أخرى، تم ضمه إلى اللجنة العسكرية ليكون الدرزي الوحيد فيها، وهي لجنة سرية شكلها ضباط بعثيون سوريون في سرب الطيران الليلي في مصر عام 1960، إبان الوحدة السورية المصرية.
حاطوم عضو اللجنة العسكرية
في شباط 1966 حاول محمد عمران المطرود سابقاً من اللجنة العسكرية، نقل سليم حاطوم واثنين آخرين من أنصار صلاح جديد إلى وحدات أخرى في الجيش، فقامت اللجنة العسكرية بالرد حيث شنت هجوماً ترأسه المقدم سليم حاطوم ووحدته الفدائية على منزل الفريق أمين الحافظ، وكانت حصيلة القتال خمسين شخصاً واستسلام أمين الحافظ، وتولّي اللجنة العسكرية بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد مقاليد الحكم الفعلي.
شعر سليم حاطوم أن الدَّيْن لم يسدد له، خاصة وأنه لم يتم انتخابه في القيادة القطرية الجديدة للحزب، ولم يحصل على رتبة عالية أو منصب كبير، وبدلاً من ذلك أعيدت كتيبة الصاعقة التابعة له إلى الوظيفة الرتيبة في حراسة محطة الإذاعة والتلفزيون وغيرها من المنشآت. فآذت هذه الضربة كبرياءه ولم ترض طموحه، وشعر بأن زملاءه في اللجنة العسكرية يريدونه أن يتحمل وحده اللوم على قتل ضحايا 23شباط 1966، وهم يخططون للتخلص منه، ثم إقامة تمثال له لتكريمه. فأصبح حاطوم القلق بؤرة للشقاق.
راح سليم حاطوم ينحاز إلى البعثيين القدامى أنصار عفلق والبيطار المطاح بهم، والذين كانوا يبحثون عن حلفاء عسكريين، أو الذين يدعون “الشوفيين”، وكانت خطوته التالية إقامة لجنة عسكرية تابعة له ترأسها ضابط درزي آخر هو اللواء فهد الشاعر… ووضعت خطط الانقلاب، ولكن في كل مرة حدد فيها تاريخاً مقترحاً كان يحدث خطأ ما. وقبل تنفيذ الانقلاب في الموعد المقترح في الثالث من أيلول تم اكتشاف المحاولة وفشلت، ما أدى إلى حملة اعتقالات طالت أعداد واسعة من الضباط الدروز.
اعتقال الضباط الدروز
إن اعتقال الضباط الدروز الذين أيدوا انقلاب 23 شباط/فبراير 1966 في البداية واشتركوا فيه، بجانب سعي صلاح جديد وحافظ الأسد إلى تعيين أنصارهم في المراكز السياسية والاستراتيجية الهامة داخل وحدات الجيش التي كان يسيطر عليها أعضاء دروز من مجموعة حاطوم، كل ذلك سبب فزعاً كبيراً وقلقاً في فرع الحزب في السويداء ما دفعه إلى تقديم مذكرة في السابع من أيلول 1966م، بتقديم مذكرة خاصة لصلاح جديد وضحت فيها وجهة نظر ومخاوف الغالبية و من أعضاء فرع السويداء.
قال الأعضاء في مذكرتهم أنهم يؤيدون تصفية ما يسمى بـ “العناصر اليمينية” من الحزب، ما دامت لا تشمل الضباط المتورطين الذين اشتركوا في انقلاب 23 شباط 1966م، وخصوصاً أنهم وقفوا إلى جانب الانقلاب، وطالبوا إعادة جميع من نُقلوا لمراكز أقل أهمية في ذاك الوقت، أو الذين اعتقُلوا، إلى مراكزهم السابقة، حتى يتم إثبات تورطهم المُزمع بصورة قاطعة في المؤامرة الأخيرة، واقترحت المذكرة انعقاد مؤتمر قطري أو اجتماع على مستوى أقل لبحث أزمة الحزب. وفي الختام هددوا في مذكرتهم بتجاهلهم لأية تعليمات أخرى صادرة عن القيادة القطرية، وبمقاطعتهم لاية انتخابات مستقبلية للحزب، إذا ما استمرت عملية تصفية الضباط الذين ينحدرون من جبل الدروز والذين شاركوا في انقلاب شباط حتى انعقاد الاجتماع المقترح.
قررت القيادة القطرية للحزب إرسال لجنة حزبية عليا للسويداء، تتكون من الرئيس السوري والأمين العام للقيادة القطرية السورية نور الدين الأتاسي، والأمين العام المساعد صلاح جديد، وجميل شيا العضو الوحيد الدرزي بالقيادة القطرية.
اعتقال صلاح جديد في السويداء
اغتنم سليم حاطوم وأنصاره فرصة وصول اللجنة واعتقلوا صلاح جديد والأتاسي لاستغلالهم كرهائن أثناء مفاوضاتهم اللاحقة مع سلطات الحزب والجيش، بما فيها حافظ الأسد الذي بقي في دمشق، فيما لم يتم اعتقال جميل شيا عضو القيادي القطرية الدرزي، لذلك تمكن من التوسط بين جديد وحاطوم.
طالب حاطوم أثناء مفاوضاته الهاتفية مع حافظ الاسد، ورئيس الوزراء يوسف زعين، بتحقيق عدة أمور أهمها إعادة الضباط الدروز ومؤيديه إلى مواقعهم، ومراكزهم العسكرية التي طرودوا منها أو نقلوا منها بعيد حركة 23 شباط، وإطلاق سراح الضباط الدروز وأتباعه الذين اعتقلوا مؤخراً في المؤامرة المزعومة، وإعادة قبول ما أسماه حاطوم بـ “اليساريين” أي “جماعة الشوفيين” في الحزب.
حافظ الأسد يرسل الصواريخ ويهدد بقصف السويداء
رفض حافظ الأسد تلك المطالب، وأمر بإجراء عسكري حاسم، فأرسل نفاثات سلاح الجو لتحوم فوق قلعة السويداء، وامر اللواء المدرع السبعين المتفوق أن يسرع جنوباً إلى السويداء، وأرسل كتيبة صواريخ، وهدد بقصف مدينة السويداء وكلف عبد الكريم الجندي بقيادة العملية في السويداء. ويقول باتريك سيل إن الأسد إذا كانت لديه موانع حالت بينه وبين استخدام سلاح الجو ضد عفلق وأمين الحافظ في شباط 1966، فإنه لم يكن لديه أية موانع من حشد ذلك السلاح ضد حاطوم في السويداء.
نتيجة لهذا الإجراءات المضادة الفعالة فشل سليم حاطوم في الثامن من ايلول 1966م بتحقيق أهدافه، وقرر أخيراً الانتقال إلى الأردن.
في الثالث عشر من أيلول 1966 عقد سليم حاطوم مؤتمراً صحفياً في عمان وسرد روايته لما حدث في السويداء، وصرح بأن الوضع في سوريا مهدد بوقوع حرب أهلية نتيجة لتنمية الروح الطائفية والعشائرية التي يحكم من خلالها اللواء صلاح جديد واللواء حافظ الأسد، والفئات الموجودة حولهما.
واضاف حاطوم قائلاً:” إن الروح الطائفية تنتشر بشكل فاضح في سوريا وخاصة في الجيش سواء بتعيين الضباط وحتى المجندين وان الفئة الحاكمة تعمد إلى تصفية الضباط والفئات المناهضة لها وتحل مكانهم من اتباعها في مختلف المناصب. فقد بلغت نسلة العلويين في الجيش خمسة مقابل واحد من جميع الطوائف الأخرى.
“دولة علوية ذات رسالة خالدة”
في مقابلة أجرتها صحيفة النهار مع سليم حاطوم في الرابع عشر من أيلول 1966 صرح بأنهم فروا إلى الأردن من أجل أن يناضلوا بأسلوب آخر أو بطريقة أخرى لإنقاذ الجيش وإبعاد الروح الطائفية التي سيطرت عليه، ومضى قائلاً: “إّذا ما سئل عسكري سوري عن ضباطه الأحرار سيكون جوابه أنهم سرحوا وشردوا ولم يبق سوى الضباط العلويين”، وأضاف: إن الضباط العلويين متمسكون بعشيرتهم وليس بعسكريتهم وهمهم حماية صلاح جديد وحافظ أسد، وإن الاعتقالات الاخيرة شملت مئات الضباط من جميع الفئات إلا العلويين.
وبعد أسبوعين أصدر سليم حاطوم تصريحاً في الثامن والعشرين من ايلول 1966م، شمل وفقاً لما ذكرته جريدة الحياة اتهاماً بأن المجموعة الحاكمة في دمشق عقدت العزم على تنفيذ خطة طائفية بغية إقامة نظام انتهازي يحمل شعار “دولة علوية ذات رسالة خالدة” يلمع فيها العميد صلاح جديد ونور الأنوار إبراهيم ماخوس.
بعد مغادرة حاطوم السويداء، جرت عمليات تصفية واسعة النطاق في الجيش والحزب، وشملت عمليات التصفيات العديد من الضباط الدروز، وهذا أمر طبيعي لأن حاطوم اعتمد بصورة رئيسية على تأييد الدروز في حركته. وشهد السويداء المزيد من حملة تصفيات ضباطها وظل فرع الحزب بجبل الدروز مشلول الحركة والنشاط لأكثر من ستة اشهر بعد فشل حاطوم
برقية سلطان باشا الأطرش
على اثر فشل العملية، طرد وزير الدفاع حافظ الأسد حوالي أربعمائة ضابط في أضخم حملة تطهير عرفها الجيش في تاريخه، وكانت الأغلبية من الضباط المطرودين من أبناء السويداء. وصلت التصفيات والاعتقالات التي قام بها وزير الدفاع حافظ الأسد، والأمين القطري المساعد صلاح جديد في الطائفة الدرزية لدرجة أن سلطان باشا الأطرش أرسل برقية مفتوحة لرئيس الأركان في ديسمبر 1966 هذا نصها:”أولادنا في السجون مضربون نحملكم مسؤولية النتائج. لقد اعتاد الجبل وما يزال أن يقوم بالثورات لطرد الخائن والمستعمر ولكن شهامته تابى عليه أن يثور ضد أخيه ويغدر ببني قومه.هذا الرادع الوحيد نقتصر مبدئياً على المفاوضات”.
في تلك الأثناء، ألقي القبض على اللواء فهد الشاعر واسيئت معاملته، وقيل أنه أجبر على الحبو على أطرافه الأربعة كالحيوان في وسط ماء قذر بينما كان معذبوه راكبين فوق ظهره. وفي مارس 1967 قدم العديد من الأشخاص المتورطين في المؤامرة المزعومة، وأحيل اكثرهم بصورة غيابية إلى محكمة عسكرية خاصة شكلت في دمشق برئاسة المقدم مصطفى طلاس، وكانت أهم تهمتين وجهتها للمتهمين هي الاشتراك في مؤامرة للإطاحة بنظام الحكم، والتحريض على حرب أهلية وانقسام طائفي، وطالب النائب العام أن يصدر ضد خمسة من الضباط وجميعهم من الدروز حكم الإعدام وكان على رأسهم اللواء فهد الشاعر، وسليم حاطوم، وطلال أبو عسلي. وقد خلق الشاعر ضجة في المحكمة عندما تحدى صلاحية المحكمة، غير أن حكم الإعدام ضده لم ينفذ في آخر الأمر.
تكسير أضلاع حاطوم
حاول سليم حاطوم استغلال ظروف حرب حزيران 1967، والعودة إلى دمشق التي وصلها فعلاً قادماً من الأردن، ولكن ألقي القبض عليه، وسيق للمثول أمام محكمة طلاس العسكرية التي أكدت عليه حكم الإعدام.
يروي عضو القيادة القطرية مروان حبش أن حافظ الأسد طلب عقد اجتماع فوري في منتصف ليلة الثالث والعشرين من حزيران 1967، والسبب لم يكن دراسة تداعيات النكسة أو فقدان الجولان، بل كان سبب الاجتماع كما أوضح حافظ الأسد في الاجتماع هو الخشية من مجيء وفود من السويداء تطلب منهم إعادة النظر في حكم الإعدام الصادر بـ سليم حاطوم الذي ألقي القبض عليه، واقترح الأسد اتخاذ قرار بتنفيذ حكم الإعدام في تلك الليلة.
يقول “حبش” أنه بعد مناقشات طالت لأكثر من ساعة طرح اقتراح وزير الدفاع حافظ الأسد على التصويت ونال موافقة الحاضرين بأكثرية صوت.
في تلك الأثناء كان عبد الكريم الجندي مدير مكتب الأمن القومي في سجن المزة يشرف على تكسير أضلاع حاطوم قبل إرساله لتطلق عليه النار وهو نصف حي في الخامسة من صباح الرابع والعشرين من حزيران 1967م.
وصية حاطوم قبل تصفيته كانت السماح لزوجته بالاحتفاظ بوظيفتها كمعلمة لتتمكن من تربية أطفالها.