الجمعة , ديسمبر 1 2023
الرئيسية / شخصيات جولانية / اسرى ومعتقلين / لقاء مع الأسير المحرر هايل أبو زيد
hailabuzeid-5memory01

لقاء مع الأسير المحرر هايل أبو زيد

 

لقاء مع الأسير المحرر هايل أبو زيد

عشتار نيوز للاعلام والسياحة/ شخصيات جولانية /شهداء الجولان

من الارشيف  

24/1/2005

hailabuzeid-5memory01

الأسير الشهيد هايل ابو زيد من مواليد العام 1968. واعتقل في العام 1985 حيث شارك في تاسيس حركة المقاومة السرية. واصدر عليه الحكم بالسجن لمدة 27 عاما. في العام 2005 أصيب هايل بسرطان الدم بعد رحلة اعتقال دامت 20 عاما. ولم يفرج عنه من سجون الاحتلال إلا ليمضي شهوره الستة المتبقية من حياته متنقلا بين مستسفى رمبام وبلدته مجدل شمس. واستشهد في السابع من تموز عام 2005.

في الذكرى الثانية على استشهاد الأسير الشهيد هايل أبو زيد، نعيد نشر اللقاء الصحفي الأول الذي أجراه موقع الجولان مع الأسير الشهيد بعد تحرره من الأسر الإسرائيلي وعودته إلى منزل والده  في مجدل شمس بعد غياب قسري استمر لمدة 20 عاما .

التقينا  الأسير هايل أبو زيد في بيته في مجدل شمس، بعد تحرره من الأسر الإسرائيلي، على اثر المرض الذي ألم به، وبعد قضائه أكثر من عشرين عاماً في المعتقلات الإسرائيلية، فأجرينا معه الحوار التالي:

حاوره نبيه عويدات وايمن ابو جبل

لقد تلقيتَ نبأ حريتك وأنت في المستشفى، ثم بقيت هناك لتلقي العلاج: هل أحسست فعلا بالحرية تحت هذه الظروف؟

لم أشعر بالحرية إلا بعد أكثر من 20 يوماً من ذلك التاريخ، وبالتحديد تلك اللحظة التي عبرت فيها السيارة التي أقلتني من حيفا فوق جسر بنات يعقوب، وهو الجسر الواصل بين فلسطين والأراضي السورية المحتلة، فوق نهر الأردن.  عندها فقط راودني شعور غريب، لم أتمالك أعصابي فانهمرت دموعي بشكل تلقائي.

طوال فترة بقائي في المشفى للعلاج،  بعد تحرري من المعتقل، انتابني شعور بأنني انتقلت من معتقل  إلى معتقل آخر. حتى عندما أعود اليوم إلى حيفا، لاستكمال  العلاج يعاودني ذلك الشعور، وكأنني عائد إلى المعتقل. بعد تحرري،  كنت مجبراً على البقاء كل الوقت في نفس الغرفة وهذا ما ترك لدي الإحساس بأنني لم أغادر المعتقل وقد طلبت الانتقال من تلك الغرفة التي تذكرني بالقيود والسجانين ولكن طلبي هذا لم يلبى لاسباب فنية، وبقيت آثار القيد والزرد  على حديد السرير لتذكرني بكل لحظة من لحظات الأسر .

لقد اعتقلت  عشرين عاماً من أجل قضية  الجولان، وها أنا لا أستطيع العودة إليه كما ارغب . بالرغم من أنني تقنياً أستطيع ذلك، فالقيود أزيلت من معصمي، والسجانون غادروا المكان، ولكن الشعور بالحرية لدي ارتبط بحلم كنت أنسج خيوطه على مدى عشرين عاماً خلف القضبان، وهو ليس مجرد خطوة تقنية، وإنما أحلام رسمتها  أنا ورفاقي الأسرى، وبالتحديد القدامى منهم، وتصورنا أدق تفاصيله: متى وأين وما هي الظروف التي سنتحرر بها، وعندما أطلق سراحي في العشرين من الشهر الماضي، كانت  لدي خيبة أمل، لم أشعر فعلاً بأنني نلت حريتي- كنت أتمنى أن يتحقق هذا الحلم بطريقة أخرى، كالتي رسمناها،  فقد ربطنا مصيرنا المشترك  ببعض، وخاصة رفاقي الأربعة  “الأسرى القدامى” فقد عملنا في صفوف المقاومة معا، ونفذنا عملياتنا النضالية معا، وخططنا برامجنا معا ، واعتقلنا معاً وحوكمنا معاً، ونلنا جميعاً ذات  الأحكام الجائرة، وكنا ننتظر أن نتحرر سوياً من الأسر، ونعود الى الجولان مرفوعي الهامات معا. إن ما حصل كان بمثابة تدمير لهذا الحلم وقد آلمني ذلك وتأذيت منه كثيراً. لان الواقع يبتعد كثيرا عن أحلامنا البريئة الصادقة .

 

لقد أجرى أهل الجولان لك استقبالاً شعبياً ورسمياً كبيراً، هل ترك ذلك في نفسك أثرا يمكن أن نعتبره عرفانا منهم وتقديراً لتضحياتك تجاه الوطن؟

لا شك بأن الاستقبال كان رائعاً وكبيراً، ولكني لا أعتبره تكريماً لهايل أبو زيد شخصياً، بل هو تكريم لفكرة النضال ضد المحتل، وتقديراً للحالة النضالية عامة. إنه تكريم لرفاقي الأبطال الذين لا يزالون في الأسر. هذه حالة طبيعية فالمجتمع الذي لا يقدر مناضليه لا يستحق الحرية، ومجتمعنا لديه ما يكفي من الأصاله، النابعة من تاريخه النضالي الطويل، ليقدر مناضليه، فهو بذلك يعبر عن رفضه للاحتلال، ويعبر عن احترامه لأسراه الذين لا يزالون في المعتقل وللقيم والمبادئ التي دخل هؤلاء الأسرى من أجلها للمعتقل . ما حصل كان فوق كل توقعاتي على المستوى الشخصي، وأعتبر ذلك وسام شرف على صدري وصدر جميع رفاقي، ولكن ذلك لم يكن غريباً عن مجتمعنا، الذي احترم القيم التي من اجلها اعتقلنا.  لقد رأيت الفرحة الحقيقية في أعين الناس الذين اصطفوا لاستقبالي ساعات رغم البرد، رأيت في عيونهم العاطفة النبيلة اتجاهي ومن خلالي لتلك  القيم التي مثلتها المقاومة على مدار سني الاحتلال، ودائما عند المنعطفات الحساسة كان هذا المجتمع وبكل شرائحه مثالاً يدعو للفخر، فالوفاء للوطن قيمة مترسخة بعمق لدى أبنائه.

لقد قضيت أكثر من عشرين عاما في الأسر، وقد قمتم أنت ورفاقك بإقامة تنظيم مسلح، وقمتم بعمليات خطيرة كان من الممكن أن تدفعوا أرواحكم ثمناً لها. لقد أبديتم الاستعداد لتقديم الأغلى فداءًا للوطن، ثم اعتقلتم ودخلتم المعتقل  وبقيت أنت فيه 20 عاماً، ولا يزال باقي رفاقك خلف القضبان، وأنت تعرف أن لك وطن كنت على وشك التضحية بحياتك من أجله، وهذا الوطن لم يفعل شيئاً لتحريرك ، هل ولد ذلك لديك شعور بالندم أو الإحباط؟

نحن  ننتمي لوطن، لشعب، لدولة سورية  عريقة  نعتز بها، وهذه الدولة من المفروض أن تكون “مشد ظهر لنا”، ومصدر قوة، وهكذا كان اعتبارنا دائماً، ولكن بقاءنا في الأسر عشرين عاماً، لم نلق خلالها الاهتمام الكافي على كافة المستويات، أمر يدعو للمرارة والغضب. هذا لا ينطبق فقط على الأسرى بل على الجولان بشكل عام، الذي لم ينل الاهتمام الرسمي الكافي بعد سبع وثلاثين عاماً تحت الاحتلال- حقيقة بقاء الجولان حتى الآن تحت الاحتلال تثير لدي أسئلة كثيرة.وبقاء  الأسرى السوريين عشرين عاماً في سجون الاحتلال دون أن تحاول الحكومة السورية إخراجهم من هناك أمر يطرح العديد من الأسئلة والأجوبة عليها محرجة. أقول ذلك بالرغم من أن هناك أشخاص قد لا يعجبهم ذلك. عندما اعتقلنا لم نكن نتصور، في لحظة من اللحظات، أن اعتقالنا سيستمر عشرين عاماً. المضحك بالأمر أن رفاقنا اللبنانيين والفلسطينيين كانوا “يحسدوننا” على وضعنا. كانوا يقولون لنا أنتم لديكم دولة وجيش سوري تستندون عليه- “نيالكم”، إن اعتقالكم لن يطول أكثر من أشهر قليلة وبالتأكيد ستتحررون قريباً، “العثرة علينا”. وما اتضح بالنهاية كان العكس، فقد خرج اللبنانيون وبقينا نحن في الأسر. هذه الدولة التي بنينا آمالنا عليها لم تعط أي اهتمام لقضية الأسرى. فدولة بحجم سوريا ومكانتها الإقليمية، وأنا لا أتحدث عن اليوم فقط  بل  منذ الثمانينيات  ولغاية اليوم ، كان يفترض بها أن توجد الفرص لإخراج أبنائها من الأسر الاسرائيلي. بقاؤنا في الأسر الإسرائيلي عشرين عاماً هو مدعاة للخجل لكل المسؤولين في سوريا.

كثر الحديث في وسائل الإعلام عامة، وبين أهالي الجولان خاصة، عن قضية الجاسوس الإسرائيلي” إيلي كوهين” وتبديله بأسرى الجولان في السجون الاسرائيلية: هل كانت هذه الفكرة تراودكم في المعتقل؟

هذا السؤال ليس بحاجة لإجابة أصلاً، وهذا ما كان يحيرنا نحن الأسرى، وكنا دائما نطرح السؤال: هل عظام جاسوس إسرائيلي، أعدم منذ 40 عاماً، هي أثمن من زهرة شباب، أو حرية، أو حياة، عشرات الأسرى الجولانيين، الذين يقبعون في المعتقلات  الإسرائيلية؟ لا أعتقد أن المقارنة واردة في الحسبان أصلاً، فحرية وحياة المواطنين السوريين تساوي مئات “الكوهينات” أحياءً وليس عظامهم فقط! جاسوس إسرائيلي اعتقل في سوريا وأعدم، بتقديري أن ثمنه بخس جداً، وتمنع مقارنته بحرية وحياة أشخاص لا يزالون أحياء. أعتقد أن حياة المواطن السوري لا يجب أن تكون بهذا الرخص. لقد كان باستطاعة سوريا مبادلة عظام كوهين ليس فقط بأسرى الجولان، بل بأعداد كبيرة من الأسرى العرب، وخاصة الأسرى ذوي الملفات الصعبة، وأخص بالذكر أولئك الأسرى من عرب 48 والقدس، الذين ليس هناك من يطالب بهم وهم يقضون أحكاماً مؤبدة. هؤلاء عشرات ومئات المناضلين العرب، الذين قدموا أغلى ما يمكن في سبيل القومية العربية وكرامة الأمة، هل عظام كوهين أغلى منهم؟! أعتقد أن التحفظ على عظام كوهين له علاقة بكرامة بعض المسؤولين السوريين ليس إلا.

 

حتى اللحظة الأخيرة من عملية تبادل الأسرى مع حزب الله كان لدينا الشعور والأمل بأن تتحرروا في هذه العملية، ولكن ذلك لم يتم. ثم جاء تصريح الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، بأن أسرى الجولان لم يتحرروا خلال هذه العملية، لأنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية. نحن أبناء الجولان صدمنا بهذا التصريح، لأنه دل على أن شخصية بوزن حسن نصر الله لا تعرف شيئاً عن نضال أهل الجولان، وأن هؤلاء الأشخاص، الذين يدور الحديث عنهم، دخلوا السجن أصلاً لأنهم رفضوا القبول بالجنسية الإسرائيلية. هذا يدل أيضاً على قضية خطيرة ومهمة جداً، وهي غياب التنسيق بين سوريا وحزب الله، وأن سوريا لم تعرف ما الذي كان يحدث, ولو أنها كانت على اطلاع لكانت دحضت ادعاء إسرائيل بان الأسرى الجولانيين يحملون الجنسية الإسرائيلية، لأنها تعلم بان أهل الجولان لا يحملون الجنسية الإسرائيلية.

لقد تمت الصفقة بين حزب الله وإسرائيل وانتم لم تتحرروا! نحن نعلم أنكم كنتم تعيشون هذه اللحظة وتنتظرونها بفارغ الصبر، كيف كان وقع الحدث عليكم؟

كنا دائما نسأل الجهات المختصة، وأيضا رفاقنا الأسرى المحررين ، ولجنة دعم الأسرى في الجولان  وفي دمشق  أين أصبحت  قضيتنا ؟ دائما كانوا يقولون لنا، أن هناك تصريحات وتاكيدات  واضحة  من  الجهات المختصة في الوطن الام ،بأننا سنخرج، وستنتزع حريتنا ، وأن كل أسرى الجولان ضمن الصفقة. وهؤلاء أشخاص لهم مصداقية قائمة لدينا، وليس من المعقول أن تكون وعود كاذبة، أضف إلى ذلك بان الموضوع أخذ وقتاً طويلاً، وغير معقول بأن يكون ملفنا غائب عن أذهان المسئولين في سوريا، وخاصة أن الموضوع تناولته كل وسائل الإعلام في العالم، ولم يكن سري أو أنه حدث بشكل مفاجىء، بحيث يستطيع أي مسئول سوري أن يقول بأننا لم نعلم بهذه الصفقة. الذي حدث بأننا أصبنا بخيبة أمل كبيرة، على مستويين، المستوى الأول: وضعنا بنفس المكان مع الناس الذين نحاربهم نحن في مجتمعنا، وهؤلاء هم الذين انحرفوا عن الخط الوطني والالتزام بالانتماء لسوريا، وهذه كانت مهينة لدرجة أنها طغت فعلا على كل شيء، وخاصة في الايام الاولى ، بعد إتمام الصفقة، طغت على خيبة الأمل وعدم التحرير. كان هذا نتيجة لضعف الصفقة، والخلل الذي حدث لا زال مستمراً. وهذه ليست المرة الأولى التي نصدم فيها، لكننا هنا لم نحرر لأسباب كاذبة ابتدعتها إسرائيل، ثم أقنعت المقاومة اللبنانية بالذات فيها، وعلى رأسها حسن نصر الله: نحن موجدون في المعتقل لأننا في الأساس رفضنا وحاربنا  الجنسية الإسرائيلية. وكل من تورط فيها . كانت هذه القضية مهينة. هذا على مستوى، أما على مستوى آخر: كنا بحالة من الغضب, الغضب الشديد، على ابتعاد الجهات المسئولة في سورية عن كل  ملف الأسرى السوريين في سجون الاحتلال، وأنا قلت وأقول بان سوريا لو كانت معنية بإطلاق سراحنا في هذه الصفقة لكنا أنا ورفاقي قد حررنا منذ زمن طويل ، لكن الإهمال والتقصير بالموضوع أبقانا في المعتقل  حتى الآن. لقد كان هناك إهمال وعدم اهتمام واضح وكانت سياسة الكذب التي استخدمت معنا منذ بداية اعتقالنا حتى اليوم، وهي التي أدت إلى إبقائنا خارج الصفقة وبطريقة مهينة. أتمنى أن يكون هذا إهمال عفوي وليس إهمال مجرم. أما بالنسبة إلى حزب الله، فقد تم استثنائنا واستثناء غيرنا. استثنى سجناء عرب آخرون، وأيضا عميد الأسرى اللبنانيين سمير قنطار. فالخلل لم يطالنا نحن فقط، بل طال الكثيرين غيرنا، وربما كانوا أولى منا بالتحرر. أنا كمواطن سوري انتمي إلى دولة، ودولتي تعتبر نفسها حاضنة لكل أعمال  المقاومة. أنا اعتبر دولتي مسؤولة عني بالدرجة الأولى والأخيرة، ودولتي في المحصلة لم تحررنني أو أحداً من باقي  رفاقي المعتقلين، يبدو أن هذا السيناريو سيستمر حتى المستقبل البعيد. لا يوجد أي مؤشر يطمئن بان دولتي بكل مؤ ساستها  تسعى لإنقاذ الآخرين من الآسر. هذا المؤسف بالموضوع!

في السنتين الماضيتين منعت زيارات الأهل لكم بسبب ممارسات سلطات السجون الاسرائيلية، وقد عانيتم انتم وعائلاتكم من لا انسانية الطريقة التي أصبحت تتم بها هذه الزيارات، ماذا كان وقع ذلك عليكم، مع العلم أنها الطريقة الوحيدة لكم للتواصل مع العالم خارج جدران المعتقل ؟

الزيارات هي المتنفس الوحيد للأسير داخل المعتقل. فماذا لدى الأسير داخل المعتقل سوى نشاطه وإنتاجه اليومي، فتأتي زيارة الأهل التي من خلالها يتنفس و يطمئن عليهم، ويستفسر عن العالم الخارجي والذكريات.  منعوا الزيارات بحجج أمنية، وكان لذلك وقع سلبي ومؤذ على كافة المستويات المعنوية والشخصية. بالنسبة للأسرى كانت خطوة قاسية بكل المعاني، فالمتنفس الوحيد للأسير لقاء أهله ومن خلاله العالم الخارجي. لقد فعلوا ذلك بحجة أن الأسرى يهربون أجهزة تليفونات ومواد تحريضية، مع انه إذا أراد الأسرى التهريب فالزيارة ليست الطريقة الوحيدة لذلك. هناك أساليب أخرى، أضف إلى ذلك أن هناك وعي بالنسبة للأسرى، وهم لا يغامرون لأن ذلك متعلق بعلاقة الأسير مع أهله، فكان هناك نوع من التفاهم بين الأسرى داخل المعتقل، بأنه ممنوع إعطاء حجج للاسرائيليين لإيقاف هذه الزيارات. لكن لأسباب سياسية، بالدرجة الأولى مرتبطة بتغيير الحكومة، وممارسة حالة من الانتقام من الأسرى، وخاصة الأمنيين، تزعمتها حكومة شارون، وعلى رأسهم كان الوزير “هانجبي”، الذي لم يخف في كل مناسبة حقده على الأسرى. كانت تصريحاته في الإضراب الأخير بان يضربوا حتى الموت. ومن خلال هذه السياسة تم إقفال الزيارات بوضع البلاستيك الغير شفاف، مع صفين من الشبك، بين الأسير وأهله أثناء الزيارة. حتى أن الشبك غير متناسق وفيه فتحات غير متناسقة مع بعضها- عمليا بعد الإجراءات التي اتخذوها حجبت الرؤية والسمع بوقت واحد، وتحولت إلى كارثة. لم يعد بالا مكان إن يقوم الشخص بالزيارة بشكل انساني. المكان الذي يعتبر المتنفس الوحيد للأسير من الناحية المعنوية والنفسية تحول إلى كابوس. هذا نموذج لعزل الأسير عن أهله. أما النموذج الآخر فهو عبارة عن لوح  من الزجاج، والوسيلة الوحيدة للتحدث بين الأسير وأهله هي التليفون، وأيضا هذا يحتوي في داخله على كثير من اللا انسانية، فالمعتقل  يرغب بأن يعانق أمه وأبناء عائلته وزائريه، ثم أن منع اتصال الصوت على طبيعته بين الأسير وبين أهله فيه نوع من أنواع السادية، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

الخطوة التي اتخذها الأسرى بكل سجون الاحتلال، والتي أعلنوا فيها الامتناع عن الزيارات حتى إعادتها إلى الشكل الطبيعي، مع الأسف فشلت، نتيجة عدة ظروف مرتبطة بواقع الأسرى والواقع السياسي العام والأمني وبواقع الصراع، والإضراب الأخير الذي طالب بإعادة الزيارات لشكلها الطبيعي فشل ولم ينجح، لأنه جاء في ظروف غير مناسبة من ناحية أمنية وسياسية، هذا أولاً، وثانياً، بسبب ظروف الأسرى من ناحية الترتيب والتنسيق الغير مسبق. الخلاصة: الوضع الذي فرض على الأسرى في الزيارات ما زال إلى حد الآن، وليست هناك بوادر للانفراج، إلا إذا حصل تغيير نوعي على المستوى السياسي والأمني.

عشرة اشهر كنت في انقطاع تام عن الأهل، باستثناء زيارة المحامين بأوقات متباعدة، وباستثناء الرسائل التي منعت أو قلصت لرسالتين فقط في الشهر، في وقت كنا نرسل الرسائل بشكل مفتوح, لكن للتضييق الزائد، والإمعان في الانتقام من الأسرى، والضغط عليهم، قلصت الرسائل التي نرسلها نحن إلى رسالتين، فكانت هذه الحالة عبارة عن غربة إضافية. من الممكن أن يتوفى احد من أهل المعتقل  ولن يعلم بذلك. إلا بعد وقت طويل  وهناك العيد من الحالات التي حدثت.

في هذا السياق، نعلم أن والدك توفي وانت في المعتقل ، ولم تستطع إلقاء النظرة الأخيرة عليه، ماذا كان شعورك عندما علمت بخبر وفاة الوالد؟

 

في الأسر تمتنع عن التفكير بأهلك، لأن ذلك مؤلم جداً، وكنا نحاول أن لا نفكر بأهلنا قدر المستطاع، خاصة فكرة وفاة أحدهم أو أحد المعارف أو الأقرباء، فذلك مزعج لدرجة لا يمكن وصفها. إن وفاة والدي كانت مفاجئة بالنسبة لي، وغير متوقعة، خاصة أن وضعه الصحي لم يكن سيئاً، ولم أتوقع وفاته، لأنه قبل أسبوع من وفاته كان قد آتي لزيارتي. رأيته آخر مرة قبل أسبوع من وفاته ، كان وضعه الصحي مستقر، وحديثه كان سلساً جداً, ولم يكن أي مؤشر بأنه سوف يغادر هذا  العالم بهذه السرعة. بعد الزيارة بأسبوع جاء أحد ضباط  السجن وابلغني: “والدك قد توفى”! طبعا كان وقع الخبر مؤلماً، وصعبا بكل المقاييس الإنسانية، لكن يجب تمالك الأعصاب، بالذات أمام السجانين، لم افقد أعصابي أمامه، أو أمام غيره. تجربة وفاة والدي لم أعشها مثلما يعيشها أي إنسان يتوفى والده! لم اعرف لماذا. ممكن لأنني لم استوعب خبر وفاته، وتعاملت مع الخبر كحالة من حالات الحياة، إذ أن الموت جزء منها، وحتى المقربين جدا منك، فهذه سنة الحياة. المؤسف أن والدي غادر أثناء اعتقالي، ولم يستطيع أن يحقق حلم من أحلامه. فقد حلم  باستقبالي في هذا البيت. أنا كذلك لم احقق حلمي، بأن أجده باستقبالي في هذا البيت أثناء تحرري، “هذه كانت الغصة الكبيرة في الموضوع″، وأكثر شيء فقدته بتحرري، وخاصة داخل البيت، هو صوت أبي ووجوده فيه.

 

كم عدد أسرانا في المعتقل الاسرائيلي اليوم؟

 

بقي لدينا إحدى عشر أسيرا ، وهم: سيطان نمر الولي, عاصم محمود الولي, صدقي سليمان المقت, بشر سليمان المقت, سميح سليمان سمارة, وئام محمود عماشة, كميل سليمان خاطر, عباس صالح عماشة, شام كمال شمس،  وكمال عطالله الولي والأسيرة آمال محمود. إضافة إلى عشرة معتقلين من بلدة الغجر السورية المحتلة، معتقلين بتهمة الاتصال مع المقاومة الإسلامية اللبنانية.

 

ما هي أوضاعهم, وهل كنتم موجودين في نفس المعتقل؟

 

عدت إلى سجن الجلبوع، بنهاية شهر 11، بعد مكوثي في معتقل الرملة ، وانتقلت بعدها إلى المستشفى في مدينة حيفا بتاريخ 5-12-2004 يعني أمضيت معهم حوالي الأسبوع. قبلاً كنا مشتتين وموزعين لفترة ستة أشهر، كل أسير منا كان في معتقل اخر . قسم كان في “سجن عسقلان”، قسم أخر في “سجن الرملة”، و”هداريم”، وقسم في “شطة”، وقسم في “الجلبوع”. كنا مشتتين، وموزعين لأسباب متعلقة بتقديرات إدارة السجن، بأننا محرضين، وأننا نسبب المشاكل، وأننا نحن، أسرى الجولان، نقف وراء فضح الممارسات الإسرائيلية في سجن الجلبوع, فبعثرونا بشكل مفاجئ، جاء قرار توزيعنا  في كل السجون الإسرائيلية. سألنا عن السبب فقالوا انه قرار من إدارة السجون، ومرتبط بتقارير استخبارية حول نشاطات  نقوم بها.  بعد ذلك حاولنا نحن الأسرى أن نستجمع قوانا بعد توزيعنا الجغرافي والسكني، حتى أعلن الإضراب الأخير عن الطعام ، وبدأنا بتقديم الطلبات لتجميع أسرى الجولان في معتقل  واحد، للتخفيف على الأهل، لأن توزيعنا في كل المعتقلات  كان عبئاً كبيراً على الأهل في الزيارات، من حيث المسافة التي سيقطعوها من الجولان إلى بئر السبع مثلاً، أو أن يسافروا للزيارة في باص واحد، بدلاً من أن تستقل كل عائلة سيارة لتزور ابنها، كذلك هناك عائلات لديها معتقلين  في السجن، هؤلاء كانوا يزورون في سجنين مختلفين، مثل عائلة الأسيرين بشر وصدقي المقت، حيث كانت العائلة تزور بشر في عسقلان وصدقي في بئر السبع، فكانت الزيارة عبارة عن مأساة. قدمنا الطلبات لإدارة السجون وشاءت الصدف أن يتزامن ذلك مع مشروع بادرت به إدارة السجون لتجميع أسرى الداخل والجولان في قسم واحد في سجن الجلبوع. حاليا رفاقي موجودون في سجن الجلبوع. عشت معهم بعد تجميعنا في سجن واحد مدة أسبوع، كنت موجوداً مع قسم من الرفاق في غرفة واحدة، وهم: سميح وكميل وعباس وكمال  خرجت من هذه الغرفة إلى المستشفى. باقي الرفاق كانوا موزعين  في غرف القسم كله. هذا الأسبوع الذي عشته معهم بعد،  كان أسبوعاً مليئاً بالمشاعر، بعد فترة انقطاع كبيرة، وأنا كنت أعاني من وضع صحي صعب، فعلاقتي  بالرفاق تحددها  قدرتي على الحركة الجسدية التي أعاقت  من رغبتي في لقاء الرفاق الآخرين، فلم أكن أستطيع أن أتحرك بسهولة في هذه الفترة، لان أعراض المرض كانت متفاقمة والالام كانت قد بدات تفعل فعلها في جسدي،، وما من احد كان يعلم  بهذا الذي يحدث معي ، أمضيت فترة حرجة وصعبة ومؤلمة جسديا  ونفسيا ، لان الرفاق لا يمتلكون أي وسيلة لمساعدتي او التخفيف عني ، لهذا كان احتكاكي مع هذا المرض.وهذا التدهور الحاصل بصحتي  في فترة الاسبوع الذي عشت فيه معهم بعد فترة الانقطاع تلك ..

 

مااذا تخبرنا عن وضع الأسرى المعنوي والصحي؟

ا لناحية المعنوية لا داعي للحديث عنها، لأن رفاقي محصنين من هذه الناحية، كلهم من دون استثناء.

 

يقال أن أسرى الجولان يعتبرون حلقة صعبة، وأنه كان من الصعب دائماً على أجهزة السجن الأمنية اختراقهم, هل هذا صحيح، وهل هذا هو السبب الحقيقي وراء قيام إدارة السجون بتفريقكم؟

 

نعم هذه صحيح, أسرى الجولان من الحلقات الصعبة في السجن، وهناك عدة أسباب لذلك، منها البيئة التي نشئوا فيها، ومنها مستوى الوعي لديهم، ولعل أهم الأسباب أن أسرى الجولان بغالبيتهم العظمى متعلمين، وعلى درجة عالية من الثقافة والوعي، وبالتالي هذا يمنح الشخص حصانة نفسية ومعنوية، أضف إلى ذلك حس الانتماء الموجود لدى أسرى الجولان، فهو فريد من نوعه. وهذا مهم فإذا أخذنا واقع الجولان كمعاناة، نجد أن الجولان لا يعيش بوضع عسكرة ومضايقات، مثلما يحدث في الضفة وقطاع غزة, لكن على الرغم من هذا كله تجد مناضلين يقررون أن يناضلوا وان يدفعوا ثمناً غالياً جدا للمحافظة على انتمائهم، في الوقت الذي فيه كل مجالات الحياة مفتوحة أمامهم. بتقديري إن أي شخص يختار هذه الطريق تكون لديه الحصانة النفسية والمعنوية بما يكفي أن يواجة كل الصعاب. بتقديري كل رفاقي في السجن، من دون استثناء، لديهم الحصانة النفسية والمعنوية والأيديولوجية، ما يكفي لإقلاق أجهزة امن مديرية السجون، وبالتالي كل الذي يحدث معهم من حالات التفريق والتنكيل يهدف إلى إضعافهم، لكن إدارة السجون لا تستطيع التغلب عليهم ونجدها تفشل دائماً.

 

هل كان لأسرى الجولان وجود خاص داخل السجن؟

دائما كان لأسرى الجولان وجود خاص داخل السجن، لانهم  يمثلون هوية قومية وطنية سورية ، من خلال إطار وطني مستقل اسمه حركة المقاومة السرية، اطار ممثل بكل مؤسسات المعتقل. علاقتهم مع الفصائل علاقات متوازية، وهم ليسوا جزءًا من أي فصيل. علاقاتهم متساوية، قائمة على أساس الاحترام المتبادل، بينهم وبين كل الفصائل الفلسطينية والغير فلسطينية، أسرانا موجودون كفصيل مستقل له كامل الحقوق مثل أي فصيل آخر في كافة مؤسسات السجن: من لجان نضالية، ولجان حوار، ولجان وطنية، حتى في مرافق العمل داخل السجن لديهم حضور ووجود، مثلهم مثل أي فصيل أخر باعتبارهم تنظيم سوري  يمثل الهوية الوطنية السورية لمواطني الجولان داخل السجون والمعتقلات الاسرائيلية.

 

كيف ينظر إليكم الأسرى الفلسطينيون؟

علاقتنا معهم قائمة على أساس وحدة المصير ووحدة النضال، قائمة على أساس الاحترام المتبادل, ففي النهاية نحن ساحة قومية واحدة في فلسطين ولبنان وسوريا، ونضالنا واحد ضد عدو واحد، احتل أراضينا، إن كان في لبنان أو فلسطين أو الجولان، هذا الهدف الأساسي الذي يجمع كافة المناضلين داخل المعتقل، كل العلاقات الأخرى المحيطة مرتبطة بهذا الأساس. اللبناني يعتبر شريك في النضال لتحرير الجولان، مثلما السوري يعتبر شريك في التحرير بما تبقى من أراض لبنانية وفلسطينية، هذه حالة شراكة بكل معنى الكلمة. لكن على المستوى التنظيمي والإداري الداخلي فهناك نوع من الاستقلالية لكل فصيل، ومن ضمنهم “حركة المقاومة السرية”- وهي التسمية التي يطلقها الأسرى العرب داخل السجون على أسرى الجولان المحتل، وهو الإطار الوطني الذي يحوي  بداخله  كل مناضلي الجولان القابعين في السجون الإسرائيلية، فهو يؤطرهم  ويوفر لهم كل الإمكانيات للانسجام والاندماج في مواقع الاعتقال المختلفة  بالطريقة الامثل، ضمن برنامج قائم طالما بقي هناك احتلال وأسر فهو سيظل قائماً.

لا يزال أهل الجولان يذكرون وقفة  العز التي وقفتموها في المحاكم الاسرائيلية، بعد اعتقالكم، حيث رفضتم الوقوف دائماً للقاضي الإسرائيلي، وأنشدتم النشيد العربي السوري مع بداية كل جلسة. في هذا السياق تردد كثيرا على السنة الناس أنه كان عليكم التصرف بعقلانية أكثر، وعدم استفزاز القاضي وسلطة الاحتلال، وأنه لوتصرفتم بهذا الشكل لحصلتم على أحكام أقل؟

أولا ، لا علاقة على الإطلاق بين الأحكام الجائرة التي حوكمنا بها، وبين الذي حصل في جلسات المحاكم العسكرية، لأننا وهذه حقيقة بلغنا بالأحكام الجائرة التي ستصدر بحقنا مباشرة بعد انتهاء التحقيق معنا. من قبل ضباط المخابرات ” الشين بيت”  أي قبل صدور الاحكام بفترة طويلة وما المحاكمة إلا تمثيلية إسرائيلية  لذر الرماد في العيون.

لقد عبرنا  بمواقفنا أثناء المحاكمة،  عن حالة الانتماء العميق للوطن، فأرضنا تنتهك يوميا من قبل الاحتلال، منذ بداية المحاكمة كنا رافضين للمحكمة العسكرية في اللد وشرعيتها ، باعتبارها محكمة احتلال، فهي تحاكمنا كمواطنين سوريين، في الوقت الذي لا يحق لها أن تحاكمنا. المفترض هو محاكمة المحتلين بكل مؤسساتهم. العمل المقاوم  الذي قمنا به هو عمل مشروع، عمل مقاومة لوجود محتل اغتصب  أرضنا، هذا عمل مشروع بكل شرائع الدنيا، فلا تستطيع النظر إلى هذه المحكمة إلا بنظرة اشمئزاز. فبأي حق أيها المحتل تحاكمني؟ في الوقت الذي أنا يجب علي أن أحاكمك! فكان تعاطينا مع المحكمة  برفض التعاطي معها مطلقاً، وعدم الاعتراف بشرعيتها، ورفضها من كافة النواحي. لقد اعتقلنا الجيش الإسرائيلي وأتى بنا بالقوة إلى المحكمة، لكنهم لم يستطيعوا أن يفرضوا علينا الوقوف للقضاة داخل المحكمة،  أو الاعتراف بها،  والوقوف بالمحكمة للقاضي  من علامات احترام القانون والقضاة الذين يحاكموك، ونحن لا نحترم  هذا القانون الغير شرعي ولا نعترف به ، ولا بمؤسسات الدولة التي تحتلنا  وتحاكمنا، فتعاطينا مع المحاكمة كان لرفضها  اصلا ورفض الاحتلال  ، ولذلك عوقبنا فيما بعد بعدم حضورنا أية جلسة من جلسات محاكمتنا. في الجلسة الأخيرة من المحاكمة كنا نعلم أنهم سوف يطلقون علينا أحكاماً قاسية، ومع ذلك فقد أردنا أن نعلن عن موقفنا بشكل لا يقبل اللبس، بأننا كنا وما زلنا عرباً سوريين، فأنشدنا النشيد العربي السوري داخل المحكمة، لأننا أردنا أن نفهمهم بأننا ننتمي إلى أمة حرة عريقة ، وأننا لن نركع ، مهما طال الاحتلال .

لقد تحدثنا رفاقي وأنا كثيراً حول هذه الحادثة، وأؤكد لكم أنه لم يراودنا الشعور بالندم بتاتاً، حول تصرفنا هذا، وأنه لو عدنا الآن، وبعد عشرين عاماً، للمحكمة لتصرفنا بالضبط على هذا النحو.

بعد عشرين عاما في السجن ماهو شعورك بالعودة إلى الجولان الحبيب، وما هو انطباعك الأول؟

من الصعب التعبير عن ذلك، لأن هناك قيود يفرضها المرض على تنقلي ومقابلتي للناس. كل الوقت داخل السيارة أحاول أن أتعرف على معالم البلد والمنطقة، فالقيود المفروضة علي نتيجة المرض منعتني من النزول إلى الشارع، أو التكلم مع الناس، ومنعتني من الاحتكاك بالناس، ففترة أسبوع غير كافية.  ومعظم الوقت انا متواجد داخل غرفتي، اطل من خلال الباب العازل على المهنئين والزوار، رغم كل هذا التناقض الإنساني بين الرغبة والحاجة، أحيانا ارغب في تحطيم كل شئ حولي،لكنها حاجة مواجهتي مع المرض تجعلني أتحمل واصبر اكثر، فأنا بالنهاية سأنتصر على المرض. مهما اشتد علي.

نتيجة الاستقبال الذي حضيت به عند عودتي تعمق لدي الإيمان بهذا المجتمع، وتجددت الثقة بأن في هذا المجتمع إمكانيات نيرة للتعامل مع هدف وفكرة واحدة، وأمنيتي بان يتكرر هذا الحشد الكبير، الذي كان وقت الاستقبال، في كثير من المناسبات والمواقف، التي تتطلب مثل هذا الحشد، إن كان على المستوى الاجتماعي، السياسي، أو الفعل المقاوم .

بالنسبة لتفاصيل الحياة السياسية في الجولان، فأنا لم ادخل فيها بعد، لكني اعتقد ان الجولان يعيش حياة سياسية مثل أي منطقة أخرى, فيه حالة من التنوع الفكري والسياسي والإيديولوجي، وهذا شيء طبيعي وصحي جدا، والصحي أكثر أن يكون هناك مقدرة لدى هذه القوى داخل هذا المجتمع في التعايش مع هذا الخلاف بشكل صحي ومتفهم، لأنه يوجد الرأي والرأي الأخر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وليس بالضرورة أنا الصح وغيري الخطأ المطلق، لدي نسبة عالية من الصح، وعند غيري نسبة عالية من الصح أيضاً. المهم أن نلتقي، خاصة أننا نعيش تحت احتلال، والهم الأكبر والأوحد أن نوحد كل قوى الجولان، على اختلاف مشاغلها، ضد الاحتلال بكل ما يحتوي من تفاصيل، ان كان على المستوى الأمني أو السياسي، أو على المستوى المعنوي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. هذا هو الهم الأوحد لتلاحم قوى الجولان، وان تكون نقطة ارتكاز للنشاط، بغض النظر عن الخلافات الثانوية والجزئية، والتي بكثير من الأحيان، في ظروف منطقتنا وصغرها، يتحول الخلاف الثانوي إلى خلاف رئيسي، ونختلف عليه سنوات، مثلما حدث في السنوات الماضية. ما أتمناه أن يكون هذا الحشد الكبير تعبيراً حقيقياً عن استعداد دائم  لخلق نوع من أنواع الوحدة، عن مقاومة الاحتلال، بكل تفاصيل سلوكيات الجماعة. وبالنهاية الذي لديه ثقة بمجتمعه يجد كل الحماس والغيرة على وطنه.

إن قضية مرضي لا أتعاطى معها كقضية استثنائية كثيرا، فحالة المرض اعتبرها حلقة مواجهة إضافية يعيشها الإنسان في حياته. كل إنسان معرض لهذا الموقف في حياته، صحيح أنه ليس كل إنسان معرض للاعتقال عشرين عاماً، وبعدها مرض، لكن كل إنسان معرض لحالة مرض، قد تكون أصعب من مرضي الذي أعاني منه، وأنا أتعاطى مع المرض كحالة من حالات المواجهة الأخرى. عشرين عاما في حالة مواجهة مع كل شيء يمس حياتنا، إن كان خارجياً مفروضاً نتيجة الاحتلال، وان كان داخلياً، وهذه الحالة اعتبرها استكمال لحالة المواجهة السابقة، ولكن أؤكد أن هذا المرض لن يستطيع أن يهزمني، لأنه خارج من داخلي، وليس مفروضاً علي من الخارج، وأنا اعرف نفسي جيدا واعرف كيف أواجهه.

 

كنت منفعلاً كثيراً، ومازلت، نتيجة الحماس والدعم الذي حصلت عليه، ومن كافة المستويات في كل الجولان، إن كان على مستوى رفاقي المحررين, أو على مستوى أهلي, أو على مستوى محامين وأطباء، وعلى مستوى الرأي العام، وعلى مستوى كل الناس. حالة التجند التي حدثت بمجرد سماع الناس عن مرضي وانتقالي إلى المستشفى كانت كبيرة بشكل لا يوصف ومثيرة للانفعال، وكانت، وما زالت، احد روابط القوة الأساسية بالنسبة لي مواجهة هذا المرض. كنت اعلم بكل التحيات من خلال اهلي ورفاقي الاسرى المحررين، وبكل تلك الجهود التي بذلت وتبذل من اجل انتزاع حريتي اولا ، وتوفير افضل وسائل العلاج للتغلب على مرضي،بكل افرازاته الصحية والنفسية.

 

أحب أن أوجه تحية من قلبي لكل الناس، وخاصة لأولئك الذين ساهموا بكلمة طيبة على الانترنيت، أو الزيارات إلى المستشفى والاستفسار عن حالتي، إلى المحامين الذين تراكضوا من محكمة إلى أخرى للدفاع عني، إلى الأطباء والممرضين والممرضات الذين بذلوا جهوداً خارقة لرعايتي والتخفيف عني، وما زالوا ، إلى رفاقي الذين بقوا بشكل دائم بجانبي في المستشفى، والبيت وفي حيفا ، وإلى كل من أرسل لي تحية شدت من أزري.  أود أن أرسل تحية إلى كل هؤلاء،  واعانقهم  واحضنهم ، وأتمنى أن أكون على مستوى المسؤولية. أوجه تحياتي أيضاً إلى كل من تعاطف معي من خارج الجولان: من لبنان وفلسطين وسوريا، وأقول لهم أن المرض لن يهزمني، وأن الحياة هي الأقوى، وأتمنى أن تتكرر حالة التضامن هذه مرة أخرى عندما يتحرر باقي رفاقي من الأسر. وهنا أتمنى أن نحرر أسرانا بأيدينا، أن يتحرروا بفضل جهدنا نحن السوريين، وإذا كانت الحكومة السورية لا تستطيع أن تفعل هذا الشيء علينا نحن الجولانيين أن نفعله بأنفسنا، واعتقد أن لدينا بعض الوسائل لذلك، فتعالوا نوحد القوى من كل قطاعات الجولان، على المستوى الشعبي، وعلى مستوى المحاميين والأطباء،  وكافة اللجان والمؤسسات والناشطين ،من أجل إطلاق سراح رفاقي المتبقين داخل المعتقل، هذه هي المهمة الأكبر التي ينتظرها الجولانيون.

 

تحياتي اليكم جميعا وشكرا لكم على هذا المجهود الإعلامي الذي اعبر فيه من خلالكم عن شكري العميق لكافة الوسائل الإعلامية المحلية  في الجولان وخارجه.

 

 

عن astarr net

شاهد أيضاً

FB_IMG_1685372612065

زهرة جولانية تتحول لنجمة

      زهرة جولانية تتحول لنجمة عشتار نيوز للاعلام/ سميح ايوب من آلام المخاض …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: النسخ ممنوع !!