جبل الشيخ سلة اقتصادية إسرائيلية لـ “الاستيطان الصامت”
شبكة جيرون الإعلامية
أيمن أبو جبل 24 فبراير، 2019
يتمتع الجولان السوري المحتل بخيرات طبيعية ومميزات جغرافية عديدة، وتستغل “إسرائيل” جمال الجولان وثرواته، لجلب الأرباح الاقتصادية إلى خزينتها، ومن تلك الخيرات، جبل الشيخ “حرمون” في الجولان السوري المحتل، حيث يجتذب سنويًا مئات الآلاف من المتنزهين الإسرائيليين، ويصل عدد الزائرين إلى حرمون، في موسم التزلج في فصل الشتاء، إلى نحو 12 ألف زائر يوميًا، وتجني الخزينة الإسرائيلية (وفق الاتفاق الموقع بين مستوطنة نفي أتيب ودائرة أراضي إسرائيل) نحو 5 بالمئة من واردات المنتزه، فيما تدخل الأرباح المتبقية إلى خزينة المستوطنة الإسرائيلية التي تسيطر على المنتزه.
منحت الدولة العبرية، منذ السبعينيات، مستوطنة “نفيه أتيف” التي أقيمت على أنقاض قرية جباثا الزيت السورية، غربي بلدة مجدل شمس، حقوقَ الملكية والسيطرة على موقع حرمون، والتمتع بمردوداته الاقتصادية، عن طريق تحديد رسوم دخول عالية، على الرغم من أن هذا المورد الطبيعي الوطني هو “ملك عام”، كما تعتبره دائرة أراضي “إسرائيل” التي أرادت استلام حصتها من الأرباح.
أقامت الوكالة اليهودية وجهات أخرى عام 1971 السلّة الهوائية الأولى، في جبل الشيخ، واليوم هناك أربع سلال أخرى، وثلاثة عشر مسارًا للتزلج، وبحسب قوانين وزارة السياحة الإسرائيلية، فإن تكلفة الدخول إلى المنتزه للبالغ 39 شيكل، و34 شيكل للصغار حتى عمر 12 سنة، أما تكلفة السلال الهوائية فتبلغ 43 شيكل للبالغين و38 شيكل للصغار، والزلاجة الثلجية 30 شيكل للكبار، و25 شيكل للصغار، والرحلة الجماعية (حافلة 50 شخصًا) 1700 شيكل، ولباص الطلاب حتى 50 شخصًا تبلغ 1400 شيكل، وحددت ساعة الدخول من الثامنة صباحًا حتى الثانية بعد الظهر، وللسيارات حتى الساعة الثالثة بعد الظهر (قيمة الدولار للشيكل الإسرائيلي تُعادل 3.70).
تستثمر مستوطنة “نفي أتيب” الإسرائيلية المنتجع السياحي في جبل الشيخ على مساحة 5000 دونم، من مساحة حرمون، حيث تسيطر “إسرائيل “ugn على حوالي 70 كم مربعًا، وتُشكّل 7 بالمئة فقط من مساحته، ويصل ارتفاعه إلى 2814م عن سطح البحر، وذلك في أعلى قمة له وتسمى “قصر شبيب”، بين الحدود اللبنانية السورية، ويمتد بشكل طولي من الشمال إلى الجنوب، فيبلغ طوله قرابة 80 كم، أما عرضه فنحو 30 كم، وأقامت “إسرائيل” في قممه العالية أربعة مراصد عسكرية ومراكز استخبارية، منها “مرصد شلغيم” بارتفاع 2224. وهناك موقع باسم أسترا، وجبل الروس في مزارع شبعا، ومرصد البوفور، وجميعها تطل على الأراضي السورية، ومعسكر الكوماندو السوري، وقرية حضر وبيت جن ومزرعتها، ويمكن رؤية أحياء دمشق من هذه القمم، وأقامت الأمم المتحدة، بعد اتفاقية فصل القوات في العام 1974، أربعة مواقع عسكرية لها، للإشراف على اتفاقية فصل القوات بين سورية و”إسرائيل”.
يضم جبل الشيخ ثلاثة قمم: الأولى في الشرق وعلوها 2145م، والثانية في الغرب وعلوها 2294م، وتُسمى الثالثة “قصر شبيب”، وهي الأعلى، وعلوها 2814م. في القسم الجنوبي الغربي منه، وأقامت فيه مسارات تزلج عديدة، قسم منها بمواصفات على المستوى الأولمبي الدولي، ويعترف بها اتحاد التزلج العالمي FIS، إضافة إلى 11 قطارًا هوائيًا، ومدرسة لتعليم التزلج، ومحال تجارية، ومطاعم ومعدات خاصة بالتزلج، وعيادة طبية، وفي فصل الشّتاء يصل عدد زائري الموقع إلى 300.000 سائح، بينما يصل عددهم في الصيف، إلى 40,000 سائح، ويعمل في موقع جبل الشيخ نحو 280 عاملًا وعاملة من أبناء قرى الجولان المحتل، خلال موسم التزلج، وهناك نحو 15 عاملًا مُثبتين بشكل سنوي، يعملون في الموقع (في أعمال الصيانة، وتشغيل المنتجع خلال فترة الصيف أيضًا).
وقد شهد الجولان المحتل، خلال السنوات السابقة، صراعًا خفيًا على “صناعة السياحة المحلية” في الجولان المحتل، بين مواطني الجولان السوريين والمستوطنين الإسرائيليين في مستوطنة “نفي أتيب”، حيث وصل قبل عدة سنوات إلى محاولة حرق مطعم وحانوت لبيع وتأجير مستلزمات وأدوات التزلج على الثلج، وحامت الشكوك حول اثنين من الإداريين العاملين في إدارة منتجع جبل الشيخ، وحاول مجلس المستوطنات الإسرائيلية في الجولان المحتل، إغلاق الأكشاك المنتشرة على الطريق المؤدية إلى جبل الشيخ، ويديرها مواطنون ومواطنات من الجولان المحتل، لبيع “السندويش، الحموصة، السحلب، المشروبات الساخنة الخفيفة، والتفاح الجولاني”، لتوفير مورد مادي لعائلاتهم.
وأثّرت أهمية السياحة المحلية في الجولان المحتل ومردودها الاقتصادي على مئات العائلات الجولانية، التي تحاول إثبات حقها من حركة السياح، وخاصة في الطريق إلى منتجع جبل الشيخ، التي تمر عبر بلدة مجدل شمس، حيث يبلغ عدد السياح إلى الجولان المحتل نحو 3 ملايين سائح سنويًا، وتتطلع السلطات الإسرائيلية إلى مضاعفة هذا العدد ليصل إلى ستة ملايين سائح، ويبلغ مردود الدخل السنوي للمستوطنات الإسرائيلية في الجولان المحتل، من قطاع السياحة والسياحة الريفية نحو مليار دولار، ولا تحصل القرى السورية المحتلة منه، على أشياء تستحق الذكر، ولا تحصل أيضًا على استثمارات من أي مشاريع سياحية، باستثناء ما يحاول تطويره رجال أعمال من أبناء القرى السورية في الجولان المحتل، كمشاريع سياحية خاصة (غرف سياحية، منتزهات ريفية بين البساتين، فنادق سياحية بجودة عالية، كفندق “النرجس” الذي يعد أول فندق في الجولان المحتل، ينافس “الفندقة” في المستوطنات الإسرائيلية) في ظل دعم حكومي غير محدود للمستوطنات الإسرائيلية، مقابل منع سوريي الجولان من الهبات أو المساعدات أو الاستثمارات، أو إقامة مشاريع تخدم السكان السوريين، الأمر الذي يحتم العمل -بكل الطرق والوسائل- على جذب السياح العرب من مناطق الداخل الفلسطيني ومناطق القدس المحتلة لزيارة الجولان، عبر سكانه المحليين، وعدم تشجيع سياحة الاستيطان الإسرائيلي، بعد أن أصبح الجولان السوري المحتل المنطقة السياحية الأكثر زيارة لدى الإسرائيليين، ويدرّ على خزينة الدولة العبرية نحو مليار دولار.
جبل الشيخ/ حرمون في التاريخ
تحدثت عن جبل الشيخ شعوب كثيرة، استوطنت المنطقة منذ أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، إلى درجة أنهم قدسوه وشيدوا فوق قممه المعابد، معبد (بعل حرمون) القابع فوق أعلى القمم، حتى صار يعرف بينهم على أنه جبل الإله بعل، في حين درجت بعض الشعوب التي عبدت الشمس أيضًا على حمل الجرار المليئة بالماء من البحر، في أواخر كل صيف، وسكبها فوق أعلى وأقرب نقطة إلى الشمس حيث يقوم المعبد، ومن ثم الصلاة والدعاء لنيل موسم ماطر وخير وفير.
هذه القداسة التي حظي بها الجبل ظلت راسخة على مدى عصور طويلة، فالسيد المسيح صعد الجبل بعد زيارته لمدينة بانياس، وتجلى فوقه بصور نورانية فاق فيها الضوء المنبثق من وجهه وثيابه نور الشمس.
ثمة طبيعة من نوع مختلف للعلاقة التي ربطت الشعوب المختلفة بالجبل، حيث تحصنت فيه الجيوش، وهذا يعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وقد دونه الملك الآشوري شلمنصر.
من ناحية أخرى، فإن جميع ممالك بلاد الرافدين قد استوردت أخشاب شجر الأرز الذي كان ينمو بوفرة في الجبل، حيث عوض عن أشجار النخيل التي تنمو عندهم لكن جذوعها الطويلة ليست بمثل متانة شجر الأرز، التي تقوى على حمل سقوف المباني والبيوت السكنية.
وقد درج الفراعنة أيضًا على فعل الشيء ذاته، فأرسلوا بعثات تجارية لقطع شجر الأرز، ونقله عبر البحر في سفن قدر عددها في كل بعثة بـ 40 سفينة، إلى جانب أنهم نقلوا الثلوج التي تغطي الجبل طوال أيام السنة، عبر ميناء صيدا إلى قصور الفراعنة والباحات العامة في المدن المصرية وظلت هذه العادة منتشرة، فبعض الناس قد امتهنوا نقل الثلوج وبيعها في أيام الصيف القائظ.
وربما يكفينا التعرف على المسميات العديدة التي أطلقت على الجبل، حتى تتأكد لنا منزلته الرفيعة عند الشعوب، فالعرب أطلقوا عليه اسم “جبل الثلج“، وقد ورد ذلك في قصيدة لحسان بن ثابت يمدح فيها أخواله من آل جفنة الغساسنة، فيتبين لنا بالتالي أن تسمية “جبل الشيخ” حديثة نسبيًا، واختلفت الآراء في أصولها إذ هناك رأي يقول إنها جاءت تشبيها للجبل المكسو بالثلوج على مدى حول كامل بالرجل الشيخ الذي كلل البياض هامته، وهناك رأي يرد إلى زمن الحملات التي قام بها القائد التركي أحمد كجك على إمارة فخر الدين المعني، حيث كان جنوده يتوجهون إلى قرية عين عطا القريبة من الجبل، بهدف القبض على الشيخ الفاضل (محمد أبي هلال) لكن الشيخ كان معروفًا بتقواه وزهده لدرجة أنه كان يتخذ له مغارة في الجبل يتعبد فيها، فكان جنود أحمد كجك، عندما يقصدون بيته، يقال لهم “الشيخ في الجبل” ومن هنا جاءت تسمية جبل الشيخ.
من الأسماء الدارجة حتى اليوم، “حرمون” وهو يعني المقدس، وقد ورد الاسم في ملحمة جلجامش، في العبارة التالية: “أرض جبل الأرز حرمون هي أرض الخالدين” كذلك ورد في معاهدة السلام التي وقعها الملك الحثي حاتوشيلي الثالث مع الفرعون المصري رعمسيس الثاني في عام 1272 قبل الميلاد.
كما عرف الجبل كذلك باسم “أرض شوب” أي أرض الإله شوب إله الهواء عند الحوريين، ولا زالت قرية كفر شوبا الواقعة في منطقة العرقوب تحمل الاسم، وفيها ينتصب معبد ضخم لبعل جاد، وهو نفسه بعل حرمون.
وفيما يلي باقي التسميات:
– الكنعانيون سموه سعار.
– الأموريون سموه شنير.
– الفينيقيون سموه سيرون.
– الآشوريون سموه سفيرو.
– الصيدونيون سموه حرمون سيرون.
– الآراميون سموه طور ثلجا.
– اليونان والرومان سموه أنتيليبانوس أي المواجه للبنان أو المطل على لبنان.
هذه كلها أسماء لجبل الشيخ، عند مختلف الشعوب التي خلفت آثارًا عديدة فوق الجبل وعلى سفوحه نذكر منها:
– أجران المطابخيات فوق تل الجراجمة على الجانب اللبناني.
– المدافن الرومانية في منطقة برقش قريبا من قرية بيت جن.
– قلعة جندل
– مدينة بانياس وقلعة الصبيبة.
– بير نصوبة غربي مجدل شمس،
جرن العصفورة غربي مجدل شمس
– وأخيرًا قصر شبيب أو قصر عنتر، وهو معبد قديم لبعل حرمون نسجت حوله في العصور الحديثة أسطورة تقول: إن شبيب كان أحد ملوك بني تبع اليمنيين الذي شيد قصرًا فوق الجبل ليقضي أيام الصيف فيه، وعلى الرغم من وجود قصر تاريخي في منطقة الأزرق في الأردن يحمل اسم شبيب، فإن التسمية والقصة التي تخص جبل الشيخ لا صحة تاريخية لها، وإنما أصل المكان معبد وثني، يتكون من باحة مستديرة محاطة بسور مبني من الحجارة البيضوية الشكل بطول متر واحد لكل منها يلي ذلك، قبة مخروطية الشكل في أعلاها فتحة، وفي الداخل يوجد مغارة (قدس الأقداس) بعمق 3 أقدام وارتفاع 8 أقدام، توضع فيها النذور. والمساحة الكلية للمعبد تبلغ 30-50م في العام 1869م عثر على نص من العصر الروماني محفور بجانب جدار المعبد، كتب عليه عبارة “بأمر الإله الأعظم المقدس الذين أقسموا من هنا” ويعتقد أن القصد من “الإله الأعظم” هو بعل حرمون نفسه، أما الحجر فقد نقل إلى المتحف البريطاني، ومما عثر عليه في المعبد أيضًا نقود من العصر الأموي، وهي محفوظة في متحف القنيطرة، وتدلل على استخدام المعبد حتى ذاك العصر.
المراجع
1- مفيد توفيق سرحال، “حرمون الجبل الشيخ”، بيروت.
2- جبل حرمون – وزارة السياحة اللبنانية.
3- موقع الجولان الإلكتروني.