من باع ليس كمن ملك .. سيادة
عشتار نيوز للاعلام والسياحة/ مقالات الرأي / المهجرين السورين
بقلم رواد ابراهيم : مهجر من ابناء قرية فيق / الجولان السوري المحتل/
اللحظات الأخيرة لرحلة النزوح الثانية لأبناء الجولان بعد نزوح أجدادهم سنة 1967
القنيطرة المهدمة ..القنيطرةالمنسية …الجولان السوري
في ذكرى النكبة عام 2011م، وعلى الحدود مع الجولان السوري المحتل، أمام قرية مجدل شمس، كان الشريط الشائك الإسرائيلي، أوهن من بيت العنكبوت، باندفاعة مواطنين مسالمين، فلسطينيين وجولانيين، كسروا حاجز وهم الممانعة، فمشوا على ألغام صدأت منذ العام 1967م. كان التاريخ أقرب من الطفرة، وأصدق من وصول شابين فلسطينيين إلى العمق الفلسطيني في القدس والضفة الغربية، وقد فعلا.
في أواخر العام 2011م، كان لنا غرفة اجتماعات على «السكايب»، كناشطي حراك ثوري من مختلف مناطق دمشق، زار غرفتنا تلك انذاك ، ضيف من الكونغرس الأمريكي، برفقة صحفي ومترجم. توقف عندي بكثير من الأسئلة، كوني احد ابناءالجولان المحتل، وسأل: ماذا تريد؟ أجبته: إسقاط نظام الأسد، قال: ماذا تريد من الجولان؟ قلت: أرض سورية محتلة من قبل اسرائيل منذ العام 1967م. وفي /14/12/1981، أصدرت إسرائيل قراراً، ينص بتطبيق القانون الإسرائيلي على الجولان السوري المحتل، اعتبره مجلس الأمن الدولي في /17/12/1981 بقراره ذي الرقم (497) قراراً لاغياً وباطلاً، وأيدت الإدارة الأمريكية قرار مجلس الأمن. قال: هل أنت مع الخيارات السلمية في استعادة الجولان، أو مع غيرها؟. قلت: مع كل الخيارات، التي تكفلها الشرعية الدولية، للشعب السوري. انتهى النقاش مع ضيف الكونغرس الأمريكي
في العام ذاته اختار رئيس سوري خياره الامني لمعاقبة الشعب السوري الذي طالب بالحرية والكرامة، وباع الوطن السوري كله في سوق النخاسة السياسية بثمن بخس، للمحافظة على كرسي الحكم . محكما قبضته الامنية وبراميل الموت والقتل الممنهج على كافة ابناء الشعب السوري ..
وكجولانيين عانينيا الامرين منذ ما يزيد عن 52 عاما من اللجوء والنزوح والفقر والبطاله والتميز والاهمال ، أُجبرنا اسوة بملايين السورين الى النزوج ثانية عن بيوتنا ومخيماتنا واحياؤنا مرة واثنتين وثلاث هربا من الموت وبراميل القتل والدمار والاعتقال من ريف ريف دمشق الى القنيطرة الى حلب الى بلاد الاغتراب القسرية وكنا شهود على موتنا مرة من قبل اسرائيل في العام 1967 ، ومرات من قبل حكمنا الوطني القمعي الذي عمد الى تثبيت نظامه بالعنف والقتل ، واستقدم حلفاء له لتأخير موعد دفنه الات لا محال.
كشهود عشنا هذا الكارثة الوطنية، فقد اقدمت اسرائيل على تثبيت نظام الاسد عن طريق ابتزازه وتأخر سقوطه، فحاولت اظهار نفسها المنقذ الاخلاقي والانساني بمعالجة الجرحى والمرضى والمصابين جراء حرب الابادة التي تعرض اليها شعبنا، بعد اغلاق الاردن حدودها بوجه النازحين السورين ورفض استقبالهم وتقديم العون الطبي للجرحى، حيث كانت الساحة الاعلامية مفتوحة على مصراعيها للناطق الرسمي باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي لتكتسح شعبيته عقول الالاف المواطنين الابرياء من المدنين ويتبجح بشكل علني عن وقوف اسرائيل مع ضحايا الحرب السورية لكنه في الحقيقية، كان يروج لاسرائيل ان تلعب دور القوة الناعمة في المشهد السوري، وبالتوافق والتنسيق مع الموقف والدور الروسي الذي ساهم تدخله العسكري والامني مع النظام في انقاذه ومنع سقوطه في المعارك التي جرت على مشارف دمشق، لا سيما بعد بدء الحصار، وتوالي المجازر (مجزرة حجيرة ـ مجزرة السيدة زينب .. مجزرة جديدة الفضل) التي استهدفت أبناء الجولان في جنوب دمشق وغربها، وتوافدهم وانتشارهم لاحقاً في ريف دمشق الغربي ، من جديدة الفضل حتى سعسع غربا، ومن صيدا الجولان في القطاع الجنوبي من القنيطرة ، حتى جباتا الخشب شمالا، إضافة إلى روافد أخرى من أماكن نزوحهم المختلفة بريف درعا الغربي، مما ساهم بمد المنطقة الجنوبية بقوة العنصر البشري، أمام ظهور صيحات ثارات الحسين من الاتجاه الأخر التابع لقوات الأسد، مما أعطى زخما لمعركة (..وبشر الصابرين) التي جرت في 15/9/2015م، التي شارفت على الأوتوستراد الدولي القديم، من جهة عين نورية وكوم الباشا، وخان أرنية، التي باتت أقرب من مرمى البصر، وتحت نيران المقاتلين، أما أوتستسراد «السلام» الذي عُبِدَ ليربط دمشق بإسرائيل، فقد أصبح خلفهم، بعد أن اعتلوا تلالا عدة، منها تلول فاطمة وتل البزاق والشعار وغرين وطرنجة وسرية طرنجة، تزامنا مع تحرك جباتا الخشب، وبيت جن المتاخمة لريف دمشق الغربي، وصار قريبا بالتكتيك توفير طرق امداد لسعسع وخان الشيح المحررتين من نظام الأسد، واستراتيجيا لاحت شرفات داريا.
خلال أقل من أسبوع، تبدل النصر الى هزيمة تسليم، بفضل ترتيبات «غرفة عمليات الموك» التي تضم اسرائيل إلى جانب أمريكا ومجموعة دول عربية وغربية، غايتها تنظيم الدعم المالي والعسكري لفصائل الجبهة الجنوبية، وبالتأكيد التحكم بقياداته من خلال الإفساد المالي، ولينتهي الصدام العنيف إلى تبريد المنطقة الجنوبية بأسرها، التي وضعت بين فكي الاحتراب الداخلي مع تنظيم الدولة الاسلامية في حوض اليرموك، وبين «منظمات العمل الإنساني»، ومنها إفساح المجال لمنظمة إنسانية (أوربية) جست نبض الشارع في الجنوب، بعد افقاره، بغية إزاحة أبناء الجولان ـ وتحديدا القادمون من دمشق ـ إلى «النرويج»، كنوع من اللجوء الإنساني، غير أنها لم تنجح في مساعيها.
مع بدء معركة الصواريخ في سماء القنيطرة (الجزء المحرر نحو 500كم من أصل 1862 كم)، بين إيران واسرائيل في الشهر الثاني من عام 2018م، حسمت إسرائيل أمرها بالتنسيق مع الطرف الروسي، بتهجير أبناء الجولان الموجودين في الجنوب وقريباً من شريطها الشائك نحو الشمال السوري، و منذ ذلك الوقت، رددت على لسان أكثر من مصدر رسمي، بحق اسرائيل وسيادتها على الجولان السوري المحتل، ملوحة آنذاك بوعد الرئيس ترامب، لاسيما بعد اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، تاليا وافقت إيران على الابتعاد عن الجنوب في مفاوضات عبر الوسيط الروسي، مما أمن لإسرائيل عمقاً أمنياً في الجزء المتبقي من القنيطرة حتى حدود تل الحارة الاستراتيجي غرب درعا، وجرى في الشهر الخامس من العام ذاته، تهجير الدفعات الأولى من أبناء الجولان في جنوب دمشق المحاصر، إلى الشمال السوري المحرر، تبعتها في الشهر السابع، مواكب العالقين في القنيطرة إلى ريفي إدلب وحلب.
لم يكن مفاجئاً، توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الاثنين 25/3/2019م، على وثيقة تعترف من خلالها واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل. إضافة الى “الاعتراف المطلق في أية عملية سلام ممكنة في الشرق الأوسط، بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ما يعني أن عضو الكونغرس السابق ذكره بوصفه ينتمي لمدرسة ملتزمة بتنفيذ جدولها منذ أوباما حتى ترامب وغيره، لم يكن يصدر عن فراغ في انتاج المعرفة عن الثورة السورية والسيطرة على مفاصلها، وأن أية خيارات مستقبلية سواء أكانت سلمية أم غير سلمية، ليس لها مكان لدى بائع يسرق من أرثر جيمس بلفور حكمة من (يبيع ما لا يملك) في ظل واقع عربي، تصر نخبه السلطوية بمعارضاتها الهشة على إعاقة أي تقدم، ولو فطري لشعوب تتوق للحظات من مكر التاريخ على الحدود، بعد ما ملت العيش في أزهى أزمنة الانحطاط.