لقاء مفتوح مع الاسير المحرر سميح سليمان سمارة
من الارشيف 4-4-2006
أجرى الحوار: نبيه عويدات وأيمن أبو جبل
ماذا تحدثنا عن وضع اسرانا داخل المعتقل، وهل تستطيع وصف اللحظات الأخيرة لوجودك بينهم قبل تحررك؟
إجمالا معنويات الأسرى عالية جدا وقوية، أملهم بالحرية لم يخفت، ما زالوا متمسكين بحلم التحرر والحرية. عشت سنوات عدة بينهم ومعهم استفدت منهم الكثير، وكان لنا تجارب نضالية وسياسية ومعيشية واجتماعية عديدة جبلتها معاناة السجن والحرمان والأحلام المشتركة. حين يغادر الأسير رفاقه وزنزانته، فان الحالة الإنسانية للعواطف تكون متناقضة. فمن جهة أنت سعيد بحريتك، وحزين جدا لبقاء رفاق وإخوة لك داخل تلك الزنازين. وهذا الشعور يكون ذاته لدى الأسير وهو يودع رفيقه المغادر، فهو سعيد لحريته وانتهاء رحلة معاناته، وبنفس الوقت، هو صاحب حلم وأمل في تخيل يوم حريته هو. كل أسير أكان من الجولان أم من إخوتي ورفاقي من عرب فلسطين عام 1948، أم أسرى مدينة القدس، أم الإخوة من معتقلي الضفة الغربية وقطاع غزة، يعايش هذا الشعور ويتساءل: متى دوري أنا؟ متى حريتي؟ متى سأعانق والدي واقبل والدتي وأضم إخوتي وأخواتي؟ ومتى هي نهاية هذه الرحلة؟ لكنهم سعيدون بحرية زميلهم.
أوضاع أسرى الجولان على الصعيد الثقافي ممتازة، حيث لكل رفيق برنامجه الشخصي واهتماماته الثقافية والفكرية والسياسية والأدبية والاجتماعية، وجميعهم يمتلكون الوعي والإدراك والحس بالمسؤولية، تجاه قضيتهم وقضية الجولان، والقضايا العربية عامة، لأنهم مدمنو سياسة وحوارات ونقاشات طويلة ومستمرة، فيما بينهم وبينهم وبين إخواننا من الأسرى الفلسطينيين، لكن رغم ذلك تمسكهم بحريتهم وحلمهم في معانقتها اليوم اكبر من أي وقت مضى. حدثت عدة مواقف قاسية جدا، ولكنهم كانوا على قدر كبير من المسؤولية والوعي لتجاوزها، خاصة أثناء عملية التبادل الأخيرة مع المقاومة اللبنانية. فلا يكفى أنهم استثنوا من الصفقة، وهذه كانت خيبة أمل كبيرة لدينا، بل تجاوزوا الضربة القاسية التي وجهها سماحة السيد حسن نصرالله حين قال إننا نحمل الجنسية الإسرائيلية، على مسمع ملايين المشاهدين العرب، وتمسكوا أكثر في الوعودات التي أطلقت من الجميع في سوريا ولبنان والجولان، بان أسماءنا في أول قائمة التبادل في المرحلة الاولى والثانية، ولكن كل ذلك تبخر كما في المرحلة الأولى. مضى الوقت ولم يظهر “رون أراد”، ولم تجر الصفقة، فكان البحث دائما بعد كل خيبة أمل وانتكاسة الوعودات عن أمل جديد في إطلاق سراحه. الأسير لا يستطيع أن يتجاوز سنوات سجنه دون أن يمتلك أملا ما في يوم حريته، حتى الأسير الجديد لديه أمل. الأسرى الفلسطينيون من الضفة الغربية وقطاع غزة لديهم أمل اتفاقيات اوسلوا والمفاوضات. الأسرى اللبنانيون لديهم المقاومة وسلاحها. الأسرى السوريون راهنوا أيضا على المفاوضات الإسرائيلية السورية، كحسن نيه، حين استجابت سوريا للطلبات الإسرائيلية برفع سقف المفاوضات على مستوى وزراء الخارجية ورؤساء هيئة الأركان، استجابت، لكن دون إن تطرح حتى موضوع الأسرى إلا بصورة عامة جداً. تحدثوا عن الأسرى في المفاوضات، نعم، لكنها لم تكن مطروحة على الأجندة السورية بشكل رسمي. كان الحديث عاما وعابراً ، مثله مثل الحديث عن الإنسان المواطن في الجولان المحتل، الذي لم يكن ضمن أولويات المفاوض السوري على الإطلاق في المفاوضات. المواطن في الجولان لم يعد بحاجة إلى الشعارات الرنانة، وكذلك حال الأسير. إن الشعارات والتحيات والخطابات ليست مقومات للصمود. هناك مقومات حقيقة وعمليه وميدانية لهذا الصمود، على الوطن العمل على تقويتها وترسيخها. وهذا من اقل واجبات أي دولة تجاه مواطنيها وأبنائها في الأجزاء المحتلة من أراضيها.
كيف تنظر إلى يوم تحررك واستقبالك الشعبي في الجولان؟
الاستقبال الذي حظيت به كان مؤثرا جدا في نفسي، وهذا من عادات الجولانيين، فهم معروفون بصدق انتمائهم وحسهم الوطني، وفخرهم بالظاهرة الاعتقالية. ان طقوس استقبال الأسرى المحررين هذه مفخرة لكل السوريين وليس الجولان فقط، حيث الجميع يشارك بكل صدق وإحساس، بعيدا عن الفئوية والانتماءات الفكرية والسياسية، فهذه الطقوس هي وطنية تخص كل الجولانيين، لكن اشد ما تأثرت به هو وجود العشرات من الصبايا والشباب أمام بوابة معتقل الجلبوع، أولئك الذين تحملوا عناء السفر والتعب، والانتظار، رغم الجو البارد والماطر، فأتوجه عبر موقعكم بالشكر الجزيل لهم، رغم إنني لم أميز وأتعرف على الجميع هناك بسبب إنني كنت مرهقا ومتعبا، وعواطفي ما زالت تتأرجح بين حريتي الشخصية وسعادتي بها، ومغادرتي للرفاق داخل المعتقل بعد كل تلك السنوات التي عشتها معهم. لكنني كنت مشتاقا، وبصدق، لهذه اللحظة التي أرى فيها الجميع في الجولان الحبيب، وأعانق والدي، واقبل يد والدتي، وأضم إلى صدري إخوتي وأخواتي، وخطيبتي الغالية هادية التي رافقتني في هذا المشوار الصعب، وكل الأصدقاء الأعزاء الذين تركتهم قبل أربعة أعوام ونصف.
مارأيك بالجدل الذي دار مؤخراً عن المطالبة بتبديل الأسرى برفات “أيلي كوهين”؟
بعض الأسرى الجولانيdن والفلسطيننين يعتقد إن قضية الطيار الإسرائيلي “رون أراد” لا يمكن لها ان تحل، بسبب إن الطيار مفقود، ولا آمال جديدة في الأفق معلقة على قدرة المقاومة على انجاز المرحلة الثانية من عملية التبادل. والأسرى بطبيعة الحال يبحثون على الدوام عن آمال وأفكار جديدة لإطلاق سراحهم من داخل المعتقلات الإسرائيلية، فكان أن طرحت ورقة “أيلي كوهين”، وخضعت لنقاشات وحوارات فيما بيننا نحن الأسرى جميعا، كورقة عربية سورية رابحة مقابل قضية الأسرى، خاصة أثناء زيارة وزير الخارجية التركي “عبدالله غول” إلى إسرائيل في العام 2004، حيث قال بعد عودته من زيارة دمشق: “لقد طرحت موضوع ايلي كوهين مع السوريين ووعدوا بان قضيته ستحل خلال المفاوضات الإسرائيلية السورية حول الجولان”، والسيد وزير الخارجية السوري سابقا فاروق الشرع صرح حينها قائلاً: “ان موضوع ايلي كوهين موضوع مفتوح للنقاش فقط بحالة مفاوضات حول الجولان”، أي انه قال ان القضية مفتوحة للنقاش. أنا كنت ارغب وأفضل وأطالب ببقاء قضيته مغلقة في حالة كانت هناك بدائل اخرى، مثل وجود ورقة جنود إسرائيليين تقايض بالأسرى السوريين والعرب، لكن باعتقادي الشخصي إن “أيلي كوهين” لن يجبر إسرائيل أبدا على الانسحاب من الجولان، أو عن أي متر أو شبر واحد، وإن كان هناك أي أمل في إرجاع متر واحد من الجولان إلى السيادة السورية مقابل إعادة “أيلي كوهين”، فنحن أكثر الناس رفضا لمقايضته بالأسرى. “أيلي كوهين” مجرم بحق السوريين والعرب واستحق الإعدام، ولكننا نعيش في واقع مركب، كل الحركات النضالية وحركات المقاومة تعمل ليلاً نهاراً على امتلاك أوراق ضغط رابحة في الصراع مع العدو. فيما مضى حزب الله خطف جنوداً وجاسوساً إسرائيلياً وبادلهم بأسرى، وقبلها الفصائل الفلسطينية استطاعت تحرير المئات من الأسرى من داخل السجون الإسرائيلية، منها عمليه احمد جبريل في العام 1985، وكذلك سوريا استطاعت تحرير المرحوم كمال كنج ابو صالح ابن الجولان المحتل من المعتقل بعملية تبادل ضمت مئات الأسرى السوريين أيضا في العام 1974، وكذلك في العام 1984 حرر أسرى من الجولان بعملية التبادل، وتكررت عمليات تبادل أسرى كانوا محكومين أحكاما قاسية لسنوات طويلة مع المقاومة السورية والفلسطينية، وسوريا جزء من هذا الصراع، فما الفائدة من طرح مبادلة “أيلي كوهين” بالأرض ونحن ندرك أن هذا مستحيل؟! مع أنني مقتنع أن رفات أيلي كوهين سوف تعاد إلى إسرائيل عاجلا أم أجلا بصفقة ما، فلمَ لا تكون هذه الصفقة هي مقايضة الأسرى به؟
ليس هناك أي موقف عربي أو سوري بالتحديد، ضد صفقة التبادل. هناك أسرى من القدس وأسرى من عرب 48 لا أمل لهم بالإفراج عنهم بأي صفقة سياسية مع السلطة. تم تبليغهم رسميا من قبل السلطة إنها لن تستطيع المطالبة بهم او الإفراج عنهم، وطلبت منهم أن يبحثوا عن بدائل، وهناك أسرى الجولان، ما المانع من استغلال ورقة ايلي كوهين للافراج عنهم! هم بالمعتقلات منذ ما يزيد عن ربع قرن، وأحكام معظمهم عالية جدا، وإسرائيل ترفض التعاطي بأي شكل من الأشكال بموضوع الإفراج عنهم، والأمل الوحيد لهم بالحرية هو ورقة “أيلي كوهين”- الورقة السورية الرابحة. سوريا الوحيدة التي تمتلك ورقة ضغط على إسرائيل اليوم بشان هؤلاء الأسرى. لا توجد مفاوضات سياسية بشأنهم، ولا توجد أي ورقة عربية، لا لدى الدول ولا لدى المقاومة. نحن نطلب استغلال هذه الورقة للإفراج عنهم، لان قضية أيلي كوهين ستحل بالمفاوضات عاجلا ام اجلا، وسوريا لن تستطيع مقايضته بأي متر من الأرض. هناك موقف حكومي سوري بأنه سيعاد إلى إسرائيل، في المفاوضات حول الجولان، أي انه لا يوجد موقف معارض لبحث قضيته وإعادته إلى اسرائيل، وسيعود، فأيهما أفضل لنا، ان ننتظر حتى عودة الأرض، ام الإفراج عن الأسرى، وانهاء هذا الملف الإنساني المركب؟ هناك أسرى محكومون لعدة مؤبدات، وزهرة عمرهم قضوها في المعتقلات، السؤال المنطقي هنا، هل من المعقول ترك أولئك الأسرى لمصيرهم المجهول، بعد ربع قرن من النضال، في الوقت الذي من الممكن انتزاع حريتهم بعملية تحرير نضالية تستطيع ان تقوم بها سوريا، تشمل الساحة السورية نفسها والساحة الفلسطينية (أسرى 48، واسرى مدينة القدس) والساحة اللبنانية. مطلوب جواب واضح وصريح حول هذا الموضوع من قبل القيادة السورية.
هذا موضوع مفتوح للنقاش كما قال السيد وزير الخارجية السوري، وشرعي جدا لنا نحن الأسرى والمهتمين بشؤون الأسرى، ومن واجبنا أيضا طرح هذا الموضوع للنقاش والحوار. وهناك قضية مزعجة جدا بالنسبة للأسرى تشمل المؤيدين لصفقة تحرير الأسرى مع ايلي كوهين والمعارضين لها على حد سواء، وهي لماذا يحظر ويمنع من أسرى وأسرى محررين النقاش حول هذا الموضوع مع وطنهم، هل نقاش هذا الموضوع من المحرمات، ويستدعي تخوين المناضلين لأنهم تجرأوا على طرحه؟
من من الأسرى التقيت، وما هي أوضاعهم؟
مصلحة السجون عملت على فصل الأسرى داخل السجون عن بعضهم البعض، وفق التوزيع الجغرافي لمناطق سكناهم بالأصل. فأسرى القدس والجولان وعرب الـ48 موجودون في معتقل الجلبوع، والهدف من هذا التوزيع منع التقائنا مع الأسرى الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، الموزعين في سجون محددة أيضا، ومنع التقاء الأهالي أيضا مع بعضهم البعض. أسرى الجولان جميعهم، باستثناء الأسيرة أمال محمود، متواجدون في معتقل الجلبوع. موزعون على ستة أقسام. إجمالا وضعهم الصحي جيد، لا توجد أية حالات صحية صعبة ومزمنة لدى أي أسير منهم، باستثناء الأمراض والأوجاع التي يفرزها واقع السجن والاعتقال، والظروف الاعتقالية التي لا تساعد على ضمان بقاء حالة الأسير الصحية مستقرة أو مطمئنة، لأننا نتحدث عن ما يزيد عن العشرين عاما لبعض أسرى الجولان، لكن هناك حالات صحية جدا يتعرض لها أسرى من عرب الـ 48 وأسرى القدس القدامى، وخاصة من كبار السن، حيث هناك أسرى عمرهم أكثر من 80 عاما معتقلون منذ ما يقارب العشرين عاما، لا يتلقون الرعاية والعناية الطبية والإنسانية حتى بحدودها الدنيا، وترفض إسرائيل الإفراج عنهم. بخصوص أسرى الجولان سمعت الكثير منذ تحرري عن قلق الناس والأصدقاء من وضع الأسير سيطان نمر الولي الصحي، واستغربت لهذا الأمر، فهو بحالة صحية جيدة إجمالا، لديه، أسوة بمعظم رفاقنا القدامى، بعض الأوجاع في عموده الفقري والمعدة، نحن نسميها أوجاع وأمراض مرافقة لحالة الاعتقال، فهو إضافة إلى ثلاثة رفاق آخرين معتقلين منذ أكثر من 21 عاما. تصور أنت، هل من الممكن ضمان حالة صحية جيدة لأشخاص مضى على اعتقالهم كل تلك السنوات، في ظل ظروف غير صحية وغير إنسانية؟ لاتوجد تهوية مناسبة، سوء تغذية، إهمال طبي، اضرابات عن الطعام، التعرض للقمع والضرب…الخ. المشاكل إجمالا عادية جداً بالنسبة للسجون الإسرائيلية، لكنها ليست أوضاع مريحة بالطبع. يبقى هناك قلق واضح وحالة من عدم الإيمان بالطاقم الطبي، بعد حالة الأسير الشهيد هايل ابو زيد. لو انه تم تشخيص مسبق لحالة الرفيق هايل لكان بالإمكان إنقاذه قبل استفحال المرض في جسمه. من هنا يبقى القلق لعدم الثقة بالعلاج والرعاية الصحية داخل السجون. طالبنا بإدخال أطباء لمعاينة الأسرى لكن طلباتنا بمعظمها يتم رفضها. زارنا داخل السجن خلال الفترة الماضية الدكتور وجدي الصفدي، والدكتور واصف خاطر، وكلاهما من الجولان المحتل، لكن اليوم تم رفض جميع الطلبات التي تقدمنا بها، وفي حالة تمت الموافقة فان الأسير الذي يتقدم بطلب لزيارة طبيب خاص ويتم الموافقة عليه، فانه يتعرض لإهمال طبي من قبل الطبيب المناوب في عيادة السجن ويقول له دع طبيبك يعالجك او ينصحك بعلاج لمشكلتك، في الوقت نفسه يمنع على الطبيب الذي زاره لمرة واحدة الدخول من جديد لمعاينته. من هنا نحن نطالب بضرورة الضغط دوليا وعبر المؤسسات والمنظمات الدولية بالسماح لاطباء بزيارة السجون والوقوف أمام الإهمال والتسيب الطبي الذي يتعرض له الأسرى داخل السجون. إسرائيل لا تقدم الرعاية الطبية المناسبة للأسرى، وتستخدمها للمساومة، والاستفزاز.
فيما يتعلق بباقي أسرى الجولان وهم: سيطان نمر الولي، عاصم محمود الولي، الشقيقان صدقي وبشر سليمان المقت، وئام عماشة، كميل خاطر، عباس عماشة، كمال الولي، شام شمس، والأسيرة امال محمود في معتقل التلموند للنساء. أوضاعهم جيدة. كما قلت لك يمتلكون إرادة ومعنويات عالية، ومصممون على تجاوز هذه الرحلة بصمود ونجاح. لدينا رفيقين يدرسان في الجامعة المفتوحة، الأسير عاصم الولي يدرس علوم الرياضيات إضافة إلى الفن التشكيلي في إحدى الجامعات الأمريكية المفتوحة، عبر المراسلة، والأسير كميل خاطر يدرس العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة، ورغم التنقلات التي رافقتنا منذ بداية الاعتقال، والتفتيشات المستمرة، وتأخر وصول الكتب والرسائل، الا أنهم مصممون على إنهاء دراستهم طالما بقيت الإمكانيات لذلك.
نحن موزعون في قسم واحد، ثمانية رفاق في غرفة واحدة، ورفيقين في غرفة أخرى، علاقتنا جيدة إجمالا، لايوجد إجماع سياسي وفكري حول كل القضايا، وهذا طبيعي جدا، والثقافة من الأولويات الأساسية لحياتنا اليومية.
الوضع الغذائي سيء من ناحية الكم والنوع. نستلم ثلاث وجبات أساسية يوميان من ادارة السجن. سمحوا لنا مؤخراً بإدخال خضروات بمعدل كيلو ونصف بالشهر، ودجاجة واحدة فقط شهرياً لكل أسير، وهناك الوجبات التي تقدمها إدارة السجن، وهي وجبات غذائية لا تتوفر فيها التغذية المناسبة. الطعام مهم لكنه ليس من الأولويات الأساسية باهتمامات الأسير.
كيف تصف علاقة أسرى الجولان بأسرى عرب الداخل وأسرى الضفة وغزة والأسرى العرب عامة؟
علاقة أسرى الجولان مع الجميع ممتازة. لقد تربينا منذ الصغر على أن لا نفرق بين الجولان وفلسطين كأراض عربية محتلة، ولذلك نحن الجولانيون نعتبر أننا وإخوتنا الفلسطينيين نناضل من أجل نفس القضية، لذلك كانت علاقتنا رفاقية ممتازة. طبعاً يمكن أن يكون هناك علاقات صداقة خاصة بين رفيق معين تتميز عن العلاقة مع رفيق آخر ولكن هذا ضمن العلاقات الاجتماعية الشخصية، وهذا طبيعي بين البشر. هناك تواصل دائم، والإخوة الفلسطينيون، عامة، يكنون لنا احتراما كبيراً ونحن نبادلهم هذا الشعور. أنت تعلم أننا عددياً أقل بكثير من الاخوة الفلسطينيين داخل السجون، وذلك طبيعي لأن عدد مواطني الجولان أقل من عشرين ألف مواطن مقابل ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة وغزة، ومع هذا كنا نعامل من قبلهم كالند ولنا دائما في لجان السجون تمثيل مساو لكل التنظيمات الفلسطينية ونشارك ونستشار في جميع الأمور. الإخوة الفلسطينيون يعجبون بالحالة النضالية في الجولان عندما يتعرفون إلينا، ولكن للأسف معلوماتهم المسبقة عن الجولان قليلة أو مغلوطة وخاصة لدى الجيل الجديد، كنا نستغرب ان يتساءل البعض منهم عن الجولان، وموقعه الجغرافي وهويته الوطنية. هناك التباس ايضا بما يخص الانتماء الطائفي للجولان، رغم ان العلاقة النضالية والسياسية لاهالي الجولان عريقة وقديمة مع الشعب الفلسطيني بمختلف مؤسساته وفصائله، وقياداته، ومعظم تلك العلاقات تم نسجها داخل السجون، منذ العام 1967. لقد عاش الرعيل الاول من المناضلين الجولانيين داخل المعتقلات مع اخوة ورفاق فلسطيين وعرب من الدول العربية، وتواصلت تلك العلاقة أيضا سنوات الثمانيينات والتسعينييات، خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتعرف عشرات الآلاف من الأسرى من خلال أسرى الجولان على الجولان وعلى أبنائه وهويته، لكن رغم ذلك هناك حاجة إلى التعريف والتعرف عن الجولان اكثر. وباعتقادي ان عدم معرفة الجولان لدى ابناء الجيل الفلسطيني الجديد مسالة تحتاج إلى اهتمام اكثر وانتباه اكثر، لما لهذا التواصل من اثر على الفعل النضالي في فلسطين والجولان على حد سواء.
ما رايك بالدعم من سوريا وحقيقة حجم هذا الدعم؟
بداية ارغب في توضيح عدة حقائق حول الدعم المادي والاعلامي، وحاجة الأسير لمثل هذا الدعم. لقد مرت الحركة الوطنية الاعتقالية بمحطات مختلفة منذ العام 1967. فقد كانت اسرائيل ورغم عدم التزامها بالمعاهدات والمواثيق الدولية والحقوقية والقانونية الخاصة بوضع أسرى الحرب والمعتقلين لديها، تمنع من الأسير أي إمكانية لتحسين شروط حياته، وتوفير شروط إنسانية تليق بحياة البشر داخل سجونها، بهدف إذلال الأسير والقضاء علية تدريجيا، وتحويله إلى عبء وعالة على مجتمعه وأهله وشعبه بعد الإفراج عنه، وهناك مئات الأمثلة والنماذج على ذلك في فلسطين ولبنان والجولان المحتل. ان تتسبب ظروف الاعتقال من تفشي الأمراض الجسدية والمزمنة ببطء في جسم الأسير على المستقبل القريب والبعيد، وتحويله إلى مريض مزمن لا هم له في الحياة سوى توفير العلاج لصحته المعلوله بعد قضائه سنوات طويلة داخل سجونها، حيث كانت هي التي تحدد للأسير كمية ونوعية الطعام بدقة فائقة، وهي التي تحدد له نوعية اللباس والغطاء صيفا وشتاءً، مع التركيز على عدم السماح له باي شكل من الاشكال من التمتع بلون ونوعية هذا اللباس او الغطاء، او الطعام، وهي التي تحدد كمية ونوعية الادوات الصحية التي يستخدمها الاسير، والتي لم تكن تتوافق مع الحد الأدنى من شروطها الحيوية. وقد كان الأسرى وخلال رحلة النضال والصمود الطويلة يخوضون معارك ونضالات كبيرة لتحسين شروط حياتهم المعيشية وتحسين ظروف اعتقالهم السياسية، كأسرى سياسيين. وبقي التفكير الإسرائيلي لسنوات عدة بمنع الأسرى من ملامسة تلك الشروط الإنسانية التي تحسن من أوضاعهم حتى إلى فترة ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث شكل الأسرى عبئا اقتصاديا كبيرا على سلطات مصلحة السجون ووزارة الدفاع الإسرائيلية، الأمر الذي حدا بتلك السلطات إلى إعادة التفكير في سياستها وتحويل حياة الأسير على نفقته الخاصة، فصادرت الحقوق وتوقفت عن تقديم خدماتها الأساسية للأسرى، فتعمدت السماح بعد سنوات طويلة من الرفض من إدخال المواد الغذائية والتموينية، وشراء الحاجيات الأساسية من اطعمة ومشروبات والبسه عبر زيارة الأهل، والكانتين داخل السجن، بحجة انه لا يوجد ميزانيات أولا، ولانها تتفهم حاجة ومطالب الأسرى بتحسين شروط اعتقالهم.
الأسير بحاجة إلى مقومات للصمود والدعم من اجل البقاء سياسيا وصحيا ونضاليا. بخصوص الأسرى السوريين، هناك دعم مادي من قبل سوريا، بدأ منذ سنوات بمائة دولار كان يصل للأسير منها 50 دولار، فقط، بشكل منتظم وعبر الصليب الأحمر الدولي. لقد كانت قضية الدعم المادي سابقا لدى رفاقنا الأسرى في فترة الثمانينيات، ليست ذات اولوية وذات شان مادي بقدر ما كانت قضية معنوية وسياسية. اليوم السجون اختلفت، والأسرى تغيروا ويواكبون التغيرات التي تحصل في المجتمع وتحصل في واقعهم. الاسرى الفلسطينيون لديهم سلطة ووزارة خاصة بهم، ترعي شؤونهم وتوفر معظم حاجياتهم المادية والعينية، وتهتم بعائلاتهم قدر المستطاع، وهناك الأسرى اللبنانيين لديهم المقاومة التي ترعى شؤونهم. السؤال الذي يطرح نفسه ماذا عن الاسرى السوريين من ابناء الجولان المحتل، وهم مواطنو دولة قومية عريقة. الدعم الإعلامي شبه معدوم ولا يستجيب وحاجة هذا الملف الكبير، والدعم المادي لا يوفر سوى بعض الاحتياجات المعنوية أولا وبعض المشتريات الخفيفة. هناك احتياجات للأسير، في الجوانب الصحية والغذائية، كيف له أن يصمد دون وجود لمقومات هذا الصمود.
من هنا كان الدعم المادي حاجة ضرورية وملحة للأسير داخل السجن أولا وخارجه أيضا. علاقة الأسرى مع الوطن الام سوريا تتم عبر الأهل والرفاق الأسرى المحررين أولا، والصليب الأحمر، ومؤخرا كان هناك توجه مباشر من قبل الأسرى وعبر المراسلات إلى الوطن. للأسف الشديد بقيت العلاقة مع جهاز الاستطلاع فقط (المخابرات العسكرية)، وهي شخصية أكثر منها مؤسساتية، وليست مع مؤسسات الدولة. منذ العام 2000 سعى الرفيق الأسير المحرر مدحت الصالح، بعد مغادرته إلى دمشق، من اثارة هذا الموضوع المالي لدعم الأسرى داخل السجون. كانت لديه نجاحات كبيرة، وبنفس الوقت إخفاقات وثغرات كثيرة. للرفيق مدحت تفسيراته الخاصة المقنعة حول ذلك بمعظمها، لا نعلم من المسؤول عنها، ولا نتهم أي شخص او أي جهاز بذلك، لكننا نحمل الدولة مسؤولية تلك الإخفاقات والثغرات. كان هناك 15 أسيرا ويصل مبلغ بقيمة 750 دولار فقط لجميع الأسرى، إلى الكانتين (وهذا كما تعلمون يعد مبلغاً متواضعاً جداً بالنسبة لمستوى المعيشة في إسرائيل. الأسير الفلسطيني الواحد على سبيل المثال، وللمقارنة فقط، يتلقى حوالي 700 دولار شهرياً). وبقى موضوع دعم الأسرى ماليا بين التجاذبات هنا وهناك، في الوقت الذي لم تعلن الدولة أي موقف حول ذلك بشكل رسمي وعلني، سوى أن زيادة طرأت منذ سنتين بالدعم المالي وأصبح يصل الأسير مبلغ 100 دولار بدلا من 50 دولار السابقة. والرفيق مدحت الصالح أصبح فيما بعد عضوا في مجلس الشعب ولديه مشاغله واهتماماته الشخصية، وهو مشكور على كل جهد بذله، لكنه ليس هو الدولة، وليس هو من يقرر أشكال الدعم وحجمه، هو يستطيع طرح تصوراته الشخصية، من خلال تجربته الشخصية. لكن الامور داخل الوطن ما زالت كما هي في الذهنية والتفكير والرؤيا، وهذا شئ مؤسف جدا. من يستلم ملف الاسرى في السلطة الفلسطينية هو رئيس الدولة ابو مازن شخصياً، ومن يستلم ملف الاسرى اللبنانيين هي المقاومة ممثلة برئيسها سماحة السيد حسن نصرالله، فماذا عن ملف الاسرى السوريين؟ موضوع الأسرى كان من المفروض ان تقوم الدولة بمعالجته وإخراجه من مسؤولية هذا الضابط او ذاك من جهاز الاستطلاع. رفاقنا القدامى سعوا من اجل ذلك ونحن سعينا من اجل ذلك، وما شهدناه مؤخرا من اهتمام بموضوع الأسرى هو نتيجة حققته دماء الشهيد الخالد هايل ابو زيد. لكن يبقى السؤال الملح: هل هذا الاهتمام جدي ام ناتج عن الاحراج؟ لن احكم الان على الموضوع. الدعم المادي بدأ بالتحسن مؤخرا حيث نستلم منذ سنتين مبلغ بقيمة 100 دولار، ومؤخرا 150 دولار، تدخل إلى السجن عبر الصليب الأحمر الدولي. نرى الكشوفات المالية والوصولات ونوقع على استلامها لمندوب الصليب الاحمر. أضافة إلى ذلك يحصل الأسير الجولاني إلى مخصصات دعم من السلطة الفلسطينية، رغم ضائقتها المالية، تتراوح بين 250 إلى 900 دولار شهرياً، إسوة بالأسرى الفلسطينيين، وذلك حسب طول الفترة التي مضت على الأسير في المعتقل. توضع هذه المبالغ في حسابات خاصة للأسرى وأهاليهم موكلين من قبلهم باستلامها لهم في البنك.
لهذا اقول وأأكد أن الدعم مطلوب من الوطن إلى الأسرى بشكل خاص و الجولان عامة. نحن الأسرى نستقبل أي دعم من الوطن، وسمعتم طبعا قبل عدة أشهر عن استلام الأهالي مبلغ بقيمة 5000 دولار لكل أسير، هذا المبلغ هو من تبرع مشكور من قبل المواطن السوري، وليس من ميزانية الدولة، التي من المفروض أن تخصص ميزانيات خاصة لهم ولذويهم. ان تضامن المواطن السوري مع قضية الجولان وقضية الأسرى مطلوب وواجب، لكن هذا المواطن الصادق والطيب ليس ملزما بالتبرع خمسين ليرة سورية أو أكثر، لأنه أحق بها من أسرى الجولان، فجميعنا يعلم اوضاعه وظروفه الصعبة. التفاعل ضروري جدا لدعم الأسرى، لكن ليس من المفروض أن يكون التفاعل والتضامن مرهونا بتبرعات مالية يقدمها المواطن السوري، أو شركة اريبا للاتصالات. كيف نطالب المواطن السوري بالتضامن مع الأسرى اليوم، وفي اليوم الثاني نطلب منه اشتراط هذا الدعم بالتبرع المالي لهم. تحولت قضية دعم الاسرى إلى موضوع مالي بحت، والى تصفية حسابات شخصية وسياسية، نحن نحن لسنا مرتزقة او مأجورين، ولسنا شخاذين. بنفس الوقت الدعم ليس منة لأحد علينا، هذا اقل ما يمكن تقديمه للأسير وللأسرى المحررين، رغم انني اتوجه بالشكر الجزيل إلى المواطن السوري الذي وقف معنا متضامنا ومساهما، واشكر مبادرة شركة اريبا للاتصالات حول الماراثون الرياضي الذي جمع منه ثلثي التبرعات التي قدمت الينا. الجولان جزء محتل من محافظة تستحق الرعاية والعناية والتأهيل والتطوير، وضمان حياة لائقة لمناضليه وأحراره، الذين يدركون من هم أحق بهذا الدعم والمساعدة من فئات مجتمعنا المتضررة من الاحتلال، كما حصل في موضوع المعلمين سابقا. ولمن الأولوية بتقديم الدعم.
نحن نرفض الذل والإذلال بكل ما يتعلق بموضوع الأسرى والأهل في الجولان. ما نطالب به، وهذا حق شرعي لنا ولأي مواطن من مواطني الجولان، أن تخصص لنا ميزانيات حقيقية معلنة، لدعم الصمود وتوفير مقوماته داخل الجولان. ثم ماذا عن أولئك الأسرى الذي افنوا زهرات شبابهم داخل السجن، ألا يستحقون منا أن نكرمهم، ونساعدهم على تأهيل أنفسهم، وضمان مستقبلهم ومستقبل أبنائهم؟ انظر من حولك هناك حوالي 135 أسيراً سابقاً أمضوا سنوات طويلة داخل السجون الإسرائيلية، هل يتمتعون بحياة صحية خالية من الأمراض والأوجاع والمشاكل الصحية، يضاف اليه هموم الحياة المعيشية في تأمين حياة كما تليق بالأحرار، عرفانا من الشعب والوطن بتضحياتهم الجسام، أم نحن فعلا سنستسلم للمشروع الإسرائيلي بتحويل هذا الأسير إلى عبءٍ وعالة على نفسه ومجتمعه وشعبه. والحكومة السورية ليست عاجزة عن تقديم هذا الدعم الذي نطالب به.
ماذا تحدثنا عن ذكرياتك مع الأسير الشهيد هايل أبو زيد؟
عشت مع “أبو الهول” منذ بداية أسري حتى مرضه (هكذا كنا نسمي الشهيد هايل في السجن لأنه كان كبيراً وصلبا كأبي الهول نتكئ على كتفه عندما تخور قوانا ونكون بحاجة إلى مساعدة). لقد كان إنساناً مميزاً. مجرد اللقاء به والتعرف عليه يعطيك الشعور بالأمان والثقة. انسان متواضع رغم كبره ولطيف رغم صلابته يبث الثقة في جميع من حوله. متحدث لبق ومثقف، اكتسب خبرة كبيرة من سنوات أسره الطويلة، فكان ذي رأي سديد ويأخذ بنصيحته. لا أذكر طيلة فترة اعتقالنا سوياً أنه اختلف مع أحد أو علا صوته، لأنه كان دائماً هادئاً يفرض احترامه على الجميع، وإذا واجهته مشكلة مع أحد حلها بروية وبهدوء. كان “أبو الهول” شخصاً فريداً له عادات وتقاليد خاصة به، لا يدركه ويفهمها إلا من عاش معه. كنا نتندر فنسميها “طقوس أبو الهول”. كل شيء لديه كان له نظاماً معيناً. لشرب المتة طقوس خاصة، لجهاز الراديو الذي تلقاه هدية من الأسير السوري السابق الرفيق ياسر المؤذن طقوس خاصة به- كان يصر على أن يبقى مفتوحاً 24 ساعة. النهوض من الفراش صباحاً كان له طقوس خاصة. الاغتسال صباحاً. لصيانة نظاراته الطبية.. لكل شيء. حتى اليوم لدينا شعور بأنه لا يزال بيننا، في نقاشاتنا في أحاديثنا.. نقول أن “أبو الهول” كان ليقول كذا ويتصرف كذا…
عانى الشهيد هايل من ضعف شديد في نظره، وكانت إدارة السجون ترفض معالجته، وكان يحب القراءة كثيراً. بعد أن ساء نظره كثيراً قررت سلطات السجون إجراء الفحوص له، ولكن عملية نقله لغرض إجراء الفحص كانت صعبة جداً. كان ينقل، ككل الأسرى، في صندوق حديدي( البوسطة) وهو مكبل في يديه ورجليه ويستمر السفر 7 ساعات ذهاباً و 15 ساعة إياباً، أي 22 ساعة، لأن رحلة العودة تمر على كل المعتقلات والسجون، فكان نقله لغرض إجراء الفحوصات الطبية معاناة شديدة، وخاصة في فصل الشتاء. أنا لست طبيباً أو خبيراً ولكني أعتقد أن لذلك دور في مرضه واستشهاده فيما بعد.
منذ شهر نيسان 2004 تم تفريقنا كأسرى من الجولان في عدة سجون، فنقل “أبو الهول” إلى سجن شطة، وهنا بدأ يشعر بضعف وسوء شديد في صحته، ولكنه اعتقد أن ذلك نتيجة تنقله لإجراء الفحوصات الطبية ونتيجة العملية الجراحية التي أجريت له في عينه. أدخل عندها إلى قسم 11 في سجن شطة، وهذا القسم معروف بأنه الأسوأ في السجون الإسرائيلية. مدير السجن شخص سيء ولا إنساني، وكل الإدارة وحتى السجانون يتميزون بلئم وحقد شديدين، فيعاملون الأسرى بقسوة وإذلال يصعب وصفهما. في هذه المرحلة التحق به الرفيقان وئام عماشة وشام شمس من أسرى الجولان أيضاً، بينما تم تجميعنا نحن أسرى الجولان الباقين في سجن الجلبوع وظروفنا كانت أفضل بكثير.
هنا شعر الرفاق بأن هايل مريض جداً، وطالبوا بإجراء الفحوص الطبية، واستمرت مطالبتهم شهراً كاملاً، إلى أن سمح له بفحص طبي عند طبيب السجن. الطبيب الذي فحصه في عيادة السجن قال له أنه يعاني من الـ “كريب” فأعطى له مسكناً وأعاده إلى غرفته في السجن. ولكن معاناته تفاقمت فأصبح يستفرغ كل ما يأكله، حتى امتنع عن تناول طعامه، وأحس بضعف ووهن شديدين. كان واضحاً لمن حوله بأن الموضوع ليس “انفلونزا” أو “كريب”.
بعد ذلك نقل “أبو الهول” إلى سجن الجلبوع حيث كنا نحن. عندما لمحناه عرفنا فوراً أن هناك خطباً ما.. فليس هذا “أبو الهول” الذي نعرفه… فهايل كان قوي البنية، فارع الطول (193 سم)، رشيقاً، قوي الزند. صحياً كان يعاني فقط من ضعف في نظره أما جسدياً فكان سليماً قوياً. أذهلتنا رؤيته بهذه الحال.. تم وضعه في غرفة أخرى غير تلك التي كنا فيها نحن الأسرى الجولانيون، مع رفاق فلسطينيين من حركة فتح. الحق يقال أن الإخوة الفلسطينيين لم يقصروا واهتموا به جداً، ولكننا طلبنا نقله إلى غرفتنا لكي يكون بجانبنا ونهتم به نحن. نقل إلينا ولكن لم يكن له سرير ينام عليه، ففرزنا له سريراً وكنا نتناوب على مجالسته، لأنه في هذه الفترة أصبح قليل النوم، فكان يقضي الليل مستيقضاَ، وكان أحدنا يبقى مستيقضاً إلى جانبه. مع أنه لم يقل ذلك ولكنه أيقن أن أيامه أصبحت معدودة، وكنا نلاحظ ذلك في تصرفاته، مع أنه كان إنساناً جباراً قوي العزيمة يتمتع بمعنويات عز نظيرها.
سألني مرة: “بتفكر رح لحّق ادبك بعرسك يا سميح؟”، إذ كنت خاطباً قبل دخولي السجن وكانت خطيبتي وفية تزورني باستمرار، وكنا نتحدث عن زواجنا بعد خروجي من السجن. وكان قد تعرف على خطيبتي هادية من خلال زيارتها لنا في السجن وكان يكن لها احتراماً كبيراً. عندما سألني أجبته: “بالتأكيد يا “أبو الهول، رح تكون براس الدبكة!” .. يا للأسف سوف أفتقده كثيراً يوم عرسي…
أذكر حادثة ستبقى محفورة في ذاكرتي إلى الأبد. كنت الطباخ الذي يحضر الطعام للرفاق. وعندما مرض هايل أصبحت أحضر له أكلاً خاصاً يختلف عن الباقين. في أحد الأيام أنهى الجميع تناول طعامهم وخرجوا إلى الساحة، فطلب مني “أبو الهول” ان آكل معه، لكني قلت له أني أريد أن استحم، فألح على أن أشاركه الطعام. لم أفهم في البدء لماذا هذا الإلحاح.. فقال لي عندها: “ولو يا سميح بدك اياني آكل مثل الجواسيس لحالي”… شعرت عندها أن الغصة سوف تخنقني. (الجواسيس والخونة في السجن يتناولون طعامهم لوحدهم لأن لا أحد من الأسرى يشاركهم طعامهم). فجلست وأكلت معه رغم أني لم اكن جائعاً.
في الفترة الأخيرة أصبحت تتشكل لديه درنات تحت الجلد، حتى أنه مرة قال لي مازحاً أنه يخفي “مسبحة” (سبحة) تحت جلده، وخاصة في منطقة البطن والكتف. حتى هذه اللحظة لم يتلق أية مساعدة طبية رغم الطلبات المتكررة. في اليوم التالي مر علينا “مسعف” يقوم عادة بجولة على الأسرى لفحص حالات بسيطة، فتحدثنا معه عن حالة هايل وألحينا عليه بأن يطلب من المعنيين إجراء فحص طبي له، وأراه هايل الدرنات التي بدأت تظهر تحت الجلد، فقال الـ “مسعف” باستهزاء: “إن لديه التهابات وذلك ناتج عن “كريب” أو انفلونزا، وذلك سيزول مع الوقت.
بعد إصرارنا على أن يفحصه طبيب استجابوا لطلبنا. طبيب السجن كان معروفاً بلئمه وسفالته. عندما فحص هايل عرف على الفور مرضه، ودن أية مراعاة لشعورة قال له بفجاجة، وكأنه يشمت به، أنه مريض بالسرطان.
عاد إلينا هايل من الفحص وكنا متجمعين في الساحة. طلب منا أن نكون عقلانيين وأن لا نصاب بالذعر، وأعلمنا ببرودة أعصاب ورباطة جأش تميز بهما، أنه مصاب بالسرطان. بعض رفاقنا ورفاق آخرون لنا من القدس اغرورقت أعينهم بالدمع، وبعضهم الآخر أجهش بالبكاء. كان هايل غالياً على الجميع.
قال هايل اسمعوا يا رفاق: “اعتقد أنهم سينقلوني غداً إلى المستشفى. وغداً يوم زيارة. أريد منكم جميعاً أن تطلبوا من الأهل خلال الزيارة أن يبلغوا الرفاق في الجولان العمل على إطلاق سراحي خلال عام كاقصى حد . فأنا قد وعدت أمي أن أعود إليها ولا أريد أن أخل بوعدي لها. لقد توفي أبي دون أن يفرح بتحرري ولا أريد أن أخذل أمي وأموت في السجن. أريد أن تفرح بوجودي إلى جانبها ولو كان ذلك لبضعة أيام”.
إدارة السجن هنا لم تعطل نقله إلى المستشفى، فتم نقله إلى مستشفى “رامبام” في حيفا، وتم إبلاغنا رسمياً من قبل إدارة السجن أن هايل مصاب بسرطان الدم. بعد ذلك علمنا عن الجهود الجبارة التي بذلت من قبل الرفاق الاسرى المحررين في الجولان لإطلاق سراحه، وعلمنا أخيراً عن إطلاق سراحه فعلياً، فأقمنا عرساً في السجن. الجميع فرح لهذا الخبر، مع علمنا بأنه مريض بالسرطان، لأن في ذلك تحقيق لرغبته بأن يموت في بيته ويكون بجانب أمه. الرفاق الفلسطينيون من جميع الفصائل شاركونا فرحتنا. وبقينا كل الفترة القادمة نعيش على أخبار هايل التي كانت تصلنا من خلال الرسائل والصور وزيارات الأهل. وكان لدينا أمل بأن يشفى من مرضه.
هنا أصبنا بخيبة أمل من التعامل الرسمي السوري مع قضية هايل. فهايل الذي قضى عشرين عاماً في السجن الإسرائيلية كان يستأهل أن لا يعالج في المستشفيات الإسرائيلية، وإن لم يكن بالإمكان معالجته في سوريا فنقله إلى أوروبا لمعالجته هناك. هذا أقل ما يمكن للحكومة السورية أن تفعله؛ أن تقوم بتقديم العلاج له. لا أريد أن أنبش الماضي هنا، كيف بقي هايل 20 سنة في الأسر، ولم يسمع به أحد، ولم يهتم أحد بإخراجه في أي من الصفقات التي تمت خلال هذه السنوات، وشملت فلسطينيين ولبنانيين، وسوريين ايضا. أعتقد أن علاجه كان يجب أن يكون فقط من خلال الوطن الذي عمل هايل من أجله، وأن لا تغطى نفقات علاجه عن طريق صندوق المرضى الإسرائيلي.
وأذكر هنا أن حادثة مماثلة حدثت لأسير فلسطيني، أصيب بسرطان الرئة، فقامت السلطة بإمكانياتها المتواضعة بنقله إلى أوروبا لمعالجته على نفقتها.
بعد ذلك وصلتنا رسالة من احد الرفاق الاسرى المحررين الرفيق ايمن ابو جبل ، تفيد بأن أوضاع هايل الصحية تتدهور، وأن عملية الزرع التي تمت له لم تنجح، وأنه بحاجة لعملية زرع ثانية، وأن العملية ستكون مكلفة مالياً، ويتم البحث عن مصادر دعم مالي لذلك من الأهل والأصدقاء . هايل كان شخصية قيادية مرموقة في السجن على صعيد الأسرى العرب عامة، وهنا قرر جميع الأسرى داخل المعتقل، وكل حسب علاقاته بالتوجه إلى مصادر دعم مالي للمساعدة في تأمين الدعم المالي لعلاج الرفيق هايل. الاخوة الفلسطينيون كانوا قد توجهوا مباشرة إلى وزارة الأسرى الفلسطينيين واضعين الوزيران هشام عبد الرازق وسفيان أبو زايدة في الصورة. وجميع الأسرى في سجن الجلبوع وعددهم 120 أسيراً كانوا على استعداد من جهتهم بسحب جميع المبالغ الموجودة في حساباتهم في البنك، وهي مصروفهم الشخصي، وتحويلها لحساب هايل في الخارج للمساهمة في معالجته .
كان الجميع منهمكاً بهذه الترتيبات، والجميع مستعد للمساهمة بتكاليف العلاج، وتوفير الدواء، لكننا فجعنا بخبر استشهاد الرفيق هايل، عبر وسائل الاعلام ، وتم ابلاغنا رسميا من قبل ادارة السجن بذلك. ساد الهدوء المطلق سجن الجلبوع تلك الليلة، ولم يشأ أحد من الأسرى تصديق النبأ. أعلن الأسرى الحداد على هايل لمدة ثلاثة أيام، وأقيم بيت عزاء داخل المعتقل. وهنا سمحت إدارة السجن للسجناء من جميع أقسام سجن الجلبوع بتقديم العزاء. كان موقفاً مهيباً يليق بالأسير الشهيد.
لقد أدى استشهاد هايل إلى لفت الانتباه لقضيتنا فأصبح المسؤولون السوريون يبدون بعض الاهتمام بقضية أسرى الجولان والجولان عامة، فهل كنا بحاجة إلى ضحية لكي نلفت هذا الانتباه. وهل نحن بحاجة إلى ضحايا آخرين لكل قضية وقضية لكي نلفت الانتباه لها.
هل كان لكم تواصل مع الأسيرة الجولانية أمال محمود؟
اعتقلت والأسيرة أمال محمود سوياً، فقد عملنا في مجموعة واحدة. في البداية كنت التقي بها في أوقات انعقاد جلسات المحكمة، حيث كانت محاكمتنا تجري في نفس الجلسات. بعد ذلك اقتصرت الاتصالات على الرسائل التي كنا نتبادلها من خلال الصليب الأحمر، وأحيانا كانت الصدفة تحمل رفاقاً فلسطينيين إلى قاعة المحكمة على الالتقاء برفيقات لهن مسجونات مع الرفيقة أمال، فكانوا يوصلون لنا منها رسائل شفوية وسلامات. الأسيرة أمال موجودة الآن في سجن تلموند للنساء في الشارون (بين تل أبيب وناتانيا) ومعظم الرفاق في السجن لم يروها أبداً. آخر رسالة منها وصلت من خلال الصليب الأحمر قبل فترة قريبة وأخبرتنا بأن لديها محكمة الثلث قريباً وأن صحتها جيدة. أنا أشك بأن تعفى من مدة الثلث لأن إسرائيل بناءًا على توصيات “الشاباك” لا تعفي الأسرى الأمنيين من ثلث المدة. “الشاباك” يختصر الموضوع بتوصية تعطى عن جميع الأسرى الأمنيين: “خروج الأسير من السجن يشكل خطر على أمن إسرائيل”، والمحكمة عادة ما تأخذ بهذه التوصية. على كل حال بقي للأسيرة أمال ستة أشهر في الأسر حتى لو لم تمنح ثلث المدة. من رسائلها فإن معنوياتها عالية جداً كما عهدناها دائما.
ما رايك بتعدد لجان دعم الأسرى، التي أنشأت مؤخرا؟
ارحب بكل لجنة تتشكل لدعم الاسرى والتضامن معهم من أي جهة كانت، لا يوجد أي مشكله في تعامل الأسرى معها، بشرط عدم نفيها للآخر، والتعامل مع الأسير كمناضل سياسي من الجولان، دون اشتراط التعامل معه وفق أفكاره ومعتقداته الفكرية والسياسية. موضوع اللجان، أي لجنة تتشكل لدعم الأسرى، لا توجد مشكلة، بشرط عدم نفي الأخر، والأهم من هذا عدم التعامل مع الأسير فئويا، وعدم اشتراط التعامل معه وفق توجهاته السياسية، وقربه او ابتعاده من الحزب وبعض مراكز القوة والنفوذ. قضية الجولان قضية وطنية وشرفاؤه هم الاجدر بتناولها. نحن بالأساس مواطنون عرب سورون نحتاج إلى حوار ونقاش سياسي فيما بننا وهذا شيء مطلوب.
كيف تصف العلاقات الداخلية للاسرى داخل السجن؟
الأسرى جزء لا يتجزأ من المجتمع الجولاني، ليسوا بخط واحد وانتماء واحد. الفرز السياسي والاجتماعي بالجولان ينعكس تلقائيا داخل السجن، وهذا شئ طبيعي جدا وصحي. نحن داخل السجن مناضلون في جسم وطني واحد، تحت اسم الهوية الوطنية السورية. لكل أسير الحق في التعبير عن وجهة نظره السياسية، لديه قلمه ولسانه ومقالاته، لا يوجد انتماء سياسي واحد يوحد كافة الأسرى، وهذا ما أريد توضيحه للجميع والتركيز عليه، ولا وجود لاي ناطق رسمي باسم أسرى الجولان داخل السجن، كل أسير يعبر عن نفسه بنفسه. نحن جزءً من هذا النسيج الجولاني الرائع. نحن كتلة وطنية نضاليه واحدة، بوجود أراء سياسية متعددة. لدينا رفاق يحملون العقيدة السياسية والفكرية الشيوعية والقومية، والقومية الاجتماعية، والبعثية، ليس لأحد الحق في التحدث باسم الأسرى جميعا في هذا المجال، كل أسير يرغب في التواصل السياسي مع الأهل خارج السجن فانه يمثل ويعبر عن نفسه فقط، وبنفس الوقت لا صلاحية ولا تفويض لاي لجنة من اللجان التي تعنى بشؤون الأسرى التحدث باسم الأسرى، ولا يوجد أي صلاحية على الإطلاق او أي تفويض لاي عائلة من عائلات الاسرى التحدث او العمل او إرسال أي رسالة باسم الأسرى لأي جهة كانت، لان هذا الموضوع محسوم منذ سنوات داخل المعتقل، وما يصدر بين الحين والأخر عن الأسرى بلسان بعض الأهالي لا يعبر عن موقف الأسرى على الإطلاق.
هل تشغل الأوضاع السياسية الداخلية في سوريا اهتمام الاسرى داخل المعتقل؟
نحن جزء من الشعب العربي في سوريا، ومن الطبيعي ان تكون اخبار الساحة الوطنية في سوريا شغلنا الشاغل، وهي تحتل الاولويات في حواراتنا ومتابعاتنا السياسية والاعلامية، وهذا من منطلق الحرص والقلق على الوطن وسيادته وحريته وكرامته، فالوطن هو لكل مواطنيه. لدي قناعاتي ورؤيتي الشخصية بضرورة تبني التعددية السياسية في سوريا، وضرورة الانفتاح السياسي على الشعب وشرائحه المختلفة، واجراء انتخابات حرة نزيهة تعبر عن طموحات شعبنا واماله واحلامه.
من المستغرب اليوم بأن يكون هناك أشخاص ما زالوا لا يؤمنون بالتعددية. من الطبيعي أن يكون لدينا الماركسي والقومي والبعثي والليبرالي والاشتراكي والرأسمالي.. والخ… هذا هو الوضع الطبيعي، وإذا لم يكن هكذا فهناك خطب ما. من غير المعقول ان نكون كلنا لوناً واحداً. وهذا لا ينطبق على مواطني الجولان فقط بل على جميع المواطنين السوريين في الداخل السوري أيضاً.
أنا أفهم أن هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وبالتحديد قضية الارتباط بالخارج. فان كان هناك مطالب بالتغيير يجب أن يكون من الداخل وفقط من الداخل، والقرار يجب أن يكون سورياً وملتزماً بالمصلحة السورية فقط.
ما هي مخططاتك ومشاريعك المستقبلية؟
دخلت السجن قبل أربع سنوات ونصف وكانت قد مرت سنتين على خطبتي من الآنسة هادية محمود الشوفي، وكنا نخطط للزواج في نفس السنة التي سجنت بها. دخلت السجن فتأجل مشروع الزواج. خطيبتي كانت إلى جانبي كل هذه الفترة ولم تتخل عني. كانت تحضر كل جلسات محاكمتي، ولم تفوت زيارة واحدة خلال الأربع سنوات والنصف، باستثناء تلك الزيارات التي كنت أطلب منها فسح المجال لبعض الأقرباء أو الأصدقاء، لأن عدد الزائرين في كل زيارة محدود. صحيح أنها كانت حرة ولكني أعتقد أنها نفسياً كانت محبوسة مثلي. أكن لها الكثير من الاحترام والتقدير على وفائها هذا، بالإضافة إلى حبي الكبير لها.
أنا شاب من الجولان مثلي مثل الآخرين هنا، ستستمر قضية الجولان كجزء من قضيتي وتأخذ قسماً كبيراً من اهتمامي. يؤسفني ما يحصل على الساحة الجولانية مؤخراً من تجاذب بين الفئات الوطنية، وما يقوم به البعض من تصنيف المواطنين بحسب انتماءاتهم السياسية. وكأن من لا يؤيد جهة معينة فهو ليس وطنياً، والبعض يذهب أبعد من ذلك. برأيي الوطني هو من ينتمي لهذا الوطن ويخدم قضاياه ويضحي من أجله، وليس من ينتمي لهذا الحزب أو لهذه الفئة ويكون ولاؤه لها فقط. لا يجوز لأحد تصنيف الناس بناء على ذلك، فكل حر بانتماءاته الفكرية والايديولوجية، وهذه طبيعة البشر أن يكونوا مختلفين. التعددية أمر طبيعي ومطلوب لكي نتمكن من تبادل الآراء والارتقاء بهذا الوطن إلى الأفضل.
إن ما يقوم به الوطنيون على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية جعل الجولان يشغل حيزاً أكبر من حجمه بكثير. من يصدق أن عدد سكان الجولان اليوم هو أقل من 20 الف نسمة؟ لكن فاعلية أبنائه ونشاطهم في مقارعة الاحتلال أعطى الانطباع بأن هناك مئات الآلاف من المواطنين يعيشون في الجولان. هذا النشاط وهذه الفعالية لم نتلق الأمر من أحد لنقوم بها. إنها نتاج محلي خالص شاركت فيه جميع الفئات. من هنا لا يحق لأحد توزيع شهادات الوطنية على فلان وعلان.
هل ترغب في كلمة اخيرة؟
عبر موقعكم اتوجه بجزيل الشكر لكل اولئك الاشخاص الذين تحملوا عناء يوم استقبالي وعودتي إلى الجولان، واتوجه بعميق التحية والاحترام والتقدير والشوق إلى اخوتي ورفاقي الاسرى في معتقل الجلبوع، من اسرى القدس وعرب الـ48 الذين سيبقون في ذاكرتي ووجداني ما حييت، والى رفاقي واخوتي من اسرى الجولان، املا في انتهاء رحلة الالام والعذاب الطويلة المستمرة منذ ربع قرن، والى جميع افراد أسرتي وأصدقائي، والى الغالية على قلبي هادية، أتمنى ان أعوضهم جميعا عن كل الفترة الماضية.