انتعاش القنيطرة والجولان في عهد الوحدة السورية المصرية(1958–1961)
عشتار نيوز للاعلام/ القرى السورية المدمرة
محمد زعل السلوم
يتحدث الباحث الجولاني تيسير خلف في كتابه (تاريخ الجولان المفصل)، عن انتعاش القنيطرة في عهد الوحدة السورية المصرية، فقد أسهم تحول الجولان إلى جبهة قتال في انتعاش مدينة القنيطرة، من جهة، وتعطل كثير من الأراضي الزراعية الخصبة المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، من جهة أخرى.
فقد أدى تمركز تشكيلات الجيش السوري معظمها في الجولان إلى قدوم الكثير من العائلات السورية إلى القنيطرة، وازدهرت حركة العمران، وتجارة منقطعة النظير، أدت إلى توسع المدينة في الاتجاهات جميعها، ونشأت أحياء جديدة، سكانها من الفلسطينيين اللاجئين في معظمهم، ومن أبناء المحافظات السورية الأخرى، من عسكريين وغير عسكريين.
غير أن المأساة كانت تتجلى في أقسى صورها في المناطق الغربية من الجولان، المشرفة على الأراضي الفلسطينية، فهذه القرى كانت تعاني عطالة أراضيها، نتيجة الاشتباكات المستمرة، وكانت تتعرض للقصف الإسرائيلي شبه الدائم، أما الخدمات فكانت معدومة انعداماً تاماً، ومع ذلك، كان مطلوباً من أهاليها أن يساندوا الجيش في حربه الطويلة، ويصمدوا، كي لا تحتلها قوات العدو.
انتبه الرئيس جمال عبد الناصر إلى هذا الوضع المأساوي لأبناء هذه المناطق، عندما قام بزيارته الشهيرة إلى الجبهة مطلع آذار مارس عام 1958.
وكان المواطنون السوريون والفلسطينيون قد احتشدوا في مدينة القنيطرة، استعداداً لاستقبال الرئيس عبد الناصر، ولكنه لم يضع وقته في المسيرات الحماسية، بل ذهب مباشرة إلى بانياس، التي انطلق منها في زيارة تفقدية لعموم الجبهة.
وكان من نتيجة هذه الزيارة البدء بمشروع لتطوير القرى الأمامية، وتزويدها بكل ما يساعدها في الصمود.
فبدأت ورشة بناء المساكن الشعبية في هذه القرى معظمها، مثل قرية النخيلة، وتل الأعور في البطيحة الذي أصبح اسمه تل عامر (نسبة إلى المشير عبد الحكيم عامر)، والكرسي وكفر نفاخ ودير سراس وسكوفيا وغيرها، وقد روعي في تصميم هذه القرى “النموذجية الزراعية والدفاعية قلة التكاليف”، بحسب نص نشرة دعائية لهذا المشروع.
وقد أنشأت هذه القرى بشكل مجموعات متباعدة، تضم كل مجموعة من 30 إلى 40 بيتاً للسكن، وقد جرى إنشاء 9 قرى أنموذجية حتى عام 1960.
وبُنيت مساكن حديثة في القنيطرة، للضباط على طريق المنصورة، ولصف الضباط على طريق الصرمان، ودشن المشير عبد الحكيم عامر عام 1960 سينما الأندلس ونادي الضباط في القنيطرة، وأبنية للضباط وصف الضباط في القرى الأمامية.
وأسهمت قيادة الجبهة في بناء 14 مدرسة لأبناء القرى الأمامية، عسكريين ومدنيين، إحدى هذه المدارس ثانوية فيق التي دشنها المشير، وشكلت نقلة نوعية على صعيد التعليم في جميع منطقة الزوية.
وقد رسمت قيادة الجبهة خطة عامة لاستثمار مصادر المياه الجوفية وغير الجوفية، وعملت على استثمارها والاستفادة منها، لتوفير المياه النقية لأبناء الجبهة، وفي هذا السياق، جُرّت المياه إلى القنيطرة، وأكثر من عشرين قرية أخرى، من نبع بيت جن، وجُرّت المياه إلى قرى الزوية من نبع الجوخدار، في القطاع الجنوبي.
وبدأت الكهرباء تصل إلى قرى الجولان تباعاً، إذ وصل عدد القرى الأمامية التي أُنيرت بالكهرباء، حتى عام 1960، أكثر من 16 قرية.
وقدّمت قيادة الجيش المواد الأولية اللازمة لبناء عدة مساجد في الجبهة، منها مسجدان بُنيا –فعلاً- في الخشنية وخان أرينبة.
وكانت قيادة الجبهة قد خططت لمشروعات أخرى، نُفّذ القسم الكبير منها، في حين توقف قسم آخر، بسبب الانفصال بين الإقليمين : الشمالي والجنوبي في الجمهورية العربية المتحدة.
ومن هذه المشروعات كما يذكر الباحث تيسير خلف :
- مشروع مياه عين فيت، “اتمام المشروع”
- إرواء قرى حفر وراوية والقنعبة من ينابيع واسط وراوية.
- إرواء قرية صيرة الخرفان من مياه الصنابر.
- جر مياه إلى بعض القرى.
- إتمام مشروع كهرباء مجدل شمس.
- مساعدة في اتمام بناء جامع حي العرب في القنيطرة.
- مساعدة في ترميم كنيسة القنيطرة.
- مشروعات مدارس قرى الحدود “3 مدارس”
وعلى الرغم من أن خطوات التطوير السابقة كانت تترافق مع حملة دعائية ممجوجة، تتمثل بتنظيم المظاهرات والمهرجانات الخطابية، ورفع قائد الجبهة، أو من ينوب عنه، على الأكتاف، وما إلى ذلك، إلا أنها حققت مكاسب نوعية لأبناء الجولان، لا تنكرها العين، خصوصاً أنها ترافقت مع تنظيم حملة مساعدات اجتماعية، تمثلت بما يسمى معونة الشتاء، التي كانت تُجمع من التبرعات، وتُوزّع على أبناء الطبقة الفقيرة، ومنها القرى الأمامية، لتحمّل نفقات البرد القارس، بينما كان جزء من هذه التبرعات يذهب إلى بناء المساكن.
ولكن القرى التي استفادت من عمليات التطوير هذه بقيت محدودة، موازنة مع القرى التي لم تستفد.