الإضراب للجميع.. حق وواجب
عشتار نيوز للإعلام/ قضايا المجتمع/ مقالات الرأي
د. سميح الصفدي
كنت في الصف السابع الابتدائي يوم أعلنوا بداية الإضراب العام والمفتوح في قرى الجولان المحتل عام 1982.
بفرح المراهقين وعشقهم للحرية استقبلنا أنا ورفاقي الخبر السعيد الذي يعدنا بعطلة عن المدرسة لم نكن نعلم آنذاك أنها ستطول لما يقارب الأشهر الستة.
بدأ الإضراب في اليوم التالي بالتزام كامل من كافة الأهالي، وصارت التجمعات والمظاهرات والأغاني والاحتفالات والأهازيج الوطنية حدثاً يومياً تتخلله مناوشات محدودة مع جنود الاحتلال.
وبالرغم من أن جيلنا لم يكن بعد مشاركاً فعالاً او صانعاً للأحداث آنذاك إلا أننا كنا ولا زلنا حتى اليوم نشعر بفخر الإنجاز وروعة الحدث الذي أرغم إسرائيل على التخلي عن مشروعها بفرض الجنسية الإسرائيلية وما تستتبعه من أمور أخرى كالخدمة الإجبارية وغيرها من حلقات الأسرلة، والذي جعل الجولان في صدارة العناوين الإخبارية العربية والعالمية، وأعاد الجولان ولو شكلياً إلى الأجندة الوطنية للدولة السورية التي كانت قد تجاهلته رسمياً حتى ذلك الحين.
لا يقل أهمية عن الإنجازات السابقة الذكر كان ما قدمته تلك الفترة الاستثنائية لطلاب المدارس والأجيال الصاعدة آنذاك، من تذوق مختلف للواقع والحرية، الإمكانيات المفتوحة للرفض ولإرادة التغيير والخروج على الأنظمة والقوانين السارية، القدرة على التحرر من التزامات الواقع الثقيل إذا ما توافرت الإرادة الحرة. لقد علمتنا تلك الفترة أكثر بكثير مما كنا سنتعلمه في سنة دراسية.
غني عن الذكر الاختلاف الكبير بين عقلية المجتمع التقليدية آنذاك وعقليته النظاموية اليوم، فلقد بات إنجاز إضراب عام لساعات لا لأيام مسألة غاية في الصعوبة والتعقيد. حيث تراجعت قيم البطولة والكرامة والتضحية لصالح قيم المصلحة والعمل والادخار، واكتسب الوقت قيمة كبرى لم تكن ذات شأن عام 1982، وصار الاختلاف فضيلة يعتد بها أكثر من التضامن.
وأمام كل حدث جديد تتعالي الأصوات من كافة الاتجاهات، منها البريئة ومنها غير البريئة، مطالبة باستثناء الأبناء وطلاب المدارس من استحقاقات المرحلة بحجة ابعادهم عن الصراعات وعدم خسارة ساعات تعليمية، ويتضخم أمر هذه “الخسارة” عند البعض لحدود وسواسية فعلاً.
طلابنا كباراً وصغاراً جزء هام من مجتمعهم، وعلينا تقع مسؤولية دمجهم في القضايا العامة لا إبعادهم عنها، (طبعاً كل في حدود إمكاناته)، وعلينا تقع مسؤولية غرس بذور الوعي وحمل الهم العام في عقولهم وضمائرهم، كذلك بذور الحرية والرفض ورؤية إمكانات الواقع الكامنة والقدرة على إحداث التغيير.
من المحتمل جداً ان نكون أمام معركة صعبة وطويلة، وعلينا أن نستعد لها جيداً، وألا تكون الخسارات والمخاوف الصغيرة والجزئية عقبة أمام التضامن العام الهادف لحماية وجودنا ومستقبل أولادنا. الإضراب هو الشكل الأرقى من النضال السلمي، نضال المدنيين ضد العسكر، نضال المجتمع ضد الدولة، نضال الضعفاء ضد الأقوياء، نضال الفقراء بمواجهة الرأسمالية، نضال المنسيين بمواجهة الدولة المحتلة.