الحضارة اليرموكية جنوبي الجولان من 8000 إلى 4000 ق.م.
أول حضارة تصنع الفخار بالتاريخ وعبادة الأم وأول معبد بالتاريخ
عشتار نيوز للاعلام والسياحة/ فضايا جولانية
محمد زعل السلوم/ باحث اجتماعي و روائي وشاعر سوري من الجولان
نشأت الثقافة اليرموكية على أرض الجولان، وهي ثقافة تنتمي لثقافات العصر الحجري الحديث، وانتشرت هذه الثقافة وسط بلاد الشام، من جبيل على الساحل الشمالي في لبنان، إلى عين غزال، في منتصف الساحل الفلسطيني.
ويبدو أن الثقافة اليرموكية أخذت اسمها من وادي اليرموك، حيث عُثر على الموقع الرئيس لها قرب قرية التوافيق، على الطرف الشرقي لسهل الأقحوانة، في المنطقة المجردة من السلاح، جنوبي غربي الجولان المحاذي لحوض اليرموك. والتي أقيم على أنقاضها مستوطنة شعار هاجولان.
تمثل هذه الحضارة المرحلة الأولى لصناعة الأدوات الفخارية، وهي أقدم من فخاريات أريحا، ولقد تميزت الحضارة اليرموكية التي قُدّر عمرها بستة آلاف عام قبل الميلاد، بفخّار مُحزّز، ومُزخرف بالزخرفة المسماة ب”زخارف عظام ظهر السمك” والمطلي أحياناً باللون الأحمر القانئ، وتماثيل محفورة في الحصى، وبأدوات صوانية، أشكالها مختلفة، منها المناكيش والأزاميل والمخارز وشفرات المناجل ورؤوس السهام.
ومن الاكتشافات اللافتة في الموقع تماثيل طينية، تصوّر نساءً جالسات، وأحياناً رجالاً. وقد فتحت هذه التماثيل نقاشاً علمياً حول مدلولات رموزها التي عُدّت مكرسة للخصب، ولعلّها من الإشارات المبكرة لعبادة الأم.
وضم الموقع أيضاً تماثيل من الحجارة الكلسية، يتراوح طولها بين 4 سنتيمترات و32 سنتيمتراً، وتزن بين 30 غراماً و6 كيلوغرام. إضافة إلى ثلاثين تمثالاً مُحزَّزاً من البازلت، جرى تقطيعها بطرق هندسية مختلفة، بخطوط متوازية مرة، ومتقاطعة مرة أخرى، تشبه الأنماط الهندسية للأختام الطينية المعاصرة لها التي عُثر عليها في أكثر من مكان شرقي المتوسط، وشمالي ما بين النهرين.
ومثل المجموعة السابقة، أثارت هذه التماثيل نقاشاً حول مدلولاتها كما يذكر الباحث تيسير خلف في كتابه تاريخ الجولان المفصل، والسؤال حولها هل هي جزء من طقوس الخصوبة، أم أنها أشكال استُعملت في بعض طقوس العبادة، أم لوسم الحيوانات المدجنة؟.
وقد بينت دراسة الفخاريات وقطع الصوان والتماثيل عدم وجود آثار واضحة لهندسة معمارية، وهذا يعطي انطباعاً بأن أصحاب هذه الثقافة كانوا مجتمعاً رعوياً نصف بدوي، عاشوا في حفر أرضية وأكواخ مستديرة، صُنعت من مواد لا تصمد أمام عوامل الزمن، ما عزز احتمال أن يكون هذا الموقع مركزاً لقرى وتجمعات أخرى، كانت تعيش في المنطقة المجاورة.
وقد أُثيرت مجموعة كبيرة من التساؤلات حول مغزى وجود هذه المجموعة الكبيرة والمتنوعة من التماثيل والأدوات في مكان واحد، وهو ما أجابت عنه الاكتشافات الحديثة في الموقع، إذ كشفت عمليات التنقيب عن بناء من العصر النيوليتي (الحجري الحديث)، وهو الأول من نوعه حتى الآن، عائد إلى الألفية السادسة قبل الميلاد، في منطقة جنوبي بلاد الشام، مكون من غرفة مستطيلة، عرضها متر واحد ستون سنتيمتراً، وطولها ثلاثة أمتار، أرضيتها مرصوفة بقطع من حجارة البازلت المستوية، وأمام الغرفة، من جهة الشمال، فسحة مفتوحة تشبه فناء البيوت، وفيها هاونان كبيران، وتمثال حجري واحد، وقد وُجد أكثر من موقع مشابه لهذا الموقع في الجولان. ولكن هذه المواقع تعود إلى العصر الكالكوليتي (الحجري-النحاسي).
وعُثر بالقرب من هذا المبنى على زاوية بناء كبير، وبقي منه جداران، عرض الجدار الواحد متر تام، جرى تتبّع ثمانية أمتار منه، وعُثر أيضاً على تمثال حجري، هو الأكبر في مجموعة التماثيل التي عُثر عليها في الموقع، وهذا يُعزز الفرضيات القائلة بأن لهذا البناء العام المذهل وظائف دينية طقوسية، ولعله المعبد الأول الذي يُعثر عليه في عموم منطقة جنوبي المشرق العربي.
أقامت دولة الاحتلال متحف الحضارة اليرموكية في مستوطنة شعار هاجولان ويعتبر متحف نوعي وعالمي على أهمية كبيرة تحت ما تزعمه “حضارات في أرض إسرائيل”