هي هي الحيويّة الجولانية
عشتار نيوز للاعلام/ ادب وثقافة /
مرزوق الجلبي
كلّما زرتُ الجولان المُحتلّ اكتشفت من جديد “الحيوية الجولانية” ـ هذه الطاقة الخلّاقة على الحياة والوجود والتفكير والفِعل.
أمس ـ زرتها لأمسية ثقافية فوجدتني مندهشا من جديد حيال طاقة الذين التقيت بهم وقُدرتهم على أن يكونوا كما يشاءون لا كما يُريد الطاغية أو السُلطان. أحرار تمامًا إلا من رسائل يحملونها أمانة ويسيرون.
الحوارُ معهم هو الحوار الذي أتمنّاه. مفتوح على كل احتمال. أسئلتهم مبضع جرّاح لا يُصيب إلى موضع العملية ولا يترك نُدبًا. حسابهم مع الوجود مفتوح وهم جادّون في إجرائه. جلست هناك على كرسيّ خصصوه لي وشعرت انني أمام إله السؤال والمعرفة أنقاد له طوعا وصِدقًا إلى حيث يسعى المتأملون والعارفون. يسألون “بدون رحمة” لكن بكثير من الحبّ. فتبتسم لهم وتسير معهم الدرب إلى إدراك نقطة ما في الكون.
ليست المرّة الأولى التي أزور فيها الجولان وأهله هذا العام. وفي كلّ مرة أرى هذه الحيوية في الفكر والموسيقى والفنون التشكيلية وحياة الليل التي صارت ثقافة، وهذه الحفاوة والحميمية وهذا الوعي بالحال وهذه الصراحة في القراءة وهذه القُدرة على استشراف الآتي أو اجتراح مأثرة نضالية. يحدّثونك بصراحة عمّا بهم من وجع وهمّ وخلاف واختلاف وعمّا اعتراهم من تعب ووهن وبعض خراب. ويُحدّثونك عمّا تغيّر منذ معركة الهويات (1982) ومما تحوّل في المحنة السورية، عن النفوس ـ نفوسهم ـ والمواقف والأصوات. ثم تسمع منهم تصوراتهم وأفكارهم التي تتجاوز ما وصلوه من قبل. فتُدرك أنك أمام أناس قادرين على إنتاج وعيهم وحياتهم من جديد كما يشتهون.
هي هي الحيوية الجولانية، في أبهى تجلّياتها!
(السبت 17 آب 2019)