بدء الدورة الاولى من مهرجان الجولان للثقافة والفنون
عشتار نيوز للاعلام/ مسرح عيون
2010-09-30
إن ما يشهده الجولان السوري المحتل , من حراك ثقافي في السنوات الأخيرة , رغم كل العوامل السلبية التي يفرضها الواقع في ظل الاحتلال . هو محاكاة لحالة التطور الذي وصل إليه , نتيجة تراكم الملكات الأكاديمية من جهة , وانبعاث دوافع الطموح لدى الأجيال المتعاقبة , ، وخاصة ما امتلكه من موروث تراكمي خلال السنوات السابقة التي تعتبر الارهاصات الاولى للحركة الثقافية، وبروز المواهب الحبيسة بعد توفر الأدوات الثقافية والمهنية والمؤسساتية , التي رعت هذه المواهب ودفعت بها نحو التجربة , فبالتالي خلقت لها الأساس للتوجه , ومهدت ولا تزال , للوصول إلى الاحتراف
الفنون … هي معيار تطور ورقي المجتمع . وهي الدالة الثقافية للتغيرات الداخلية الجارية والأخذة بالتشكل في مجتمعنا . وان لم تتحدد معالمها البارزة بعد, إلا أنها تسير بخطى حثيثة نحو غاية منشودة , تشكل الهاجس المركزي للمهتمين بها , وللذين يرون بان مجتمعنا قادرا, وبإمكانياته الذاتية, إن يتقدم ويرتقي إلى مستوى الطموحات .
الواقع والارتباطات …
المجتمع في الجولان السوري, بكونه جزءا محتلا من الوطن السوري , فُصل قسرياً عن امتداده الاجتماعي وعمقه الديموغرافي , وبالتالي قُطع عن تواصله الثقافي. وبالرغم من محاولة الاحتلال تشويه ثقافتنا وفرض ثقافة الاستسلام والقبول بالأمر الواقع, فان جماهير الجولان وعبر نضالاتها المستمرة وبكافة الوسائل ومن خلال العديد من الاطر والمؤسسات استطاعت إن تخلق ثقافة بديلة, ثقافة مقاومة وانتماء للوطن والأمة والتاريخ.
وفي سياق تطور المشهد الثقافي في الجولان السوري المحتل وخاصة في العقد الأخير , تمتنت أواصر العلاقة مع مؤسسات ثقافية وأكاديمية فلسطينية , بهدف خلق ارتباطات تشبه إلى حد ما , تلك التي انقطعت قسرياً مع الوطن نتيجة الاحتلال , حيث أسهمت بالحفاظ على مضامين ثقافية وطنية وقومية مشتركة, ومتقدمة نسبيا في شكلها ومضمونها , عن الصورة التي كانت عليه قبل نشوء تلك العلاقة. فباتت فلسطين المحتلة , على الرغم من انقطاعها عن بيئتها الثقافية القومية أيضا،عمقا اجتماعيا وديموغرافيا للجولان المحتل , وامتدادا ثقافيا للإرهاصات الناشئة فيه والتي تعبر عن توجهات مواطنيه وانتمائهم .
ورغم افتقار الجولان المحتل للوسائل والمؤسسات والأدوات الثقافية المتكاملة، إلا إن المهتمين , جهدوا في بناء مؤسسات ثقافية ابتدائية , وابتدعوا الوسائل والأدوات الأولية لأجل دفع المسيرة الثقافية إلى الأمام بالإمكانيات المتاحة . فعملت بعض المؤسسات على رعاية الفن والفنانين , في مجالات المسرح والرسم والنحت والموسيقى , واللغة والشعر والقصة , والكتب والمطالعة , وإصدار المنشورات والدراسات , ورقص البالية، وإنشاء المواقع الإعلامية الالكترونية . وبذلك وبشكل تراكمي تطورت حركة ثقافية متميزة على ساحة الجولان المحتل بامكانيات وقدرات ذاتية ومحلية.
الرؤية…
إن الهدف من إقامة المؤسسات في الجولان السوري المحتل , هو إيجاد آليات بديلة ومناهضة لمؤسسات الدولة المحتلة , بالمجالات السياسية والثقافية والاجتماعية . وان كان الطموح اكبر بكثير من الإمكانيات إلا إن حقيقة إنشاء ووجود هذه المؤسسات بمستواها الذي هي عليه قطعت شوطا لا باس به بتحقيق مستوىً متقدم ومتطور. وجذبت قطاع رحب من السكان للمشاركة والمساهمة في رفدها بالطاقات اللازمة ، والالتفاف حولها ، كون جماهير الجولان هم العنصر المعني بالأساس بهذا الجهد وهذا الطموح الذي يشكل لهم هدفا بحد ذاته.
إن مخاطبة المجتمع بأدوات ثقافية، لها أبعاد سياسية وطنية، كان شكل من أشكال مناهضة الاحتلال . يهدف – إضافة إلى ما ذكر – إلى رفع المستوى الفكري للمجتمع , وخاصة الأجيال الصاعدة،بكونها تشكل المحرك المستقبلي للتطور القادم . وفتح الأبواب في شتى المجالات أمامها ، بحدود الممكن وفق الرؤية المنشودة،لكي تأخذ دورها في بناء المجتمع بمضامين ووسائل جديدة لا تقف عند حد المألوف .
إن العمل على العنصر الثقافي في حياتنا يؤسس لجيل أكثر فاعلية في أداء مهامه ومسؤولياته، ويُبنى عليه صرحا متينا من الوعي والإدراك، ويخلق مقومات متينة تدعم صمود المجتمع في وجه محاولات طمس هويته وانتماءه، هويته العربية السورية ، وانتماءه للثقافة والتاريخ العربي .
جمعية الجولان لتنمية القرى العربية في الجولان المحتل , هي إحدى تلك الآليات التي تأسست لتحقيق هذه الرؤية ،في ظروف محلية شائكة . فأنشأت مركزاً ثقافياً يتضمن قاعة الجلاء وبيت الفن وروضة الأطفال، ومركزاً للموسيقى، ومركزاً اعلامياً،ضمن مشروع ثقافي اخذ في الارتقاء والتطور، إضافة الى خلقهالبدائل خدماتية مميزة، كالمشروع الطبي واقامة مجمع عيادات طبية ومركزاً للطوارئ، ضمن رؤيتها ومشروعها الذي بدأ يتنامى ويؤسس لحالة ثقافية جولانية، ترتكز على ارث وماض ورؤيا مستقبلية خلاقة في ظل استمرار الاحتلال المعيق الأول والأساس لأي حراك اجتماعي وثقافي بناء..
المهرجان …
مجدل شمس… قرية صغيرة تمتلك مقومات شبه مدينة , تسير نحو أفاق لا حدود لها . انطلقت من الأمس القريب لتقف اليوم في أعلى الهرم الأكاديمي على مستوى العالم . توجت هذا العام انجازاتها بإقامة مهرجان الجولان للثقافة والفنون . بمبادرة وإدارة جمعية الجولان لتنمية القرى العربية في الجولان السوري المحتل . وهو انجاز, ليس للتفاخر وتسجيل الأرقام , إنما ليضعها أمام مسئوليات أعظم وأعمق , في إطار المسيرة الثقافية .
مهرجان الجولان للثقافة والفنون، هو المهرجان الأول من نوعه , ببرنامجه ومضمونه , في الجولان المحتل . وان كان لا يخلو من العثرات لكونه التجربة الأولى، فانه حمل معه رسالة ثقافية ذات أبعاد تربوية طالت شريحة أساسية في البناء الاجتماعي، هي الجيل الصاعد . فعبر عن المستوى الثقافي المتطور الحاصل في المجتمع الجولاني، وكشف عن المواهب الإبداعية لدي الموهوبين والمحترفين وشكّل بوصلة للاتجاه العام الذي يسير وفقها المشهد الثقافي ،وفتح المجال أمام ذوي التوجهات الفنية بمختلف أشكالها، بان تحدد مساراتها وخياراتها لمستقبلها الذي تطمح إليه.
لا نعتبر مهرجان الجولان للثقافة والفنون قمة في التطور، إنما هو جهد متواضع ،لازال دون مستوى الطموح الذي نصبو إليه, وهو بما قدمه من عروض فنية، يشكل أساسا لتجديد الانطلاق الدائم نحو الأفضل . انه تتويج لمستويات ثقافية لا تزال في طور النمو . ولم يعبر المهرجان عن كافة الطاقات والقدرات الثقافية في الجولان، لأنه لم يشمل جميع المؤسسات الثقافية القائمة ،سواء في مجدل شمس أو في القرى الأخرى ، ولم يشمل المواهب والإبداعات والقدرات الكامنة في الأفراد الذين يمتلكونها ، ولم يشاركوا في برنامجه . فلا يزال هناك إمكانية لرفد هذا المهرجان الذي نطمح بان يكون سنويا , بمزيد من المخزون الثقافي والتربوي المكنون في ملكات وقدرات المؤسسات الأخرى المتواجدة على الساحة الجولانية