خطاب التحريض والتجييش والمسؤولية الاجتماعية في الجولان
عشتار نيوز للإعلام/ مقالات الرأي/ فشة خلق
ايمن أبو جبل
دون سابق إنذار، تحوّل منصب الرئيس الروحي للهيئة الدينية في الجولان السوري المحتل، الى حرب كلامية ومناكفات سياسية واجتماعية بين شرق الجولان، وغربه، وبين الاطياف الاجتماعية والسياسية والعائلية داخل قرى الجولان نفسه.
كان من الاجدر بالفاعلين والنشطاء الزمانيين والروحانيين في الجولان بداية، معالجة الازمة المفتعلة، والتركيز على مسبباتها ودوافعها السياسية الخارجية، التي فُرضت على كل الجولانيين، فبدل ان نسجل إنجازات قانونية وشعبية في مناهضة مشروع المراوح الهوائية من الناحية السياسية والوطنية والزراعية، التفتنا الى تعزيز وخلق صراعات داخلية شخصية وأحيانا عائلية، طالت اشخاص كان من الضروري جدا احتضانهم وتجنيدهم في المعركة الشعبية والاجتماعية لمناهضة المشروع. وسواه من المشاريع التي تستهدف الجولانيين ارضاً وشعباً وهوية.
ففي غمرة الفوضى الاجتماعية التي يشهدها الجولان، تستمر الاجندات الإسرائيلية في تعزيز قوتها وحضورها، وتستمر معها الشركات الاقتصادية الإسرائيلية في استهداف مؤسسات قانونية وشخصيات اجتماعيه، وقفت بالمرصاد ضد سياستها في نهب الثروات الجولانية، لكمّ افواههم واسكات أصواتهم، باسم التشهير والقدح والذم والقذف، تحت غطاء القانون الإسرائيلي، لافتعال مشاكل داخلية، للتغطية على المشاريع الخارجية التي يجري رصدها في الجولان، في ظل تخلى الفاعلين والنشطاء عن مسؤولياتهم الاجتماعية وانتشار مواقف غير مسؤولة ( بطيخ يكسر بعضو، ولسنا بحاجة الى مشيخة وزعامة، العائلة لا تتحمل وزر اخطاء شخص ، اتهامات العمالة والخيانة …….الخ ) وكأن الحديث يدور عن منطقة أخرى من العالم..
إن كثرة التشهير بشخص او مؤسسة او فئة اجتماعية، او المدح على حد سواء، تؤدى إلى نمو الشائعات، والمعلومات الخاطئة، وتؤدي الى خلخلة النسيح الاجتماعي، والمصلحة العامة للمجتمع، في الوقت الذي تتطلب المسؤولية الاجتماعية والسياسية والوطنية، نبذ التشهير والتحريض لأنه خلق مذموم. حيث نشط البعض في الآونة الأخيرة، باختصار واحتكار رغبة المجتمع الجولاني ببيانات مجهولة الهوية والمصدر، او بيانات تمثل فئات حصرية، خاصة حين تطال اشخاص، يحاكمون بدون ان يتسنى لهم الدفاع عن وجهة نظرهم، او منحهم فرصة الحديث عن اخطاؤهم، وبالتالي يتم اقصاؤهم ومعاقبتهم بشكل غير عادل وغير أخلاقي.
في الحالة الجولانية الحالية، هل من المنطق مثلا ان نُصدق ان مشروع المراوح الهوائية كان سبباً في الازمة الجولانية؟ وهل من الممكن ان تؤتمن القرارات الصادرة من الشرق ،في وقت تخلى اصحابها عن مصالح عشيرتهم وأبناء شعبهم لسنوات، وارتهنت مواقفهم بقرار الافرع الامنية، رغم اننا أخلاقيا وتاريخيا وسياسياً وعاطفياً، نتبع لمشيخة عقل السويداء في الوطن؟
وهل من الممكن ان نثق بالتوصيات والرغبات الصادرة من الغرب، التي تحاول فرض إعادة تكليف الرئيس الروحي الى منصبه السابق، توافقاً مع اجندتها السياسية، المشكوك في نواياها ومضامينها شعبيا وسياسياً، لأنها تتلاقي مع الاجندات الإسرائيلية؟ في الوقت الذي يستطيع مجتمعنا ، متى وضع مصلحته فوق كل اعتبار، التقرير والبت في كل اموره ومشاكله، وتفويت الفرصة امام الوصايا الخارجية.
وهل نستطيع الائتمان على مصالحنا ومجتمعنا حين تقرره مجموعات تنقصها التجربة والخبرة، لمعالجة قضايانا العديدة، في الوقت الذي نحتاج الى الاستشارة والاستعانة بأصحاب الخبرة والتجربة من كافة الفئات الاجتماعية الروحية والزمنية على حد سواء. ومجتمعنا غني جدا بهذه الكفاءات والقدرات. وهل نستطيع الوثوق ببعضنا البعض، حين يترصد احدنا الاخر على تصريح وكلمة وسلوك وكلمة، “ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”
في ظل جنون وهستيريا اجتماعية ودينية غير مسبوقة وغير مسؤولة في الجولان المحتل، فإننا كمجتمع نساهم في حرق معنوي واجتماعي لشخصيات اعتبارية جولانية لا زالت فاعلة قد نختلف او نتفق معها في نهجها وتعاطيها مع الازمات الجولانية المختلفة ( المشاعات، المراوح، الاسرلة، الجنسيات الإسرائيلية، البرامج التربوية البديلة، الخلاف السياسي بين الموالاة والمعارضة، لجان الوقف، واموال الأوقاف …. الخ) . وهذه دعوة مفتوحة نوفرها بدون وعي منا، لتحجيم واقصاء دور شخصيات ورموز وطنية واجتماعية أخرى، للتقليل من فعلها وتأثيرها الإيجابي البناء في صون المجتمع الجولاني وحمايته.
فمن يمتلك اليوم حصانة معنوية، بضمانة تاريخه وارثه وموروثه وخدماته تجاه المجتمع؟ فعلا من يمتلك تلك الضمانة والحصانة، في ظل هذه الفوضى المجنونة. بما فيها المؤسسة الدينية ذاتها في الجولان وقرارتها، او أي مؤسسة اجتماعية أخرى تعنى بالشأن العام. والاعتداء المعنوي والجسدي على شخصيات فاعلة في المجتمع، والوقائع في السنوات الأخيرة، خير برهان على ذلك.
ان مشكلة المجتمع الجولاني في الازمة الأخيرة، ليست على الاطلاق مع شخص الرئيس الروحي للهيئة الدينية، وانما مع المشروع الخطير ذاته، الذي أعلن الرئيس الأسبق للهيئة الدينية، على الملأ وامام كل الناس رفضه له، قبل إعلانه الاستقالة من منصبه . ومشكلتنا ليست محصورة بالموافقة على عودته الى استلام منصبه او الإصرار على استقالته ، وابقاء المنصب شاغرا لأول مرة في تاريخ الجولان السياسي والاجتماعي. مشكلتنا الأساسية، اننا تناسينا المشاكل الخارجية وافتعلنا صراعات داخلية، للتغطية على ما يجري على ارض الواقع، بقصد او بدون قصد، بوعي وادراك، او بجهل ونسيان وعدم ادراك..
كنت أتمنى ان يتدارك الفاعلون في المجتمع الجولاني تلك المخاطر، والاقرار بان من أوصى ووافق بتولي فضيلة الشيخ طاهر أبو صالح لرئاسة الهيئة الروحية في الجولان، قبل أكثر من عشر سنوات وخاصة من الإطار العائلي المحترم، كان يدرك ويعي ويعرف كل سياساته وكل أفكاره وعقليته قبل توليه المنصب. وقبل ازمة المراوح، التي بدأ التداول فيها والترويج لها، والتوقيع على عقود سرية معها، قبل تولى الشيخ طاهر أبو صالح لمنصب رئاسة الهيئة الروحية في الجولان.فلماذا يتم خلط الاوراق اليوم باسقاط الماضي الذي تقادم بفعل الزمن ،مع احداث الحاضر. وخلق هذا التجييش اليوم ضد شخصه، وكأننا امام محاكم التفتيش…
مع التقدير والاحترام لحال الحركة الوطنية “الافتراضية” والشخصيات الوطنية والاجتماعية،والدينية التي سعت وتسعى الى تعزيز التواصل والتعاون والتكامل مع مختلف التيارات السياسية والاجتماعية، التي لولا نهجها الوطني والاجتماعي،وتعاملها بمسؤولية عالية منذ عقود ،لكان واقع الحال في الجولان كارثياً، وما الازمات الأخيرة الا بسبب غياب هذا النهج وتقاعسه، عن مسؤولياته ،حيث وفر هذا الغياب الفرص لنمو وتصاعد الازمات في الجولان، وجلب المزيد من البلبلة، وساهم في الفرص أكثر، للعنف والاعتداء المعنوي والجسدي، الذي ينمو ويزداد ايضاً، ويلقى احتضان ورعاية غير مسؤولة، وقد يتطور ويتنامى مستقبلا، حينها لن ينفع الندم…
في نهاية المطاف، يستحق مجتمعنا ان يمنح نفسه فرصة لإعادة قراءة وتقيم تجاربه واخفاقاته وعيوبه ونجاحاته وإنجازاته، ويعيد تنظيم نفسه توافقيا مع مصالحه، بغض النظر عن الموقف الشخصي الرافض لأسلوب التعيين والتكليف، اوالاقصاء والاحتكار لأي منصب اعتباري في الجولان.والاعلان عن مواقف صريحة وجريئة برفض التحريض والتطاول على شخصيات وهيئات اجتماعية ومحاكمتها،وتحييد تأثيرها البناء في صون المجتمع .. ولا يظنن احداُ انه خارج دائرة الاستهداف…
ولعل أقبح ما يُمكن ان يفعله المشتغل بالشأن العام هو الاستخفاف بالعقل والواقع والحقائق.وخلط الاوراق، أتمنى هنا على الفاعلين من كل التيارات الاجتماعية أن يغلّبوا المنطق في خطابهم الإعلامي والتجيشي مع الناس، ومنح الحالة الاجتماعية السياسية بعض الاهتمام والمسؤولية، وتجاوز الأخطاء والتجاوزات السابقة بشجاعة، والمساهمة البناءة في وقف هذا التدهور في امننا ونسيجنا الاجتماعي العام.والاحتكام للعقل والمنطق في تعاملنا مع ذواتنا اولاً، ومع قضايا مجتمعنا..