الجولان في سوق الانتخابات الإسرائيلية: ان الأخاديد الأخيرة التي يحرثها المحراث اليهودي ستضع الحدود النهائية لدولة لإسرائيل
شبكة جيرون الاعلامية/أيمن أبو جبل / المستوطنات الاسرائيلية
https://geiroon.net/archives/162527
تضمّنت بعض التصريحات لمرشحي الأحزاب الإسرائيلية، الذين يراهنون في سياق حصد الأصوات في الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في آذار/ مارس القادم، على كسب أصوات سكان المستوطنات الإسرائيلية البالغ عددهم حوالي 24 ألف مستوطن، اعتمادًا على أكاذيب تاريخية وسياسية، تتعلق بتاريخ الجولان، ومستقبله.
وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق “موشى يعلون” قال، خلال جولة ميدانية في المستوطنات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل: إنّ “هضبة الجولان جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، وهذا البند لا يخضع لمفاوضات. سنطور ونستوطن هذه المنطقة. وسنحافظ في الجبهة الشمالية على المعركة المتواصلة، ضد تموضع إيران وتعاظم قوة حزب الله، ونجهز الجيش الإسرائيلي لإمكانية الحرب”.
وأضاف أن قادة حزبه طالبوا واشنطن بالاعتراف بضمّ الجولان للسيادة الإسرائيلية، قبل الاعتراف الأميركي الأخير في آذار الماضي، الذي كان محاولة من ترامب لمساعدة نتنياهو في الانتخابات الماضية التي جرت في 17 أيلول/ سبتمبر، وانتهت بالفشل في تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
واستطرد مخاطبًا المستوطنين الإسرائيليين: “إن مرتفعات الجولان -بحسب المعتقدات اليهودية- جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل، وإصراركم في الصمود والبقاء في الجولان أدى إلى السيادة الإسرائيلية على الجولان، وكفاحكم الذي عبرتم عنه بقوة، خلال السنوات الماضية، أحبط وأنهى إلى غير رجعة فكرة الانسحاب الذي كان يمكن أن يؤدي اليوم إلى وجود قوات إيرانية مطلة على الجليل، وتهدد المستوطنات الشمالية، الأمر الذي عارضناه في السابق ونعارضه في المستقبل، ونعارض العودة إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو. نحن نؤمن أن الأخاديد الأخيرة التي يحرثها المحراث اليهودي، ستضع الحدود النهائية لدولة لإسرائيل”.
وأضاف: “أنا مؤمن أنه كان بالإمكان أن يتجاوز عدد الإسرائيليين في الجولان خمسين ألف يهودي، لولا تلك المفاوضات التي عرقلت ازدهار المشروع الاستيطاني، لكننا سنعمل بقوة على تحقيق ذلك… وأنتم الذين تمثلون الصهيونية الفعلية تستطيعون مساعدتنا لتحقيق أهدافنا، من خلال استبدال الحكومة الحالية، التي فشلت في كثير من مهامها، ونحن نتطلع إلى تغييرها قريبًا.” وتابع: “هناك أزمة قيادية في إسرائيل، ويجب اتخاذ قرار واضح لجلب الأزرق والأبيض (شعار الحزب) إلى السلطة، من أجل إحداث التغيير….”
بصرف النظر عمّا يعتقده قادة “إسرائيل” في “انتصارهم” على الإرادة الدولية، وانتزاع اعتراف أميركي بالسيادة على الجولان السوري المحتل، هناك أمور تجري على أرض الواقع تناقض روحية هذا الانتصار، منها بقاء وثبات جزء من السكان الأصليين في الجولان في أرضهم، على الرغم من قلة عددهم (حوالي 27 ألف مواطن) ورغم انحصار وجودهم في بضع مئات الأمتار فوق أرضهم، التي تهددها اليوم مشاريع الصناعة الإسرائيلية العملاقة من طوربينات هوائية، ومنشآت اقتصادية، كالتنقيب عن النفط والغاز والآبار الارتوازية.
لقد مارس الجولانيون قبل وبعد الاحتلال الإسرائيلي، الكثير من الحرف والأشغال اليدوية، لكنّ معظمها انقرض على مرّ الأيام وتبدلِ الأزمان، وشكلت تلك الحرف عنوانًا اقتصاديًا للجولانيين، كتصنيع الخنجر المجدلاني الذي تم حظره ومنعه بعد الاحتلال، وزراعة الكرمة والعنب والتين التي كانت مجدل شمس تحتل مكانة مرموقة في إنتاجه، وإنتاج النبيذ وتسويقه في القنيطرة وسوق الهال في دمشق، وقبل العام 1948 في أسواق صفد وطبريا، إضافة إلى صناعة العسل، وتربية الغنم والماعز والأبقار والدجاج والنحل، وصناعة الحصر الصوفية، وتبيض النحاس وطلائه بالقصدير للمحافظة على الأدوات النحاسية وإطالة عمرها، وصناعة الحصر ومكانس القش، والحياكة على النول لنسج النسيج، وصناعة السكاكين الصغيرة، وتصليح الأسلحة القديمة، وتصليح البوابير…
وشيئا فشيئًا، انتهت كل تلك الحرف والمهن والأعمال بعد الاحتلال، نتيجة المنافسة الاقتصادية غير المتكافئة بين سكان الجولان السوريين، وسكان المستوطنات الإسرائيلية، حيث أدت إلى انهيار شبه تام للقطاع الزراعي الجولاني، بعد حرمان المزارعين السوريين من كامل حقوقهم في ريّ مزروعاتهم التي تقدر بـ 14 مليون كوب تسمح لهم السلطات الإسرائيلية بــ 4 ملايين كوب فقط، بينما يحصل المستوطنون على كامل احتياجاتهم التي تقدر بـ 34 مليون كوب سنويًا، بأسعار مخفضة تساوي 25 % من السعر الذي يدفعه مزارعو الجولان المحتل.
اليوم، بعد أكثر من نصف قرن من عمر الاحتلال الإسرائيلي للجولان، وفي مواجهة المشاريع الاقتصادية الإسرائيلية العملاقة الخطيرة على وجودهم واستمرار سبل الحياة فوق أرضهم، تبقى هناك أشد المخاطر التي تهدد الوجود الثقافي والتراثي لسكان الجولان المحتل: إهمال وتجاهل الموروثات الثقافية الاقتصادية والمهنية والفكرية للجولانيين، كشجرة التفاح وما تمثله من رمزية وطنية ونضالية في معركة البقاء، وصمودها أمام منافسة المنتوجات الاستيطانية، ومن أهم المسؤوليات الاجتماعية والثقافية، محاولة حماية وإحياء المنتوجات المحلية الجولانية المهددة بالانقراض، الأمر الذي يُحتم على المؤسسات التعاونية الاقتصادية الجولانية “كالبرادات وجمعيات المياه ولجان الأوقاف الدينية، ورجال الأعمال والتجار وكلّ المؤسسات واللجان والمجالس الفاعلة في كل المجتمع الجولاني، تخصيص وقت وشيء من الاهتمام والمسؤولية الاجتماعية لهذا الجانب التراثي الثقافي، من خلال تبني مهرجانات، وإقامة أسواق شعبية لحماية هذا التراث، بواسطة مختصين ومهتمين وداعمين محليين ودوليين…. جنبًا إلى جنب مع معركتهم الحالية بمنع إقامة الطوربينات الهوائية العملاقة، كجزء من عملية مقاومة المشروع الثقافي الاقتصادي الاستيطاني، وتأكيد وجودهم واستمراره الذي يحاول المستوطنين سرقته واستنساخه كإرث يهودي مزيف.
.