في ذكرى الاعتقال
عشتار نيوز للاعلام/ من ذاكرة المعتقل/ ايمن ابو جبل
23-8-2019
( ضمن مشروع توثيقي عن الحركة الاسيرة في المعتقل الاسرائيلي…) من ذاكرة المعتقل 23-08-1985
مقتطفات من نصوص غير منشورة -وغير معدلة-
كنا جميعا قد انهينا هذا العام المرحلة الثانوية واجتزنا امتحانات البكالوريا حين داهمت قوات كبيرة من الجيش الاسرائيلي والشرطة وحرس الحدود و جهاز الشين بيت الاسرائيلي قرية مجدل شمس ليلاً ووصولوا الي منزل والدي… استيقظت على صوت الطرق الشديد على الباب وعلمت انهم اتوا هذه المرة لاعتقالي.
” افتخ افتخ” لا تزال هذه الكلمة عالقة في ذاكرتي. تقدم والدي وفتح الباب واوهمت والدي ووالدتي انني نائم وسمعته يقول لهم ماذا تريدون… قال له ضابط الشين ابنك وين؟ ابني في حيفا .
لا ..نعرف ان ابنك الاخر في حيفا… الأصغر منه اين هو ؟
هذا ابنى ماذا تريد منه .
قلت لك اين ابنك ايمن؟
ايمن هو صغير ونائم ماذا تريد منه .
ساخذه لعشرة دقائق فقط واعيده اليك صباحاً … اعدك بذلك ..
لكنه صغير …ولم ينتهى هذا الجدال الا حين ازاح البطانية عن وجهي باعقاب بندقية احد الجنود وقال لي بصوت هادئ ولغة عربية فصحى… ايمن قوم البس وتعال معنا…. نريدك لعدة دقائق نوجه لك بعض الاسئلة، ونعيدك الى اهلك
لكنكم سالتوني قبل عشرة ايام حين اعتقلت على الحاجز .
هيا قم قم ولا تخف…
في هذه الاثناء كنت اخلع ملابس النوم وارتديت ملابسي امامه..
وامي تبسلم وتدعي لي. واكثر من عشرة من افراد الشرطة الاسرائيلية بدأوا بتفتيش المنزل والعبث بمحتوياته بعد ان ادخلو امي واخواتي وعزلوهم الى غرفة اخرى.
خرجت معهم وابي يقول لي لا تخف يا ابني انهم خائفون منك انت . معك وطننا وشعبنا واعمامك كلهم كانوا هناك لا تخف منهم ابداً..
وما ان خرجنا من البوابة الخارجية للمنزل حتى اوسعوني ضربا وقيدوا يداي بقيود البلاستيك ووضعوا كيسا برائحة كريه في راسي وربطوه بإحكام حتى كدت اختنق .. كنت اتنفس بشدة وقوة وشعرت انني اختنق .
كان الخوف وهذا الارتجاف يأسرني، وذاك المجهول الذي ينتظرني.. ساروا بي عدة امتار خارج منزلنا ولم اعد اسمع صوت ابي .
كانت اقدام الجنود وصوت بنادقهم وصياحهم وحدها ، وخوفي يبدد صمت هذا الليل. ادخلوني الى سيارة الجيب العسكرية ودفعوني بقوة الى داخلها …. لم اعرف كيف جلست .. تحسست بوجهي الذي رطم ارضية الجيب مقعد حديدي جلست علية لاشعر انني لا ازال محسوبا على الجنس الانساني بعد الجولة الاولى من الاذلال.
كنت وحدي داخل سيارة الجيب لاكثر من ربع ساعة، وربما أكثر ومن حولي اسمع اصوات الجنود، وهدير محركات السيارة التي تأتي وتذهب.
فُتح باب الجيب واحسست بوجود شخص اخر داخله، لم اقوى على التفوه باي كلمه . كان الجنود عصبيون جدا.
فهمت من أحاديثهم ان الرصاصة أطلقت بالخطأ بعد ان قفز احد الجنود من وراء الجدار. وفي منزلنا جدار لم افهم ما يدور كنت خائفا جدا . وأصبح خوفي يشتد أكثر واكثر لمعرفة من هذا الذي وضعوه بجانبي . مرت دقائق عديدة حتى تملكت نفسي وبددت خوفي وقلت …من انت ؟ اخرس يا … جاءني جواب الجندي الاسرائيلي فورا .. فخرست ولم اعد اتفوه كنت معنيا يان يعلم هذا الغريب المجهول انني هنا.. وهو ليس وحيدا..
بعد دقائق فتح باب الجيب من جديد ، وعلا ضجيج الجنود كلهم .ومن الاصوات شعرت ان المعتقلين الجدد ثلاثة.. لست وحدي اذن. كنت اخشى ان يكون اولئك هم رفاقي في التنظيم..
تأكدت ان احد رفاقنا موجود معي بالجيب حين بدأ يقرأ آيات قرانيه لكي نعرف بوجوده ورغم ان الجنود منعوه من الكلام الا اننا اثرنا احتجاج وعرفنا بوجوده من خلال ما قام به رفيقنا .. وانطلقوا بنا الى مركز الشرطة الاسرائيلية في مسعدة. انزل الجنود المعتقلين وانا بينهم..بقيت في العراء حيث كنت اتحسس برودة الجو الصباحية طلبت بصوت خفيف وواثق ان ادخل الحمام لقضاء الحاجة فلم يستجب احد… رفعت صوتي ثانية ولم يجب احد .. اعتقدت للوهلة الاولى انني وحيدا في العراء، رفعت صوتي اكثر وبحدة هذه المرة لكنها قبضة احد الجنود على راسي اسكتت صوتي وقال لي :
قلت لك اخرس. الحمام ممنوع… وكم كانت الصدمة حين صدح صوت عصبي اخر بالعربية يقول يريد دخول الحمام ماذا يفعل؟ وكان صوت رفيق طفولتي صدقي المقت لادرك حينها باليقين انهم قبضوا على الرفاق وحركتنا في المقاومة السرية وهم رفيقي صدقي القت وسيطان الولي وعاصم الولي، ورفيقي عصام أبو زبد وزباد أبو جبل ،بعد اعتقال رفيقينا بشر المقت بعشر ة أيام ضمن خلية أخرى للمقاومة واعتقال رفيقي هايل أبو زيد قبل عدة أيام…. في حين باقي رفاقنا خيرالدين الحلبي وعبد اللطيف الشاعر اعتقلوا بعد انتزاع اعترافات خلال التحقيق عنهم لاحقا ….
نقلونا الى احدى المصفحات العسكرية وكان الجو داخلها خانقا . عرفت ان خمسة او اكثر من رفاقنا قد تم اعتقالهم. لم نكن نعرف الى اين يسيرون بنا.. كان الوقت يمر بطيئا وانفاسي تكاد تتقطع .احسست ان هذا القناع يخنقني. وتلك القيود البلاستيكية تلتهم لحم معصمي. لم افكر بالاحتجاج لئلا امنحه سببا لضعفي وخوفي كنت احاول اخفاء ذلك عنهم كي لا اخضع للمساومة في الطريق الطويل الى الجهة المجهولة …
حيها كان وجه ابي يرافقني وبسملات امي المسكينة كيف يكون حالها الان، ولم تغب عني وجوه اخواتي الصغار التي كانت مليئة بالخوف والرعب وهن يتمسكن بثوب ابي خائفات مرعوبات.. تباً ماذا سيحل بهم وماذا فعلوا بهم بعد اعتقالي هل ضربوا والدي هل اعتدوا على احد كما كانوا يفعلون بعائلات المعتقلين سابقاً تباً لهذا الطريق الطويل الى اين يسيرون بنا ونحن مقيدين داخل هذا الصندوق الحديدي . كنت اشعر ان هذه الليلة لن تنتهي.
نزلنا من المصفحة والاكياس في رؤوسنا وسحبونا جراً منها . لم اكن اعرف كيف اسير، لكنني شعرت بسعادة الى ان رحلتي في هذا الصندوق قد انتهت تلمست ارضية صلبة ربما من الباطون او الاسفلت لا اعرف وجرني جنديين او شرطيين حتى توقفا وقالا بالعبرية افتح الباب.. سمعت صوت الباب الحديدي وصوت ارجل تمشي من ورائي ربما كانوا رفاقي. مرة اخرى افتح الباب بالعبرية.
وقف هنا امرني جندي..
قلت له انت من يقرر ولست انا لانني لا اري شيئا
قال لي بدون فزلكة واخرس. وخرست. انتظرنا قليلا وسرنا كنت اشعر بحرارة الجو نحن داخل مبنى على ما يبدو ربما في عكا او الجلمة او السجن السري لم اعرف المكان بالضبط لكنني في قبضتهم لربما بعد قليل سيبدا التحقيق كنت انتظره كي اتحرر اخيرا ولو لدقائق من رائحة هذا الكيس القذرة، انها تخنقني وتقتلني بقذارتها وشدة الحرارة التي تنتج عن انفاسي. سرنا مرة اخرى شمالا يمينا لم اعد اذكر الا ان المسافة هذه المرة كانت قليلة .
قف هنا جائني صوت بالعربية الجيدة ما اسمك قلت له من انت؟ اخرس قلت لك ما اسمك ؟ وماذا تريد من اسمي جلبتموني من البيت ولا تعرفون من انا ؟ يا حيوان اسمك اريد تسجيلك؟ حسناً قل هذا من البداية؟
فقلت له اسمي الكامل .
وبشكل لطيف قال لي ساقطع الازيك البلاستيكي من يدك؟ اذن سيبدا التحقيق ربما ..
حسناً سيزيل هذا الكيس. لقد احسست انني فقدت يداي بعد ان قطع القيود . امسكت بها بكلتا يداي لاتلمس الاثر الذي تركه القيد وكان بالفعل قد حفر بلحمي . واحسست بشئ يمتد الى رقبتي ليفك ربطة الكيس وانتزعه بقوة ..
يا الهي استعدت حرية ان اتنفس تطلعت حولي كان شرطيا وحيدا ومن حولنا غرفة مضاءة وفي الجانب الاخر رايت رفيق طفولتي هناك، لا يزال الكيس في راسه شعرت برغبة قوية بالمنادة عليه لكنني تراجعت اكتفيت بتوديعه بعدة نظرات قبل ان يدفعني هذا السافل وبقوة الى داخل غرفة مضاءة لا يوجد فيها سوى اوساخ قذرة وبطانية باحدى زواياها وسطل في وسطها …. الغرفة طويلة ولا يوجد بها سوي باب حديدي بمساحة لا تزيد عن المترين بمتر نصف وارتفاع مترين ونصف .. يا الهي كيف ساجلس هنا داخل بئر الاوساخ هذا.
قلت للشرطي ولكنها مليئة بالاوساخ لكن السافل اجابني لا يوجد مشكلة ستتراكم الاوساخ بوسخ جديد ومضى الى غرفة اخرى..
مرت اربعة ايام وانا داخل الزنزانة خرجت مرة واحدة برفقة جنود اقتادوني الى غرفة قريبة بدون ان يضعوا شيئا على راسي واقتادوني الى شخص جلس وراء مكتب وخلفه يتدلى علم دولة إسرائيل.القاضي الإسرائيلي.
قالوا لي ان الان سيصدر قرار بتمديد الاعتقال حتى انتهاء التحقيق معي وبالفعل اصدر قرار بتمديد اعتقالي 15يوما ، ولكن قلت للشرطي لم يحقق معي احدا بعد ، لكنه نهرني بحركة باصبع يده ووضعها على فمه في اشارة انه علي ان اصمت وصمتت .
عدت الى ذات الغرفة وفي طريق عودتي رأيت احد رفاقنا الذين اعتقل قبل عشرة ايام قبلي برفقة اشخاص يلبسون ثيابا مدنية، لم احاول حتى التكلم معه خوفا منهم .
في الزنزانة كنت اسمع اصوات بكاء وضرب وانين وصياح. كانت اعصابي تنهار، وخوفي يزداد، ومع كل صرخة وانين اقترب من الباب الحديدي لعلني ارى شيئا.. اربعة ايام ولم يتفقدني سوى هذا الشرطي السمين الذي يفتح نافذة موصدة في الباب الحديدي ليدخل لي منها الطعام ويخرج الطعام وتلك الزيارة الى القاضي . اما عن قضاء الحاجة فقد كانت داخل السطل في هذه الغرفة التي تتدنى فيها قيمة الانسان. كنت امارس طقوسا معينة من النظافة كي اقنع ذاتي انني اعيش داخل غرفة نظيفة لكن الروائح وبقايا الدم والشعر وتلك البطانية المليئة برائحة البول هي فراشي وغطاءي فمن اجل ان تبقى عليك ان تصنع جنتك من جحيم القذارة .
داخل الزنزانة مارست الرياضة لاحاول ان اتكيف مع الواقع الجديد الذي قد يطول ويطول، والهي نفسي عن التفكير بهذا الرعب المتواصل الذي يغزوني كلما سمعت صوت احدهم يتعذب ويتألم… كان علي ان ابدد كل الخوف الذي يرافقني واسخر كل الادوات التي املكها من اجل ان لا اهزم ذاتيا واكون فريسة سهلة امام المحقق لينال مني دون تعب او جهد.
لم اكن اعلم شيئا عن التحقيق واساليب التحقيق سوى ما شرحه لي احد اعمامي بعد تجربته في المعتقل… اخبرني عن التعذيب بالكهرباء و سحب الاظافر و الشبح المتواصل. والضرب بالعصي والتعرض للاعضاء التناسلية بالضرب الشديد وتقليع الشعر وجهاز كشف الكذب.
كان شرحه لي بسيطا رغم اسئلتي العديدة له.. لكن ما استحضرته انه حين تخضع لجهاز كشف الكذب عليك التفكير بانك برفقة امرأة تمارس معها الجنس ، او تستحضر شخصا تكرهه بشده. انا الان وحدي كيف لي ان استحضر امرأة وانا لم امر بهكذا تجربة بعد، ولا اكره احداً. كان الخوف يتملكني ويسيطر علي لكنني كنت قد اتخذت قراراً… لن انهزم بسهوله كما كنا نتحدث انا ورفيقي صدقي اثناء عملنا في السابق، وعلي ان استجمع كل ما اعرف وكل املك من قوة في مواجهتهم فانا الان وحدي في معركة …
كان مساء اليوم الرابع حين فتح الشرطي الباب الحديدي كنت اعرف ساعات المسا من صوت فلسطين من دمشق عند السادسة والنصف حيث كان الشرطي يستمع الى الاذاعة داخل الزنازين لسبب لا اعرفه ،وامرني باخراج السطل الى مكان قال عنه انه حمام وبداخله فتحة فظلات ومكان مخصص لقضاء الحاجة وبجانبه مغسلة مهترئة وارضيته سوداء لكثرة الاوساخ فيها، نظفته بعناية بالماء ونظفت يدي حتى كتفي وغسلت وجهي.
منذ اربعة ايام ولم اغتسل او اغسل وجهي. رغبت جدا ان يتركني اتمتع قليلا بالماء . وحين انتهيت وقفت كي امنحه متعة اغلاق الباب علي، لكنه امرني ان اخرج فخرجت دون أي سؤال. اغلق الباب وجاء شخصيين بالثياب المدنية للوهلة الاولى اعتقدت انهم معتقلين جدد مثلي لكن احدهم خاطبيني كيفك يا ايمن . قلت له هل تعرفني قال بالطبع اعرفك ومن انت قال ابو حسن… اذن بدأ التحقيق قلت في نفسي الان ساخوض جولة من التعذيب.
امرني ابو حسن وابو سامي وهي اسماء عربية لضباط المخابرات الاسرائيلية وهم مختصين بعادات العرب واحوالهم وامزجتهم بعد خوضهم دراسات اكاديمية وتجارب في المجتمع العربي. وسار ابو حسن امامي فيما ابو سامي بجانبي ودخل غرفة مكيفة داخلها مكتب وكرسي وراء الطاولة اضافة الى عدة كراسي امام المكتب وقفت دون اجلس وجلس أحدهم وراء المكتب فيما الثاني بقى واقفا جانبي. الا تريد ان تجلس قال لي ابو سامي. كيف يجلس وكل ملابسة وسخة ورائحته كريهه .جاوبه سامي.
الم تغتسل يا ايمن. قال لي ابو حسن. سوف يغتسل بعد ان ننهي معه جاوبه سامي. كنت استمع اليهم واتطلع الى وجه كل واحد منهم كلما تحدث. مو مشكل اجلس هنا امامي لدي عدة اسئلة قصيرة وسننتهي سريعا وتذهب بعدها قالها ابو حسن واثقاً.
تقدمت عدة خطوات وانا اتطلع واتفحص المكتب من حولي وجلست على الكرسي امامه فيما بقى ابو سامي واقفا ورائي. حسنا يا ايمن كل رفاقك قد اعترفوا . لم يكن وقت لنتحدث معك طيلة الايام الاربعة السابقة كوننا كنا مشغولين مع رفاقك وجميعهم اعترفوا بكل شئ وهم يكتبون افاداتهم الان.
-حسنا ابدا بالحديث عن حركة المقاومة السرية ؟ وتطلع نحوي حازما ينتظر
أي حركة واي سرية لا اعرف عن ماذا ساتكلم.
عن التفجير في بقعاثا وزرع الالغام والقنابل التي بحوزتكم ماذا فعلتم بها لا اريد ان اوجع راسي وراسك دعنا ننتهي من القصة سريعا انا منذ اربعة ايام لم اغادر هذا المكان انت شاب فهمان وكنت في الناصرة في مخيم الشيوعيين وتشترى كتب عن الشيوعية وانت تعلم اننا نعرف كل شئ عنك وعن رفاقك وعن حبيبتك وكل تصرفاتك وافكارك، ابدأ بالحديث وسننتهي من هذا الموضوع.
-لا اعرف شيئا عن الذي تذكره ولا عن اولئك الاشخاص، ومن هم رفاقي الذين تتحدث عنهم. ما تذكره غريب جدا بالنسبة لي .
– كلهم اعترفوا عليك وقالوا انك عضو بالمقاومة السرية واحد المؤسسين فيها لا داعي للانكار كل شئ واضح ومكشوف بالنسبية لنا .
– ان كان ما تقوله صحيح فماذا تريد مني اذن وما علاقتي انا بالموضوع كله . – اسمع قبل عشرة ايام اعتقلك الجيش واخذك على الشريط انت وابن عمك وصديقك ( ابن عمي علم ابو جبل وصديقي اسعد بريك) وانت تعلم لماذا اعتقلوك؟
نعم اخبروني لكن لا علاقة لي بالموضوع كما قلت لهم وافرجوا عني بعد في اليوم التالي؟
– اسمع يا ايمن لا اريد ان اضغط عليك انظر ابو سامي هنا وهو لا يحب المراوغة والكذب ابدأ بالكلام؟
-عن ماذا اتكلم ..
عن التنظيم السري والالغام والقنابل نريد ان نعرف ماذا فعلتم بها .
قلت لك للمرة الالف لا علاقة لي بهذه المواضيع، ومن اين اعرف عنها .
الا تريد التسجيل الى الاتحاد السوفياتي للتعلم
بلا اريد وساسافر بداية العام القادم.
ماذا تفعل هناك
اريد ان ادرس في الجامعة
الشيوعيين رتبوا لك هذا الامر
بل الحكومة السورية حكومة وطني.
اذن انهي شؤونك معنا واذهب لتتعلم هناك
ساذهب بالطبع
اذن تكلم
عن ماذا اتكلم
اسمع لك حيوان ، بدك تحكي شو في عندك ، علا صوت ابو سامي من ورائي وانهال علي بالضرب بكف يده على راسي.
بدك تعمل ابو علي عند ربنا هنا تكلم
لماذا تضربني فانتم دولة قانون كما تقولون
اخرس يا كلب … وتتالت الصفعات على راسي ووجهي دون رحمة..
في هذه الاثناء خرج ابو حسن من الغرفة وتركني مع ابو سامي الذي نادى احد الجنود وهو ضخم الجثة ومفتول العضلات وبدأ بلكمي ورفسي على مختلف انحاء جسمي.. لم اصرخ في هذه الاثناء كنت استشعر الضربة لاحمي بعضا من انحاء جسدي.
امسك ابو سامي بشعري وشدني الى الاعلى وبدأ هذا الوحش بتوجيه الصفعات على وجهي ولكلمات أخرى بيده الاخري على اعضائي التناسلية حتى فقدت توازني من شدة الالم وصرخت بوجهه انت لست رجلا من يضرب فهو فاشل بعمله لا تريد ان تصدقني . حسنا اضرب ما شئت.. فانتم الاقوى وانا سجينكم هنا وبين ايديكم افعل ما تشاء لا يوجد عندي امور اخفيها عنكم.
لا يوجد يا خرا سنرى ماذا ستفعل بعد قليل انتظرني هنا ..
وخرجوا وتركوني وحيدا بعد ان زادوا من قوة المكيف وشعرت بالبرودة تنتشر في انحاء جسمي رغم الحرارة الناتجة عن الضرب والالم. حاولت ان امسح الدم النازف من انفي بقميصي كنت اشعر بالرعب والخوف وبذات الوقت بقوتي امامهم لانهم بدأو بسياسة الضرب .
لقد سمعت مرة احد اعمامي الذي كان معتقلا ومسجونا في إسرائيل . يقول حين يبدأ المحقق بالضرب فهو فشل في احدى الجولات وانتصرت انت، وعادة من يمارس الضرب المحقق الشرس بعد ان يخرج المحقق الودود من الغرفة وهذه سياسة متبعة لجعل السجين يعترف سياسة العدو والصديق وتبادل الادوار.
في غرفة التحقيق بقيت وحدي طيلة العشرة دقائق سمعت خلالها صوت صراخ وضرب وكلامات بذيئة ربما تكون موجهة الى احد الرفاق وربما كانت تمثيلية لايهامي بان ما حصل كان فقط بداية..
عاد ابو حسن يحمل كاس شاي معه وتفاجأ حين راى الدم على وجهي وقميصي كنت قد تمالكت قواي وجلست من جديد على الكرسي التي امتلآ ت اطرافها بدمائي. من فعل معك هذا؟ صرخ ابو حسن متفاجئاً؟
انت تعلم من فعل هذا؟
هل تقصد ابو سامي
اجل ووحش اخر
قلت لك تكلم فانا لا استطيع ان امنعهم هو المسؤول هنا وحاولت التحدث معك بمنتهى الاحترام فانت شاب جيد وطموح ولديك احلام بالسفر وتعرف كيف تحب وكيف تعيش لست مؤهلاً لهذه التصرفات قلت لك نعرف عنك كل شئ.
حسنا ان كنت تعرف كل شئ فلماذا تفعلون هذا بي وانت تعرفون الحقيقية وقلتها لكم لا علاقة لي بالموضوع؟
حسنا لن اضغط عليك ساقنع ابو سامي بالكف عن ضربك واعادتك الى الزنزانة وساطلب منه ان يسمح لك بالاستحمام والغسيل بالفعل ان الروائح المنبعثة منك كريهة في هذا الجو.
وقبل ان يخرج من الغرفة سالني هل تريد كاس شاي .
لا اريد شيئا.
حسنا. انتظرني هنا وفكر قليلا اقول لك كل رفاقك اعترفوا
من اولئك الذين اعترفوا واجهني بهم اذن لتتاكد ان لا علاقة لي بما تريدون.
حسنا ارتح قليلا وسارى ماذا بامكاني ان افعل.
خرج وتركني لخمسة دقائق واشار للشرطي المناوب ان يعيدني الى الزنزانة وقال لي ادخل الى الزنزانة الان فانت مرهق جداً..
فتح باب الزنزانة ودخلت وقبل ان يغلق الباب قال لي بالعربية هؤلاء لا يعرفون الرحمة وخاصة ابو سامي كل رفاقك الاخرون دخلوا الى الاقسام الاخرى وهم يتمتعون بالمياه والطعام والنزهة اليومية وفي غرفهم يوجد حمامات نظيفة.
اغلق الباب وعدت الى زنزانتي الكريهه ..
كانت جسدي يرجف الماً واشد الاوجاع كانت في منطقة الاعضاء التناسلية التي اخذت الحصة الاكبر في الركل والضرب قلت في نفسي جيد انهم لم يجردونني ثيابي فعلى الاقل وفرت البنطالون واللباس الداخلي بعض الحماية لم استطع ان اتحمل الوجع حاولت الوقوف لاري الضرر الذي استشعره في تلك المنطقة وببطء حاولت النظر لاتاكد من سلامتي فكان احمرار وانتفاخات دون أي اثار لدماء كما تخيلت.جلست مقرفصاً في احدى زوايا الزنزانة وحملت كل قاذورات البطانية الوحيدة في حضني عل ذكرياتها وما شهدته من عمليات تعذيب ان تدفئ اوجاعي..
فكرت بالرفاق وماذا حل بهم هل اعترفوا ؟. هل تعرضوا مثلي للضرب والتعذيب؟ كنت واثقا ان بهذه الزنازين عاش اعمامي ومعتقلي الجولان والمعتقلين الفلسطينين ولست الوحيد هنا بين تلك الجدران بجانبي هناك اشخاص مثلي.. جلست وانا اتأمل الاسماء المحفورة على الجدران بعضها محفورا باشياء حادة وبعضها مكتوب بالدم كان اكثر ما يشحذ همتني ويشد من ازري تلك العبارة التي لاتزال ملهمي..” اعلم يا اخي اننا كنا هنا مثلك وسيكون اخرون هنا مكانك.. عيوننا تتطلع اليك وائقة بك”.
يا الهي كم شهدت هذه الجدران من عذابات لناس وكم مر عليها من وجوه واصوات لا اعرفهم لكنني احس بوجودهم معي.
قرأت اسماء لمعتقلي اعرفهم من الجولان المحتل، وكان مجرد قراءة العبارات والاسماء محفزا لي على الصمود ففيها اشعر بانتمائي الى تلك القوافل التي مرت من هنا، وفعلت كما فعلوا وحفرت اسمي في مساحة فارغة على الجدار لتكون بين تلك الاسماء وتكون شاهدة لرفاقي على انني كنت هنا ايضاً..
في السجن حيث تكون في قبضة الجلاد تستحضر اولئك الاشخاص الذين تحبهم، وتستشعر بقيمك وتاريخك وكل الاشياء الجميلة التي مرت عليك تتميزها وتراقبها وتتطلع اليها كانك في اللقاء الاخير.
كنت واثقا ان الجولة الاولى من التحقيق قد انتهت لصالحي لم يهزمني المحققون رغم الايذاء الجسدي الذي تعرضت اليه. حاولت التمدد في ارض الزنزانة علني انام قليلا الا انني لم استطع اغماض عيني ، كنت استذكر تفاصيل الجولة الاولى من التحقيق وماذا يعرفون عني وافكر بالجولة القادمة متي ستكون؟ وكيف ستكون؟ استجمعت قواي لاقف وانادي الشرطي كي انظف وجهي من الدماء. لم استطع التفكير بصوابية ماذا افعل، هل ساخضع الى الابتزاز او سيلبون طلبي بغسيل وجهي؟ اقترب الشرطي من الباب واخبرني انه باستطاعتي بعد قليل ان اخرج للغسيل وانظف وجهي لكنني لم اصدقه وعدت الى زاوية الغرفة وجلست واسندت راسي الى الحائط الملطخ بالدم والاوساخ فلم يعد هناك فرق بين دمي ودم من سبقني هنا في هذه الزنزانة.
اغمضت عيني قليلا في محاولة للاسترسال واستجماع قواي وكلما ارتحت استرخيت قليلا حتى يطرق الباب الحديدي بقوة . كان الشرطي يحاول منعي من الاسترخاء والنوم ولو لبعض الثواني.. ادركت انهم لن يسمحوا لي بالغسيل وربما ستكون الجولة الثانية قريبة ..
لا اذكر كم الوقت بقيت على هذه الحال لكن ما يحصل معي كان يحصل مع غرف اخرى في نفس القسم الطرق على الباب كنت واثقا ان رفاقي لم يعترفوا بشئ وما اتعرض له يتعرضون له هم ايضاً…..
( ضمن مشروع توثيقي عن الحركة الاسيرة في المعتقل الاسرائيلي…) من ذاكرة المعتقل 23-08-1985
مقتطفات من نصوص غير منشورة -وغير معدلة-