الجولان في الارشيف الصهيوني .. معركة تل النيرب
اعداد وبحث: ايمن ابو جبل
عين غيف من وسط بحيرة طبريا( موفع نعموش)
بعد فشل تجربة الوحدة السورية المصرية اثر الانقلاب الذي قاده العقيد عبد الكريم النحلاوي في 28 ايلول 1961 بقيت سوريا تعيش صراعات داخلية حول السلطة بدأت منذ أول انقلاب عسكري نفذه حسني الزعيم عام 1949 ولغاية الحركة التصحيحية التي قام بها حافظ الاسد عام 1970. وقد شهدت سوريا خلال تلك المرحلة العديد من الأحداث التي كانت تنخر في الجسد السوري المشغول في الصراع السياسية على السلطة بعد ان همش العسكر والجيش كل القوى والشخصيات السياسية المؤمنة بالعدالة الاجتماعية وتبني العلمانية والديمقراطية حيث كانت إسرائيل في الجنوب تراقب وتترقب الانقضاض على هذا الجسد الذي تتأكله الصراعات الداخلية… ” ان جيشاً يشتغل في السياسة ثماني عشرة ساعة، ويأكل وينام خمس ساعات، ويتدرب في ساعة واحدة في اليوم.. إن هذا الجيش لن يرجى منه نفع ساعة المحنة) ؟ اللواء فهد الشاعر خلال محاكمته وهو احد كبار قادة البعث في الجيش السوري والذي أتهم بالتحضير لانقلاب بعد رفضه لنتائج حرب حزيران .
لعل معركة تل النيرب في قرية النقيب على شواطئ بحيرة طبريا الشرقية من أكثر الأشياء مضيئة في التاريخ العسكري السوري في المرحلة التي تلت نكبة الفلسطينين عام 1948 وتواطؤ النظام العربي الرسمي على تشريد شعب عربي باكمله من ارضه وتحويله الى شعب يسكن الخيام بأقسى ما عهدته البشرية في العصر الحديث من قساوة وظلم وتنكيل لمصلحة اقامة الدولة العبرية كمشروع استعماري أجنبي في قلب المحيط العربي…
لمعركة تل النيرب التي حدثت في 16-17-3-1962 عدة دوافع ومسببات أهمها الصراع على المياه ورغبة اسرائيل بتحويل مياه نهر الاردن الى شمالي صحراء النقب عبر المشروع القطري بعد تجفيفها الناجح لسهل الحولة والسيطرة علي بحيرة طبريا باستثناء الجزء الشرقي منها الذي بقي تحت سيطرة القوات السورية بعد اتفاقيات الهدنة في العام 1949 في جزيرة رودس. فهي أول معركة عسكرية مباشرة بعد العام 1948 يحقق فيها الجيش السوري تفوقاً عسكرياً بارزاً وخسارة اسرائيلية في الاعداد والتخطيط والارواح البشرية والمادية.
حيث اعتمدت الخطة السورية على استدراج القوات الاسرائيلية القادمة الى قرية النقيب” السورية ” من مستوطنة عين غيف” النقيب العربية” ” وتل كتسير ” تل القصر ” (وهي مناطق احتلتها إسرائيل بعد اتفاقيات الهدنة) وزرع كل المنطقة بالألغام الارضية المضادة للاليات والأفراد وبتكثيف القصف المدفعي على المستوطنات. وتمركز الجنود السوريين في مواقع استراتيجية ثابتة بعد ان توكل احد العسكريين السورين (الذين لم نستطع التعرف على اسمه او اسم اي قائد او ضابط سوري في تلك المعركة عدا اسم المقدم الطيار ناصح العلواني )على رسم خطة المواجهة والدفاع بكل عناية. وفي هذا الصدد يقول المقدم خليل مصطفي في كتاب سقوط الجولان “عقب معركة تل النيرب التي جرت بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية في ليلة 16 ـ 17/3/1962، رفعت تقريراً مفصلاً إلى القيادة العامة، شعبة المخابرات، وأوضحت فيه نتائج المعركة، والخسائر التي مني بها العدو، ثم ذيلت التقرير باقتراح مؤداه أن نجر العدو إلى مجزرة أخرى ننفذها فيه على أرضنا، وفي منطقة البطيحة بالذات، وذلك بافتعال سلسلة من التحرشات الصغيرة، تجعل العدو يقدم على عمل انتقامي كبير ضد قواتنا، يهدف فيه إلى إزالة عار تل النيرب ” او عملية النقيب” الذي لحق بقواته، ورفع معنويات سكانه وخاصة في المنطقة الشمالية من فلسطين المحتلة. ويتابع الاقتراح قوله: (إن من واجب القوات السورية أن تكون مستعدة لذلك الهجوم الذي سنجره إليه، واقترحت لذلك إخفاء وحدات من الدبابات والقوات الراكبة في وديان منطقة البطيحة، استعداداً لساعة دخول قوات العدو في الهجوم ـ الذي ستجره إليه في تلك المنطقة ـ ومتى حدث ذلك، تقوم القوات السورية بتطويق تلك القوات والفتك بها، بعد أن تعزلها نيران المدفعية في خطوط انسحابها أو نجدتها، وبذلك تكون مجزرة للعدو جديدة، تتحطم فيها معنوياته، وتكلفه ضحايا كبيرة جداً، وتظهره أمام العالم بأنه المعتدي ـ لأن الهجوم يجب أن بتم على أرضنا ـ وبذلك نكسب ضده معركة دعائية جديدة، نشوه سمعته، وتكسبنا احترام الأشقاء العرب، وباقي شعوب العالم. ذهب هذا الاقتراح، وغاب أسبوعاً واحداً، ثم أعيد إلي، مع كتاب وقعه رئيس شعبة المخابرات ـ آنذاك ـ العقيد أ.ح محمد منصور، فيه يقول: (يطلب إليكم الكف عن مثل هذه الاقتراحات، ونحيطكم علماً أن سياسة الدولة لا تبيح القيام بمثل هذه الأعمال).
عبد الكريم النحلاوي وهو قائد ومخطط الانقلاب العسكري في 1961 الذي أدى إلى انفصال دولة الوحدة التي نشأت بين القطرين مصر وسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة يقول عن تلك المعركة ” كانت اسرائيل تقوم باستفزاز سورية وكان يحصل اشتباكات بين القوات الإسرائيلية والمخافر السورية وسوريا كانت ما تعترف بالحدود الإسرائيلية لأنه ما اعترفت بإسرائيل يعني الأردن ومصر وكل الدول ولبنان اعترفوا بالحدود ما عدا سوريا لأنه ما بتعترف بإسرائيل، وتل النيرب في قرية النقيب كان فيه قسم بجانب طبريا يسكنه فلسطينيون وبنفس الوقت كانت إسرائيل عم تقوم بتحويل مياه الأردن إلى الجنوب للنقب، سوريا كانت تمنعهم، بقي مسافة حوالي 150 مترا ما تمكنت إسرائيل تحول المياه للنقب لأنه كانت دائما المدفعية السورية تفتح النيران عليهم توقفوا عنه وكانت الاشتباكات مستمرة، آخر اشتباك كان زورق إسرائيلي في بحيرة طبريا أطلقت النار عليه وأغرق وقتل ركاب الزورق من العسكريين الإسرائيليين، قرر بن غوريون كان رئيس وزراء إسرائيل القيام بهجوم لتكنيس واحتلال جميع المخافر السورية اللي واقعة شرق بحيرة طبريا والخطة كانت إقدام لواء مدرع من مستعمرة في جنوب بحيرة طبريا اسمها عين كيف باتجاه الشمال في سهل طبريا وكانت زوارق حربية من البحيرة بحيرة طبريا ولواء مدرع من الشمال لاحتلال جميع المرتفعات الموجودة شرق بحيرة طبريا ولكن كان النجاح بطرفنا والله وفقنا أنه قبل 24 ساعة زرعنا حقل ألغام بهذا السهل تبع طبريا عندما بدأ الهجوم حوالي الساعة 12 بالليل من الجنوب رتل دبابات بمعدل أكثر من لواء معزز بعناصر من الهندسة ومتفجرات، مجرد ما دخل الرتل في حقل الألغام بدأت تتفجر فيه الألغام وصدرت أوامر إلى جميع وحدات المدفعية في الجبهة تفتح نيران على المستوطنات الإسرائيلية، سبعون كيلومترا من الشمال من حدود لبنان إلى حدود الأردن، طبعا بن غوريون اندهش واستغرب أنه خلال فترة الوحدة ما كان في أوامر بفتح النيران.. هلق كيف هالجرأة هذه وإقدامهم على هالخطوة هذه استغرب جدا، كانت النيران المتفجرات تتفجر بالآليات الإسرائيلية عندئذ توقف الرتل عن التقدم وبالنسبة للزوارق اللي كانت عم تتقدم في بحيرة طبريا توقفت واللواء اللي عم يتقدم من الشمال كمان توقف ويعتبر أن الهجوم فشل، في الساعة الواحدة طلبوا من رجال وفد الهدنة إيقاف النار، سوريا رفضت، ردوا الساعة الثالثة كمان طلبوا مرة ثانية وقف إطلاق النار كمان سوريا رفضت، تكبدت إسرائيل خسائر فادحة في هذه المعركة وتركت آلياتها مدمرة وبعض قتلاها وأجهزتها مدمرين إلى الساعة الخامسة قبلت سوريا بوقف إطلاق النار، إسرائيل سحبت بعض قواتها وتركت الباقي، سحبناها نحن بقيت مستعمرة عين كيف اللي كانت على شاطئ بحيرة طبريا 48 ساعة والنيران عم تشتعل فيها.”
احد الجرحى الإسرائيليين” الارشيف الاسرائيلي
لقد كان القادة العرب مشغولون في الصراعات الداخلية تاركين قضية إسرائيل لردود افعال ،وسرعان ما يبدأ الصراخ في استدعاء قوات الأمم المتحدة و اجتماعات لمجلس الأمن وكانت سوريا تشهد انذاك صراعا قويا بين الانفصاليين وضباط الجيش الوحدويين. حين بدأت الزوارق الإسرائيلية تقترب من المخافر السورية المطلة على شاطئ طبريا الشمالي الشرقي، وكانت الأوامر العسكرية السورية واضحة بهذا الشأن، وتتلخص بإطلاق النار على الزوارق الاسرائيلية التي تقترب أكثر من مئتي متر من الشاطئ. وبعد ظهر 16 آذار تقدم زورقان مسلحان إسرائيليان باتجاه مخفر الكرسي، ففتحت القوات السورية النيران عليهما وأصيب أحد الزورقين إصابة مباشرة أدت إلى غرقه. وفي العاشرة ليلاً هاجمت القوات الاسرائيلية موقع تل النيرب في قرية النقيب ونجحت في احتلاله بعد توقف قليل بسبب المقاومة العنيدة من الوحدة المتمركزة فيه. وبعد احتلال تل النيرب توجه المهاجمون إلى البطيحة، وكان قوام القوة المهاجمة كتيبتان من المشاة المحمولة بعربات نصف مجنزرة، يتقدمها بلدوزر لردم الخنادق المضادة للآليات. وشاركت المدفعية الإسرائيلية في المعركة فقصفت الحمة، ولكن الأمور سارت بعد ذلك بشكل دراماتيكي، إذ دخلت القوات المعادية في حقل ألغام تم زرعه في الليلة الماضية، مما أدى إلى تعطيل الهجوم، وانقلبت موازين القوى وتحولت القوات الإسرائيلية إلى مرمى سهل وممتاز للنيران السورية. وبعد ذلك انسحبت سرية الكوماندوز المتقدمة من مواقعها في مخفر الكرسي إلى تل النيرب، بعد عزوف العدو عن متابعة الخطة نظراً للخسائر الكبيرة التي مني بها. ومع انبلاج فجر 17 آذار بدأت القوة المعادية تنسحب باتجاه الأرض المحتلة مع قتلاها وجرحاها وآلياتها المعطوبة. وكانت الخسائر السورية 35 شهيداً منهم قائد الموقع و20 جريحاً واسير واحد فقط ، أما خسائر إسرائيل فقدرت بسبعة قتلى و45 جريح تم إخلاؤها باستثناء جثة لضابطين تم تسليمها فيما بعد والاعلان عن فقدان جندي اسرائيل” يعقوب دبير ” لم يعرف مصيره لغاية . إضافة إلى ثلاث بطاريات مدفعية اسرائيلية . وبفشل هجوم إسرائيل على تل النيرب، توقفت تقريباً المعارك الهامة على المنطقة المجردة من السلاح، التي غدا معظمها تحت السيادة الاسرائيلية وقليل منها تحت السيادة السورية حتى سقوط الجولان دون قتال تقريبا في حزيران 1967.
المؤرخ الاسرائيلي اريه يتسحاكي يقول عن المعركة” الانسحاب من المعركة كان قاسيا ة ومكلفاً بسبب ان المدفعية السورية لم تهدأ على الاطلاق طوال الليل وقصفوا عين غيف بكثافة، مدفعيتنا التي ساعدت قواتنا لم تنجح في اسكات مصادر النيران من المناطق العالية، وتقرر اشراك سلاح الطيران بمشاركة خمسة طائرات حربية دكت مواقع السورين، رغم صعوبة الوضع والاحوال الجوية. لقد كانت العملية غير مدروسة وكان السوريين متأكدين من رد الفعل وتوقيت العملية واستدرجوا قواتنا بعد اشركوا سكان قرية النقيب من جنوبها بخدعتهم. بعد العملية استمر القصف السوري على المستوطنات وعلى الصيادين الاسرائيليين رغم تدخل الامم المتحدة
خارطة لعملية تل النيرب ” النقيب ” الارشيف الاسرائيلي تصوير ابراهام فارا(نعموش)
السوريون اصطادوا في بحيرة طبريا ” صحيفة يديعوت احرونوت 1962
ملخص عملية تل النيرب ” ارشيف الجيش الاسرائيلي
خسائر السوريون اكبر من المتوقع ” صحيفة يديعوت احرونوت1962″ الأرشيف الاسرائيلي
تفاصيل العملية الاسرائيلية “سري للغاية ” ارشيف الجيش الاسرائيلي
بحيرة طبريا من تل النيرب ( حالياً)
بعض من أهل النقيب يطلون من أراضيهم على بحيرة طبريا 1939
عرب قرية النقيب عام 1939
التحضير للمعركة قبل الانطلاق الى داخل الأراضي السورية ” ارشيف الجيش الاسرائيلي)
انسحاب القوات الاسرائيلية من النيرب والنقيب والكرسي الى مستوطنةعين غيف ” الارشيف الاسرائيلي ”
بن غوريون يتفقد القوات الاسرائيلية بعد المعركة
الجندي الاسرائيلي المفقود منذ العام 1962(يعقوب دبير )
قوات الامم المتحدة للفصل بين القوات والمراقبة
المصادر :
– لكي لا ننسى وليد الخالدي-
-فلسطين في الذاكرة .
-ارشيف الجيش الاسرائيل -تل ابيب
-المؤرخ الاسرائيلي اريه يتسحاك
– في اعقاب المقاتلين فرق الجيش الاسرائيلي المقاتلة
– خليل مصطفي -سقوط الجولان
-عبد الكريم النحلاوي-شاهد على العصر- – الجزء الأول- قناة الجزيرة
يديعوت احرونوت ” مقال ل روعي مندل ” النقمة والبطولة والاختراق فوق طبريا
موقع نعموش.