بحث تاريخي إسرائيلي: هكذا هجرّت إسرائيل السوريين من الجولان المحتل
وديع عواودة/ القدس العربي
استعادة الحرب في فيلم سينمائي أدى لتهجير المئات منهم
الناصرة-“القدس العربي”: غداة انتصارها في حرب حزيران/يونيو عام 1967 أنتجت إسرائيل فيلما دعائيا فاخرت فيه بمنجزاتها، لكن وثائق الأرشيف تظهر أبعادا مظلمة في عمليه إنتاجه كما تؤكد صحيفة “هآرتس”. ويكشف المؤرخ الإسرائيلي دكتور آدم راز في بحث، كيف أفرغت السلطات الإسرائيلية الجولان السوري من أصحابه عنوة خلال وبعد الحرب منوها لدور فيلم سينمائي في المزيد من التهجير. ويقول في البحث إن نحو 130 ألف عربيا سوريا أقاموا في الجولان السوري قبيلّ احتلال 1967 لم يتبق منهم سوى حوالي سبعة آلاف معظمهم من العرب الدروز. ويوضح راز أن مصير هؤلاء خلال الحرب لم يقلق الإسرائيليين الذين نظروا فقط إلى الاحتلال السريع مثلما أنهم مغيبون في كتب التاريخ الإسرائيلية. كما يوجه المؤرخ إصبع الاتهام للباحثين الإسرائيليين الذين تجاهلوا سكان هضبة الجولان السوريين رغم أن خرائب قراهم منتشرة في أرجاء الجولان. ويشير لندرة المواد والوثائق عن السوريين الجولانيين في الأرشيفات الإسرائيلية وأن بعضها ما زال يمنع نشره بتعليمات من الرقابة العسكرية، منوها أنهم بدأوا بالرحيل بعد قصف عشوائي ثقيل تعرضوا له بدءا من التاسع في حزيران/يونيو 1967. ويشير إلى أن الآلاف من السوريين الفارين من القصف حاولوا الرجوع لديارهم بعد أيام لكن السلطات الإسرائيلية منعتهم، ويتابع المؤرخ “المتبقون داخل قراهم في الجولان تم إخراجهم على يد القوات الإسرائيلية وتم تجميعهم في القنيطرة وطردوا لاحقا لما وراء الحدود وبالتزامن منعت العودة لـ 100 قرية في الجولان بقيت فارغة”. ويشير راز لعثوره على وثيقة تلقي الضوء على كيفية محو القرى السورية في الجولان السوري: في هذه الوثيقة داخل أرشيف “مركز اسحق رابين” يروي قائد وحدة “غاعش” التي احتلت جنوب الهضبة العاد بيلد، أنه تلقى تعليمات عسكرية بهدم وتدمير القرى بواسطة جرافات كي لا تبقى فرصة للعودة”. ويقدم الباحث الأثري يتسحاقي غال الذي أجرى دراسة أثرية في الجولان السوري بعد احتلاله وهو يقول في يومياته “ما لم تأكله الحرب هدمته الجرافات” وتابع ساخرا محتجا على هدم عمارة أثرية على يد الجنود الإسرائيليين “كل الاحترام للجيش الإسرائيلي!”.
فيلم يحاكي الحرب
ويكشف المؤرخ آدم راز أن السلطات الإسرائيلية لم توثق الحرب في لبنان بالفيديو وعندما تنبهت لذلك لاحقا في ظل طلبات متكررة تلقتها لصور بالصوت والصورة، فبادر قسم خدمات التصوير في المكتب الدعائي الحكومي لتوفير الحل، فتقرر إنتاج فيلم يحاكي الحرب. وفعلا تم إنتاج فيلم دعائي بعنوان “الأيام الستة” يحاكي حرب 1967 أخرجه ألفيرد شطاينهرديت، ويتابع راز “في وثيقة تاريخية روى هذا المخرج عام 2007 كيف ساعده الجيش كثيرا: بدأنا باستعادة فصول تلك الحرب وقد جندنا كل الجيش في الجولان وشرح القادة متى وكيف وماذا حصل”. منوها إلى أن 750 ألفا شاهد الفيلم المذكور خلال عام 1968 ويكشف أن ما جرى خلف كواليس الفيلم وجد في مصادر أجنبية كالصليب الأحمر في جنيف وهو يسلط الضوء على مأساة المدنيين السوريين.
وثائق الصليب الأحمر
وحسب وثائق الصليب الأحمر المكتوبة من قبل بعثة وصلت القنيطرة، تظهر عمليات السلب والنهب التي شهدتها القرى السورية فور احتلالها علاوة على النتائج المدمرة لعملية محاكاة الحرب من خلال الفيلم المذكور “الأيام الستة”. ويستدل من الوثائق أن عملية استعادة تلك الحرب في الفيلم قد جرت بعد شهر من الاحتلال من دون تبليغ السكان السوريين المتبقين في الجولان عن أن الحديث يدور عن تصوير فيلم وليس عن عمليات قصف حقيقية. وتقول وثيقة لبعثة الصليب الأحمر في القنيطرة لمقر المؤسسة في جنيف “بصرف النظر إن كنتم تحبون ذلك أم لا فقد شاركنا في استعادة تترك انطباعا جيدا ومصداقا بعملية السيطرة على القنيطرة بيد القوات الإسرائيلية والهدف إنتاج فيلم والاستعادة تمت هنا مقابل بيت نقيم فيه تحطمت نوافذه”. ويؤكد راز الذي كشف عدة مرات عن ملامح جرائم إسرائيلية في نكبة 1948 وفي مذبحة كفر قاسم عام 1956 وغيرها أن فيلم “الأيام الستة” قد أدى لنتائج كارثية للسوريين المتبقين في الجولان: فقد هرب كثيرون من ديارهم مجددا. ويتساءل لماذا لم تهتم السلطات الإسرائيلية بتبليغ السكان السوريين بأن الحديث يدور عن فيلم فقط وهذا ما سأله مختار القنيطرة في لقائه مع بعثة الصليب الأحمر. ويكشف راز أن 300 مواطن سوري فروا من منازلهم داخل قرية المنصورة وحدها، وعن ذلك قالت وثيقة الصليب الأحمر “فر هؤلاء السكان بعد عملية استعادة السيطرة على القنيطرة بشكل واقعي جدا والتي كنا شهدناها قبل أيام بأعيننا”. وتتابع “أصوات الانفجارات أخافت السكان لدرجة أنهم فضلوا الهرب ولم يتبق سوى ستة منهم”. ويشير راز إلى تطابق هذا الرقم مع سجل السكان الذي أنجزه الحكم العسكري في الجولان في العاشر من آب/اغسطس 1967. لكن إدارة الصليب الأحمر أدانت ما جرى واستذكرت بناء على تقارير ميدانية حالة صمت الموت التي سادت قرية المنصورة بعد التفجيرات المذكورة، وذلك خلال زيارة لها للقرية في 18تموز/يوليو 1967. وتشير وثائق الصليب الأحمر إلى أن ضابطا إسرائيليا رافق البعثة الميدانية التي زارت الجولان في اليوم المذكور وحاول إقناعها بأن السكان السوريين غادروا ديارهم من أجل البحث عن أقاربهم الفارين واستعادتهم، ويتابع نقلا عن الصليب الأحمر: “لكن أحدا لم يصدق مثل هذه المزاعم ولاحقا أبلغته بأن هذه أسطورة فهز الضابط الإسرائيلي رأسه موافقا مبتسما”.
الحكم بالرحيل
ويؤكد راز أن السلطات الإسرائيلية نشطت في الشهور الأولى بعد حرب 1967 من أجل تفريغ الجولان من سكانه العرب خاصة من أتباع المذهب السني بعدما قرروا إبقاء المواطنين العرب السوريين الدروز وقد حكم على قرى أخرى بالرحيل. واستنادا لوثيقة للصليب الأحمر توثق زيارة وفد عنه لقرية فرج في 19 تموز/يوليو يظهر أنها كانت خالية عند زيارتها بعد طرد 60 مواطنا سكنوها. ويتابع راز “حاول الجيش الإسرائيلي جعل زيارة الصليب الأحمر الميدانية مهمة صعبة. ويقول أحد مسؤولي الصليب الأحمر الذي وصل القرية: وجدناها خاوية ومشاهد التدمير والسلب والنهب بادية فيما أحرقت بيوت أخرى بالكامل”. في تلخيص تقريرها كتبت بعثة الصليب الأحمر أن المنطقة تعرضت لعمليات تهجير منهجية على يد الجيش الإسرائيلي الذي نقل عددا قليلا من الباقين من مكان لآخر. ويتابع راز: “وثيقة للصليب الأحمر تلخص عملية طرد الأهالي بعد الحرب تظهر أنه في 11 حزيران/يونيو أبلغت إسرائيل عن وجود 1000 سوري ليسوا دروزا بقوا في الجولان وبعد شهر أعلنت عن وجود 600 آخرين ومن ثم عن 300 بعد شهر”. واستنادا لوثائق الصليب الأحمر يؤكد راز أن إسرائيل قامت بطرد هؤلاء جميعا عنوة أو بالضغط بوسائل أخرى في مرحلة لاحقة.
إخلاء الجولان
ويستذكر راز أدلجة وتبرير السلطات الإسرائيلية لجريمة التهجير، ويقول إن الجنرال شلومو غازيت الرئيس السابق للجنة التنسيق السياسي-الأمني في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 قرر في الماضي عدم اعتبار رحيل السوريين من الجولان تهجيرا أو طردا وتابع “كان هذا أيضا رد إسرائيل على شكاوى ضد تهجيرها فلسطينيين من الضفة الغربية للأردن في مطلع سبعينيات القرن الماضي”. ويشير إلى أن الصليب الأحمر واصل مطالبة إسرائيل بوقف عمليات تهجير المدنيين ويخلص للقول: “في تموز/يوليو 1968 كتب ميخائيل كومي بعد فترة قصيرة من إنهائه تمثيل إسرائيل في الأمم المتحدة: إن عملية تهجير عرب القنيطرة المستمرة منذ شهور تجعلنا نقف أمام أسئلة وادعاءات الصليب الأحمر كل مرة من جديد. لذا اقترح أن تتم مواجهة الواقع: إن لم يكن هناك بدا فمفضل القيام بطرد المشكلة دفعة واحدة بالطريقة الإنسانية”. وعن ذلك يقول راز “هكذا تم تفريغ الجولان من سكانه السوريين”. يشار أن هناك خمس قرى عربية سورية في الجولان السوري المحتل اليوم (نحو 20 ألف نسمة) أكبرها مجدل شمس تليها مسعدة، بقعاتا، عين قينيا والغجر، ويقطن العرب الدروز في القرى الأربع الأولى والعلويون في قرية الغجر على كتف نهر الحاصباني التي تقع بين سوريا ولبنان وقسمتها السلطات الإسرائيلية لشطرين. وحسب روايات إسرائيلية فقد نسيت السلطات طرد سكان الغجر ممن تبقوا داخل جزيرة معزولة لا في سوريا ولا ضمن الدولة المحتلة فبادر وفد عنهم بقيادة مختارها الراحل حسن خطيب لزيارة الكيبوتس الإسرائيلي المجاور دفنا وعندها دخلها الجيش الإسرائيلي. ورغم محاولات التدجين والأسرلة لكن العرب السوريين في الجولان المحتل يحافظون على هويتهم وانتمائهم القومي وترفض أغلبيتهم الساحقة تلقي الهوية الإسرائيلية والمشاركة في الانتخابات المحلية والبرلمانية وغيرها ومن يشذ عن القاعدة يتعرض للحرمان الاجتماعي الذي لا يتردد الشيوخ من بني معروف فرضه عليهم.
وتستغل إسرائيل أراضي الجولان للزراعة خاصة كروم التفاح والكرز والأفوكادو والعنب وسط استغلال لمياهه الغزيرة وترابها الخصب وتقوم بالتنقيب عن النفط أيضا مع شركة أمريكية منذ سنوات علاوة على مرافق سياحية. ويقطن في مستوطناتها نحو 25 ألف إسرائيلي في عدة مستوطنات أكبرها مدينة كتسرين